استشارات ففشل… ففراغ
الاستشارات النيابية الملزمة التي اجراها رئيس الجمهورية، واسفرت عن تكليف رئيس حكومة تصريف الاعمال. نجيب ميقاتي، لاعادة تشكيل حكومة جديدة، ترافقت مع شائعات، حجب غبارها الرؤية، ولم يعد احد يعرف هل ان الامور سائرة نحو التشكيل، ام ان التكليف سيبقى يراوح مكانه. فهناك شبه اجماع في الاوساط السياسية بان الطريق مسدودة امام اي حكومة جديدة، وان حكومة تصريف الاعمال ستبقى حتى نهاية العهد.. فالى ماذا يستند هؤلاء في توقعاتهم؟
لقد عودتنا هذه المنظومة على الفراغ، يشل الدولة عند كل استحقاق. فتشكيل الحكومات كان يستغرق اشهراً طويلة، ووصل في بعض الاحيان الى حوالي السنة. وسيطر كذلك عند انتخاب رئيس للجمهورية اذ بقيت البلاد تنتظر سنتين ونصف السنة، حتى سمحت المنظومة بالعبور، بعد ان اوقعت جميع الادارات والمؤسسات في الشلل التام. الا ان الوضع اليوم يختلف كثيراً، وقد وصل لبنان الى الانهيار الكامل، وهو بامس الحاجة الى حكومة عمل لا الى حكومة مناصب ومكاسب شخصية على حساب البلد وشعبه، فهل تدرك المنظومة هول الوضع الكارثي الذي نحن غارقون فيه، فتسهل ولادة حكومة تبدأ بالعمل امس قبل اليوم لوقف التدهور؟
الشعب بلا خبز، وهذا اخطر ما يمكن ان تصل اليه البلاد. فالرغيف هي اخر ما تبقى للفقراء، بعدما اوقعت المنظومة الشعب بنسبة اكثر من 80 بالمئة، في الفقر والعوز. وعبثاً يفتش المواطن عن رغيف يقتات به فلا يجده، الا في السوق السوداء التي يتاجر محركوها بلقمة الفقراء، وقد وصل سعر ربطة الخبز الى الاربعين الف ليرة ومع ذلك فهي غير متوفرة، فاين وزارة الاقتصاد واين المراقبة الفعالة. لا يكفي ان يطل وزير الاقتصاد ويعلن عن تجار ومحتكرين واصحاب مطاحن ويتهمهم بسرقة المال العام، ولكن عليه ان يحاسب هؤلاء. فهو صاحب السلطة الذي يتسلح بالقوانين. فهل رأينا واحداً من هؤلاء وراء القضبان رغم انهم معروفون من الجميع. من يحمي هؤلاء، ومن اين يستمدون قوتهم ليتحدوا الدولة وقوانينها؟
والشعب بلا مياه ولا كهرباء. وهذا ليس جديداً على وزارة الطاقة. فالكهرباء غابت عن المنازل منذ سنوات، حتى تآلف المواطن مع العتمة واصبح يومه كله ليلاً، ولم يتم اتخاذ قرار واحد يبدد هذه الظلمة. اما المياه في بلد الينابيع الغزيرة والتي لا تحصى، يشتهي المواطن قطرة ماء يبل بها فمه ويغسل وجهه. فقد ابت مصلحة المياه الا ان تساوي بين الكهرباء والمياه فحرمت المواطنين منها. وفي كل يوم يصدر بيان يدعو المواطنين لدفع الرسوم والا نقطع عنهم المياه والكهرباء.. فكيف تهدد وزارة الطاقة بما هو مقطوع اصلاً؟
والشعب بلا ادوية وتفيد الدوائر الطبية ان عدداً من المواطنين اسلموا الروح بسبب عدم تمكنهم من العثور على ادوية يعالجون بها مرضهم. ففي كل يوم يدلي المسؤولون بالتصاريح الفارغة من اي مضمون، واعدين بتأمين الادوية. الا ان وعود المسؤولين باتت معروفة ولم يعد احد يثق بها.
امام هذا الانهيار الشامل تطل الحكومة لتعفي الطبقة السياسية وتعفي نفسها، وكذلك تعفي المصارف، وتحمل الخسائر والتي تفوق الستين مليار دولار، للمودعين. لقد مدت يدها على اموالهم. فانفقت وبذرت وسمحت بعقد الصفقات المشبوهة، وسرقة المال العام، حتى قضت على اخر ليرة في حساب المودعين، ثم جاءت تحملهم الخسائر. انها طبقة لا مثيل لها في اي بلد من بلدان العالم.
تنص القوانين على ان الموظف الذي لا يقوم بعمله كما يجب يطرد من الخدمة. والموظف هو كل من يعهد اليه بوظيفة يخدم من خلالها الناس والمجتمع. فالوزير موظف، والمدير العام موظف والكل حسب التراتبية هم موظفون، فلماذا لا يطرد الذين فشلوا في ادائهم اما الى السجن واما الى المنزل؟. فلو طبق هذا القانون كما يقضي العرف كم يبقى من الوزراء في مناصبهم؟ في لبنان كم كبير من القوانين وهو ليس بحاجة الى المزيد منها، بل انه يحتاج الى مسؤولين يتمتعون بالجرأة والعزم على تطبيقها، فهل مثل هؤلاء موجودون في لبنان؟ تطبيق القوانين يحتاج الى اشخاص يتمتعون بنظافة الكف والسمعة الطيبة، فمن يجد في نفسه هذه المواصفات فليتفضل ويتولى تطبيق القانون… اننا لمنتظرون.
«الاسبوع العربي»