رئيسيسياسة عربية

ماذا يجري داخل حركة «حماس»؟

هل فعلاً ان حركة «حماس» تمر في ازمة حقيقية على مستوى البيت الداخلي وعلى مستوى الخيارات السياسية؟ هذا السؤال العريض اثارته اخيراً مجلة «فلسطين المسلمة» الناطقة بلسان الحركة الاسلامية الفلسطينية، اذ كتب احد رموزها في الساحة اللبنانية رأفت مزة، مقالاً افتتاحياً مطولاً يتحدث فيه عن شعور عميق لدى الصف القيادي في الحركة، بأن ثمة حملة اعلامية وسياسية تتعرض لها الحركة منذ فترة، بغية تشويه توجهاتها وبهدف الاساءة الى رؤاها واهدافها على المستويين القريب والاستراتيجي، والغاية تضييع رحلة نضالها التاريخي الطويل.

هذا الشعور المتراكم لدى الحركة حيال «خطر» الهجمة عليها عبر عنه القيادي المذكور في الحركة اكثر من مرة في لقاءات عدة اجراها مع الاعلاميين في لبنان، سعى خلالها الى تقديم وجهة جلية واضحة لجوهر توجهات الحركة، وفي مقدمها ان الفتنة المذهبية بكل اشكالها هي الخطر المحدق الذي يضر بالحركة وبالقضية الفلسطينية، قضية العرب والمسلمين المركزية، كونه يحرف الانظار عن هذه القضية وما يحيق بها من جهة، وما يغرق الامة في صراعات ومتاهات تفصيلية.
ولاحقاً بادر جهاز الاعلام المركزي في الحركة الى اصدار كتيب هو عبارة عن عملية اعادة القاء الاضواء على توجهات حركة «حماس» على كل المستويات وما تسعى اليه وتطمح لتحقيقه، اضافة الى رؤيتها لواقع ومستقبل الصراع مع العدو الصهيوني.
وبمعنى اخر، كان الكتيب هو اعادة التذكير بثوابت ومسلمات برنامج الحركة ووثائقها الاساسية.
ولاعطاء اهمية للكتيب المذكور، فإنه قدم الى القارىء على اساس ان من اعده وكتبه هو رئيس المكتب السياسي للحركة خالد مشعل اي اعلى رمز قيادي معلن في الحركة التي اعلنت عن انضمامها الى من سبقها من فصائل النضال الوطني الفلسطيني متأخرة كونها افصحت عن وجودها في اواخر عقد الثمانينيات ومطلع عقد التسعينيات من القرن الماضي، اي في عز الانتفاضة الفلسطينية الاولى وهي الانتفاضة التي تعرف في قاموس النضال الوطني الفلسطيني بـ «انتفاضة الحجارة».

ثوابت الحركة
والجلي ان هذا الكتيب المنطوي على ثوابت الحركة ومسلماتها الاساسية والجوهرية، ما كان ليصدر في هذه المرحلة بالذات لو لم يكن ردة فعل جديدة على احساس قيادة الحركة بحجم التأثيرات والتداعيات السلبية للحملة السياسية الاعلامية عليها، حاضراً وماضياً ومستقبلاً.
لماذا هذا الشعور المتنامي لدى حركة «حماس» رغم ان ثمة من رأى في الآونة الاخيرة ان الحركة باتت تعيش ربيعها المتماهي الى حد بعيد مع «الربيع العربي» الذي برعمت ازهاره منذ نحو عامين، وبالتحديد منذ انفجار الانتفاضة في تونس في اقصى شمال افريقيا، ثم انتقالها بعد وقت ليس بالطويل الى مصر ثانياً، وبعدها الى ليبيا، وهي انتفاضات وثورات انتهت كما صار معلوماً، الى تداعي انظمة وارتفاع اخرى مكانها في الدول الثلاث مجتمعة.
واللافت ايضاً ان الحاكمين الجدد في هذه البلدان، ولا سيما في ارض الكنانة وتونس هم من منابت سياسية وثقافية وعقائدية تتماثل وتحاكي الجذر العقيدي والايديولوجي لحركة «حماس» وهو فكر تنظيم «الاخوان المسلمين».
  وبناء على هذا العنصر الدراماتيكي المستجد، بنى المتفائلون مستقبلاً زاهراً واخضر لحركة «حماس» وتوقعاتهم ورهاناتهم، وخصوصاً في مصر التي تتاخم ارضها في سيناء ارض غزة وقطاعها، حيث حركة «حماس» اقامت دويلتها واحكمت قبضتها وبسطت نفوذها عليها، بعدما طردت حركة «فتح» منها في منتصف عام 2007.
لكن اقدار التطورات والتحولات المتسارعة في ارجاء الوطن العربي شاءت ان تربح حركة «حماس» في عاصمتين عربيتين لتكون لها خسارة مدوية في عاصمة عربية اخرى.
ففي الوقت الذي استقبلت بعض قيادة «حماس» استقبال الفاتحين في تونس التي صعدت الى رأس هرم السلطة فيها حركة النهضة التونسية الاخوانية النشأة والعقيدة بزعامة الرمز الاسلامي البارز راشد الغنوشي، نظراً للترابط الوثيق بينهما، وفيما كانت ق
يادة «حماس» تنظر الى ان يكون لها موقع الصدارة في القاهرة التي ارتقت الى صدارة سلطتها الذراع السياسي لتنظيم الاخوان المسلمين المسمى حزب التنمية والعدالة، كان مشعل ومعه كل الفريق المساعد يغادر دمشق للمرة الاخيرة وبلا رجعة على ما يبدو… والى اين؟ الى الدوحة.

اهمية الحدث
أهمية الحدث لا تعرف الا لمن يذكر ان عاصمة الامويين كانت وعلى مدى اكثر من 15 عاماً المقر الاساسي لمشعل، واستطراداً الموئل الاساس لقيادة الحركة الاسلامية في الخارج، وذلك بعدما اوصدت معظم العواصم العربية الابواب امام تواجد قيادييها.
عديدة هي الاسباب التي جعلت مشعل يزور وزير الخارجية السورية وليد المعلم كآخر مسؤول سوري يلتقيه ليبلغه انه سيترك دمشق نهائياً، ولكن السبب الجوهري انه لم يعد بمقدور «حماس» الا ان تخرج من دمشق بعد نحو 6 اشهر من اندلاع كرة النار والعنف فيها، خصوصاً ان الصراع تركز بين نظام الرئيس بشار الاسد ومعارضيه الذين يشكل الاخوان المسلمون عمودهم الفقري.
لم يكن بمقدور «حماس» ان تحذو حذو فصائل فلسطينية اخرى تعيش في سوريا اخذ بعضها جانب الحياد التام، كالجبهتين الشعبية والديموقراطية لتحرير فلسطين، في حين ان تنظيمات اخرى اختارت موالاة النظام في سوريا خصوصاً الجبهة الشعبية – القيادة العامة بزعامة احمد جبريل.
باختصار اعلنت «ح
ماس» انها خارجة من سوريا على قاعدة تعارضها التام مع اداء النظام السوري في معالجة الاحداث المندلعة هناك، وانها لا يمكن ان تكون مع نظام يقتل شعبه وفق ما ردده مشعل وغيره من رموز «حماس» اكثر من مرة.
لكن خروج «حماس» من دمشق لم يكن مجرد انتقال من عاصمة عربية الى اخرى، بل كان في المعيار السياسي انتقالاً من خيار سياسي الى خيار سياسي اخر.

داخل محور نضالي
يوم كانت قيادة «حماس» تلوذ في دمشق كانت تحسب نفسها ويحسبها الاخرون خصوصاً وحلفاء على انها تندرج في سياق محور نضالي واحد يمتد من دمشق ويصل الى طهران، ويمر بـ «حزب الله» في لبنان وصولاً الى غزة، محور واضحة خياراته ومحددة بدقة منظومة حلفائه واعدائه يتخذ من دمشق مكاناً لقيادته ويعتمد على الدعم الايراني المالي والتسليحي.
لكن الانتقال المكاني الى العاصمة القطرية التي فتحت ابوابها امام مشعل ومن معه من قيادات، جعل «حماس» نهجاً واداء على طاولة التشريح والتساؤلات، وفي مقدمها السؤال عن الهوية والخيارات.
وبمعنى اخر، كان السؤال الملح: ماذا عن مستقبل علاقة «حماس» بـ «حزب الله» في لبنان، وهل بالامكان بعدما تباعدا حيال الازمة في سوريا، لا سيما بعدما حسم الحزب خياراته وكشف عن دعمه للنظام في دمشق، ان تحافظ علاقتهما على نمطها المألوف والمعروف؟ واستطراداً ماذا عن واقع علاقة «حماس» بالقيادة الايرانية؟
المراقبون اجمالاً بدأوا يتعاطون مع حركة «حماس» على انها صارت في الفلك المضاد للمحور الذي تخندقت فيه طوال نحو ثلاثة عقود من الزمن، وانها باتت وديعة المصريين لدى الدوحة، لان وجودها الدائم في القاهرة يتعارض والتزامات مصر بموجبات اتفاقيتها التاريخية كامب ديفيد مع الاسرائيليين. ومصر رغم رحيل نظام حسني مبارك وصعود نظام الاخوان، الا انها اعلنت انها ليست في وارد التخلي الان عن اتفاقيتها المبرمة سابقاً ومنها اتفاقية كامب ديفيد.
المراقبون اياهم بدأوا يتساءلون عن الفترة التي تحتاجها «حماس» لتنقلب كلياً على كل خياراتها وعلاقاتها السابقة المعروفة، بكل ما يعنيه ذلك من تخل عن المقاومة وعن حق العودة والقبول باتفاقيات اخرى ابرمتها السلطة الفلسطينية مع الاسرائيليين.
عند هذه المرحلة بالذات ظهر ما صار يعرف بـ «الازمة» عند «حماس». فعلى المستوى العربي العام، صار ينظر الى «حماس» كما ينظر الى حركة «فتح»، ولم تعد تدرج في خانة القوى والفصائل الراديكالية المقاومة لاسرائيل والرافضة لاي تسويات معها.

تعارضات وتناقضات
وعلى المستوى الداخلي في «حماس» برزت التعارضات وان بعيدة عن الاضواء، الا انها تناقضات حادة بدأة تطل برأسها، فثمة شريحة لا يستهان بها من قاعدة «حماس» بدأت تشعر بالغربة ضمن الفضاءات السياسية الجديدة التي وجدت نفسها فيها، ولا سيما ان الثقيف والتوجيه السياسي في الحركة اختلفا وتحولا، فمن كان صديقاً وحليفاً وعضداً بالامس صار يتم التعامل معه كعدو يتعين اسقاطه، وهو حال التعامل مع النظام في سوريا، ولا سيما بعدما سرت معلومات مفادها ان ثمة فلسطينيين محسوبين على «حماس» في سوريا، انخرطوا في المجموعات المسلحة المعارضة لنظام الاسد، اما كمقاتلين او كمدربين او كلوجستيين.
في غضون ذلك، وفي الساحة اللبنانية على وجه التحديد، بدأت تتراجع اشكال التعاون واطر التنسيق المعلنة وغير المعلنة بين «حماس» و«حزب الله» وبين «حماس» وطهران، لا سيما بعدما اضطر احد قياديي الحركة الى القول في الآونة الاخيرة ما مفاده: ان طهران، وان لم تقطع العلاقات معنا نهائياً، الا انها بدأت تخفف من وتيرة مساعداتها المعهودة لنا.
وفي الايام القليلة الماضية، ظهرت في بعض الاوساط الاعلامية والسياسية معلومات مفادها ان بوادر انشقاق بدأت تلوح في اوساط قيادة الحركة في غزة، بين قياديين ما زالوا يؤثرون العلاقة التاريخية مع ايران ويمجدون التجربة النضالية المشتركة مع «حزب الله».
ورغم ان هؤلاء لم يظهروا الى العلن بعد، الا ان مجرد الحديث في هذا الموضوع امر مثير للاهتمام ويعبر فعلاً عن ازمة خيارات وتحالفات كامنة داخل هذه الحركة، ومن الممكن ان تبرز او تفصح عن نفسها بشكل او بآخر بين لحظة واخرى.

ابرهيم بيرم

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق