افتتاحية

الحكومة بين الرغبة بالاصلاح… والمعرقلين

التحرك الخارجي الذي تقوم به حكومة الرئيس نجيب ميقاتي سجل بداية جيدة، وكانت الخطوة الاولى باتجاه الصندوق الدولي، وقد بدأته حتى قبل نيل ثقة المجلس النيابي. وتلا ذلك الزيارتان اللتان قام بهما ميقاتي الى باريس وبريطانيا ولقاء الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون. التصريحات العلنية توحي بالايجابية، وان فرنسا على موقفها الداعم للبنان، وان الرئيس ماكرون سيتحرك باتجاه الدول الداعمة من اجل مد يد المساعدة لاخراج البلد الصغير من الهوة السحيقة التي رمته فيها الطبقة السياسية. ويوماً بعد يوم يتبين ان الاهتمام الفرنسي بلبنان يفوق بدرجات اهتمام المسؤولين اللبنانيين الذين يديرون ظهورهم للشعب ويتطلعون الى مصالحهم الخاصة، والا لما بقينا ثلاثة عشر شهراً بلا حكومة، بسبب الخلافات على الحصص والمكاسب.
فرنسا تدرك ان الحكومة التي تشكلت ليست تلك التي كانت ترغب في تشكيلها، اذ انها جاءت وفق محاصصة بين الكتل النيابية، ونالت كل كتلة حصتها منها. بمعنى اخر انها جاءت على شاكلة الحكومات السابقة التي لم تحقق يوماً اي اصلاح، ووصلنا الى ما نحن عليه اليوم، فهل ان الوضع سيتغير هذه المرة؟ لا ندري وان كانت الثقة مفقودة. فمن اوصل البلاد الى هذا الوضع المأساوي، لا يمكن ان يكون هو نفسه الذي يعهد اليه ايجاد الحل. وعبثاً نفتش عن الاصلاح في ظل هذه الطبقة السياسية المستعدة للقتال بكل ما اوتيت من قوة للحفاظ على مكاسبها، ولو على حساب البلد والشعب.
الرئيس الفرنسي الذي يعرف الملف اللبناني جيداً، ويعرف المعرقلين حذر ومتيقظ. ويحاول الدفع باتجاه التغيير. وكان حازماً في مطالبة ميقاتي باجراء الانتخابات النيابية والبلدية في مواعيدها، لانها الباب الى جيل جديد من السياسيين. وقد ربط اي دعم او مساعدة دولية بتحقيق الاصلاحات التي بات يعرفها الجميع، والالتزام بالتعهدات. قد تكون لدى الرئيس ميقاتي النية والعزم على السير بالاصلاحات، ولكننا نعرف، والعالم ايضاً يعرف، ان المعرقلين هم ربما اقوى من السلطة. واذا تعارض الاصلاح مع اهدافهم سيتوقف. ومن هنا كان الحذر وفقدان الثقة. على امل ان يتبدل الوضع، وان يحقق ميقاتي مصالحة لبنان مع محيطه العربي وخصوصاً الخليجي، وبذلك يكون قد سلك الطريق الصحيح. فهل يسمح له بذلك؟ وهل يستطيع مقاومة العراقيل؟
والسرعة في التحرك مطلوبة، ولكن دون تسرع، والا سقطت الحكومة في اول الطريق. فاقدامها على رفع الدعم عن المحروقات، وما سببه ذلك من ارتفاع جنوني في كل القطاعات، كان خطأ فادحاً، اذ كان يجب الالتزام بما تم الاتفاق عليه، وهو تأجيل رفع الدعم الى ما بعد توزيع البطاقة التمويلية. فاحدثت الخطوة احباطاً لدى المواطنين، وبدل ان يستعيدوا الثقة بالحكومة جاءت النتائج عكسية. فالشعب اللبناني ينتظر خطوات ايجابية وسريعة تنتشله من ازماته لا قرارات تغرقه اكثر مما هو غارق. فهل ادرك الرئيس ميقاتي ما سببه القرار الخاطىء؟ ثم كيف سيصلح الوضع والبطاقة التمويلية لا تمويل لها حتى الساعة؟
الشعب يراقب والخارج كله عربياً ودولياً يراقب. فاما ان تنجح الحكومة ويستعيد لبنان مكانته الاقليمية والدولية، وينتفض على محاولات جره الى مكان لا يشبهه، واما تسقط في الامتحان وسيكون سقوطها مدوياً وكارثياً.

«الاسبوع العربي»

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً

إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق