سياسة لبنانية

قراءة أمنية سياسية في «انفجار برج البراجنة»

أنهى التفجير الانتحاري – الإرهابي المزدوج في برج البراجنة سنة وخمسة أشهر من هدوء أمني لم تخرقه ولم تعكره انفجارات انتحارية وسيارات مفخخة. فآخر تفجير حصل في الضاحية الجنوبية (منطقة الطيونة) كان في حزيران (يونيو) 2014. أما الانفجار الأول فكان في 9 تموز (يوليو) 2013 في بئر العبد. وبين الانفجارين، عام كامل عانى منه أهل الضاحية من إرهاب عشوائي دموي ومن إجراءات أمنية قيّدت نظام حياتهم.
وفي قراءة أمنية – سياسية لهذا التفجير المزدوج، هذه استنتاجات وملاحظات أولية:
1- هذا هو التفجير الأكثر دموية والأعلى كلفة وخسارة بشرية. الحصيلة باهظة والأرقام عالية: نحو خمسين شهيداً وأكثر من مئتي جريح إصابة عدد كبير منهم خطرة… ومن الواضح أنه  جرى انتقاء المكان في منطقة سكنية – تجارية مكتظة وفي وقت الذروة بهدف إيقاع أكبر عدد ممكن من الإصابات في صفوف المدنيين.
2- هذا هو التفجير الأول الذي يتبناه تنظيم «داعش» بعدما كانت التفجيرات السابقة توزعت بين «النصرة» و«كتائب عبدالله عزام» (الفرع اللبناني لـ «القاعدة»)… وهذا معناه أن «داعش» بات موجوداً في الداخل اللبناني عبر خلايا نائمة، وأن قراراً اتخذه بإضافة لبنان الى مسرح عملياته وتصنيفه «ساحة جهاد».
3- التفجير هو الأول بعد فترة انقطاع دامت سنة ونصف شنت في خلالها الأجهزة الأمنية اللبنانية حملة مركزة ضد المجموعات والخلايا الإرهابية أسفرت عن توقيف رؤوسها المخططة والمنفذة. واستئناف العمليات الانتحارية يعلن أن الإرهاب أعاد بناء شبكاته وبناه التحتية من «جيل قيادي ثانٍ»، ويعلن أيضاً أن هذه العمليات رد على عملية التضييق الجارية…
4- هذه العملية الإرهابية تختلف عن سابقاتها في نواحٍ عدة. فقد جرى الإعداد لها باتقان وحرفية بينما كانت التفجيرات السابقة تحمل طابع الإعداد الفردي… ونفذها انتحاريان جاءا مشياً على الأقدام متجاوزين إجراءات أمنية شهدت استرخاء في الفترة الأخيرة بعد استنفار بلغ الذروة في فترة عاشوراء، مع الإشارة هنا الى أن عمليات انتحارية كهذه يصعب مراقبتها ومنعها… كما أن الأحزمة الناسفة التي استعملت في التفجيرين مغايرة لتلك التي استعملت في عمليات سابقة وتحتوي مادة الـ  “C4” ممزوجة بكرات حديد لإيقاع أكبر عدد ممكن من الضحايا.
5- انفجار برج البراجنة حصل بعد انفجارين وقعا في عرسال، وبعد اكتشاف حزام ناسف وعبوة في طرابلس، وبعد توقيف الأمن العام (انفجار البرج حصل بالقرب من مركز للأمن العام) شبكات إرهابية كانت على  وشك تنفيذ عمليات… وبالتالي فإن الانفجار المزدوج يعزز المخاوف والاحتمالات ازاء عودة مسلسل التفجيرات الى لبنان، ويعد مؤشراً الى مرحلة خطرة مقبلة.
6- الأداة المنفذة ليست مهمة وإنما الجهة التي تقف وراءها قراراً تمويلاً وتخطيطاً، و«البيئة الحاضنة» التي قدم منها الإرهابيون. وثمة عوامل عدة ساهمت في تحويل الأنظار الى مخيم برج البراجنة وفي طرح فرضية قيام فلسطينيين بهذه العملية الإرهابية. فمن جهة قرب مخيم برج البراجنة من مسرح الجريمة وحيث أنه لا يبعد إلا مئات الأمتار، ومن جهة ثانية تقصد تنظيم «داعش» في بيان تبنيه للعملية أن يكشف عن هوية المنفذين وإشارته الى فلسطينيين وسوري بهدف إيقاع الفتنة بين المخيم وجواره… وهذه المسألة تنبّه لها الفلسطينيون فكانت بيانات الإدانة بكمية كبيرة ولهجة متشددة التي صدرت عن كل الفصائل (منظمة التحرير – فتح – الجهاد الإسلامي – حماس)، وكانت الإشارة التي وردت في كلام المسؤول السياسي في حزب الله الحاج حسين خليل وقوله إن الإرهابيين لا ينتمون الى فلسطين ولا الى الفلسطينيين.
7- العملية الإرهابية قوبلت بمواقف دولية منددة ومستنكرة لم يسبق أن جاءت سابقاً على هذه الحدة ومن مستويات رفيعة، وعكست اهتماماً شديداً بهذا التفجير الذي أدرج في سياق الحرب المفتوحة مع الإرهاب والعمليات الإرهابية التي تجتاح المنطقة، من تفجير الطائرة الروسية في سيناء الى حادثة إطلاق النار في أكاديمية أمنية في عمان، الى تفجير اللاذقية قبل أيام…
8- التفجير المروع في برج البراجنة لم ينشر الذعر فقط في الشارع وفي صفوف المواطنين، وإنما نشر الذعر السياسي أيضاً… فقد جاء هذا العمل الإرهابي ليفاقم في هشاشة وخطورة الوضع وليضرب نقطة القوة الأساسية المتبقية فيه وهي «الأمن» ويجعل من الأزمات والمشاكل الكثيرة العالقة «معلقة» على خط التوتر الأمني العالي.
وإذا كان ما حدث لم يكن كافياً لكسر مأزق الحكومة ودفعها الى معاودة اجتماعاتها، فإنه سيكون كافياً لتحفيز وتسريع وتيرة الحوار الوطني ودفعه في اتجاه التسوية الشاملة التي دعا إليها السيد حسن نصرالله بعدما بلغ الوضع مرحلة متقدمة من التآكل والاهتراء والتأزم تجاوز طاقة الحكومة وقدراتها، وصار بحاجة الى إعادة ترتيب داخلي والى تسوية مرحلية وانتقالية…
إن مواجهة الهجوم الإرهابي المتجدد يكون أولاً بحملة أمنية هجومية مضادة تبدأ بعملية مسح لكل بؤر الإرهاب والأماكن موضع الشبهة، ولكن المعالجة الأمنية وحدها لا تكفي إذا لم تستتبع وتدعم بمعالجة سياسية وعملية تحصين داخلي وتعزيز المناعة الوطنية… فإذا لم يكن ممكناً الوقف النهائي للعمليات الإرهابية، فإنه يصبح بالإمكان احتواء مفاعيلها ومنعها من أن تحقق أهدافها «الفتنوية» لتجعل من لبنان جزءاً من ساحة عربية متفجرة…

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق