سياسة عربية

العراق: المالكي يحارب على جبهتين: مواجهة الخصوم والتجديد لولاية ثالثة

بدا واضحاً خلال الايام القليلة الماضية، ان رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي، اصيب بنكبات سياسية وامنية كبيرة في الاشهر القليلة الماضية، وكانت ذروتها اقتحام تنظيم «القاعدة» لأهم سجنين في قلب بغداد، هما: التاجي وابو غريب، وتسهيل هروب نحو الف سجين غالبيتهم العظمى تنتمي الى تنظيم «القاعدة» وسواها من التنظيمات والمجموعات الاخرى المشهورة بمعارضتها الشرسة للحكومة العراقية.

كانت عودة العمليات العسكرية النوعية لتنظيم «القاعدة» واخواتها من تنظيمات اخرى تنتمي الى «جيش النقشبندية» وفلول حزب البعث المنحل، على نحو سجلت معه لوائح الضحايا في العراق سقوط ما لا يقل عن 60 الى 70 شخصاً يومياً، وخصوصاً خلال الاشهر الاربعة الماضية.
كل هذه الاوضاع السلبية والخيبات التي احاطت بالمالكي وهي غيض من فيض، دفعته في الآونة الاخيرة الى المضي قدماً في رحلة بحث عن معارك ومواجهات وممارسات عله يستعيد من خلالها ما فقده من هالة معنوية وسياسية، امام دائرة خصومه التي تتسع يوماً بعد يوم، استعداداً لما بعد.
وبناء على كل هذه الوقائع والمعطيات، كانت امام المالكي مهمة التعاطي مع ثلاثة تحديات كبيرة خلال الفترة المقبلة:
الأول: اعادة تلميع صورته بصفته الشخص الاكثر قوة وفاعلية في التركيبة السياسية العراقية، ولا سيما امام الخارج وكل ما جرى من تطورات وما صادفه من عراقيل وخيبات، لم يؤثر عليه وعلى دوره.
الثاني: ان يثبت ميدانياً وعسكرياً انه ما زال القادر على مواجهة الجماعات والمجموعات الارهابية على امتداد الساحة العراقية، والقادر ايضاً على تحديهم ومواجهتهم في عقر ديارهم ومعاقل تحركهم وحراكهم وفي قلب بيئتهم الحاضنة.
الثالث: ان يبعث لمن يهمهم الامر ولا سيما في الداخل العراقي بأنه ما زال الاقوى سياسياً على الساحة السياسية الشيعية، وانه ما زال المؤهل لقيادة سفينة الحكم في العراق لولاية رئاسية ثالثة.

استنفار
وبناء عليه، فإن المالكي «استنفر» في الآونة الاخيرة حراكه على مستوى العلاقة مع عواصم وقوى خارجية. فهو بعد ان استقبل زعيم المعارضة التركية رئيس حزب الشعب الجمهوري كمال كاليدار اوغلو في خطوة وصفت بأنها عملية تحد كبيرة للنظام الاسلامي الحاكم في انقرة، ولمعارضيه السياسيين في الداخل ولا سيما اولئك الذين يرتبطون بعلاقات وثقى مع «حزب العدالة والتنمية» الاسلامي الحاكم في تركيا، عاود اتصالاته بطهران وواشنطن وموسكو، وزار الهند في رحلة اعلن انها تهدف الى الاتفاق حول عقد معاهدات اقتصادية ومنها رفع كمية النفط العراقية المصدرة الى هذا البلد، والى ابرام صفقات اسلحة ومعدات عسكرية لتعزيز قدرات بلاده العسكرية.
وسبق ذلك كله، اطلاق المالكي جملة تصريحات حادة اللهجة موجهة الى من اسماهم العواصم التي تتلاعب بالامن في العراق، وهي تنطوي على تحذيرات من احتمال انتقال عدوى التفجيرات الامنية والفلتان الامني الذي يغذونه في العراق، الى بلادهم بشكل عاجل او آجل.
بطبيعة الحال، ينطلق المالكي في رحلة المواجهة الجديدة الصيغة هذه، مستنداً الى مكسب اخر حققه على المستوى الداخلي، وهو تجميد خلافاته مع اقليم كردستان العراق، ولا سيما بعد ان اوفد الرجل القوي في هذا الاقليم مسعود البرزاني وفداً من القيادات الكردية الى بغداد، ليضع مع المالكي وقادة التحالف السياسي المحيط به، اسساً وقواعد لتفاهمات جديدة للمرحلة المقبلة عنوانها العريض فتح صفحة جديدة تنهي صفحة التوتر والاضطراب السابقة في العلاقة بين بغداد واربيل، والتي استمرت ما يقرب من العامين، وبهذا يعتبر المالكي انه اقفل باب الضغوط التركية عليه عبر النافذة الشمالية وهي اقليم كردستان العراق، وافقد خصمه التركي رجب طيب اردوغان ورقة ضغط وتأثير لا يستهان بها.
 


حملة عسكرية
وعلى المستوى الامني، فإنه كان مشهوداً للمالكي انه جرد في الايام القليلة الماضية، حملة عسكرية لملاحقة مجموعات تنظيم «القاعدة» و«جيش النقشبندية» وهي حملة دفع اليها بنخبة من القوات العسكرية العراقية مزودة بطائرات وآليات متطورة طاولت الحزام المحيط ببغداد، ومحافظات ديالى والانبار وصلاح الدين والموصل والفرات الاوسط، فضلاً عن اجراءات امنية مشددة ونشر نقاط تفتيش جديدة في العاصمة العراقية نفسها.
هذه الحملة اتت وفق بيانات الحكومة العراقية بنتائج ايجابية، اذ اسفرت عن اعتقال مجموعات وخلايا ارهابية عدة وتدمير مقراتهم ومعسكراتهم ومصانع اسلحتهم وعبواتهم الناسفة.
ورغم ان هذه الحملة لم تحل دون وقوع العديد من العمليات الارهابية المتنوعة، الا انها اعطت في المقابل عوائد ايجابية من قبيل ضرب مقولة ان المجموعات الارهابية على اختلاف مسمياتها عادت لتمسك بالارض في محافظات ومناطق عدة على نحو تعيد معه تكرار التجارب السابقة، ولا سيما تلك التي سجلت خلال الفترة الممتدة بين عامي  2000 و2008، اي ابان صيرورة الساحة العراقية على شفا الحرب الاهلية، قبل ان تبرز معطيات ووقائع ميدانية وغير ميدانية تساهم في القضاء على تمدد تنظيم «القاعدة» وقبضه على زمام الامور في عدد من المناطق العراقية.
والى جانب هذه الحملة العسكرية التي ما زالت مستمرة بشكل او بآخر، فإن الاجهزة والحكومة العراقية تحدثت عن انجازات امنية عدة خلال الشهرين الماضيين ومن ابرزها:
– اعادة القبض على اكثر من 400 سجين من الذين فروا في وقت سابق من سجني ابو غري
ب والتاجي داخل المنطقة الخضراء في بغداد.
– القبض على نحو 200 متهم من العناصر والكوادر الفاعلة في تنظيم «القاعدة» في العراق، في اطار عملية ما يسمى بـ «ثأر الشهداء».

 – اعدام اكثر من 30 عنصراً من المدانين بجرائم وعمليات ارهابية.

ضربة موجعة
وعموماً، نجحت حكومة المالكي بشهادة اكثر من متخصص بالشأن العراقي في اعادة الاعتبار الى دورها الامني، وهي تعتبر نفسها بأنها وجهت ضربة موجعة للمجموعات الارهابية ولتحركاتها وتطلعاتها ورهاناتها في هذه المرحلة بالذات، والتي من غاياتها القصوى الظهور بمظهر الموازي لقوى الدولة العراقية، ولا سيما لجهة التأثير الامني، مع اقرار الجميع بأنها ليست الضربة الحاسمة والنهائية لهذه المجموعات التي تعززت حركتها في العامين الماضيين، ولا سيما بعد اندلاع الاحداث في الساحة السورية، ومد جسور العلاقة مع المجموعات المعارضة للنظام في سوريا، ونجاحها في نشر مقولة سياسية فحواها ان المالكي ونظامه السياسي هو الرديف الداعم لنظام الرئيس السوري بشار الاسد، وان اسقاط اي من النظامين في بغداد او دمشق، سيفضي الى تداعي اركان النظام الاخر.
وعلى المستوى الثالث، فالواضح ان المالكي بدأ باكراً معركة التمهيد لولاية ثالثة بعد الانتخابات النيابية العامة المقبلة المزمع اجراؤها مبدئياً بعد اقل من عام ونصف العام.
ولم يعد خافياً ان بعض شركاء المالكي في العملية السياسية، وبالتحديد في الائتلاف الوطني العراقي، هم الذين فتحوا ابواب هذه «المعركة» الحساسة، وابرزهم «التيار الصدري» معلنين انهم سيبذلون كل جهودهم لكي يوصدوا الباب امام تفكير المالكي بولاية ثالثة.
وثمة معلومات في الاوساط السياسية في بغداد، ان «التيار الصدري» اجرى محادثات بعيدة عن الانظار مع المجلس الاسلامي العراقي الاعلى بزعامة عمار الحكيم، محصلتها ان ممثلي التيار وعدوا اركان المجلس بان يكون رئيس الوزراء العراقي المقبل هو من يسميه المجلس سواء من قيادييه او ممن هم خارجه، وذلك تحت قاعدة ان «حزب الدعوة» الذي يرأسه المالكي، اخذ اكثر من دوره، وانه آن له ان يترجل عن دست الحكم.

معادلات جديدة
في المقابل، فإن المالكي استعد لهذه المسألة من خلال نسج علاقات تحالفية مع قسم من زعماء واركان القائمة العراقية، التي خرجت عن اطار القائمة ونسجت علاقات تفاهم ومنظومة مصالح اقتصادية، وزارية ومالية مع المالكي.
وفي كل الحالات، ثمة في بغداد من بات يرى انه في ظل غياب الرئيس العراقي جلال الطالباني الذي لا يعرف بالدقة عن وضعه، وهل ما زال بإمكانه العودة لممارسة نشاطه ام انه في طور الغيبوبة، وفي ظل الغياب القسري لنائب الرئيس العراقي طارق الهاشمي الموجود في المنفى منذ اكثر من عام ونصف العام، وفي ظل هذا التعثر في اداء البرلمان العراقي مقروناً بغياب وزير المال رافع العيساوي، وبخلو مقعدي وزيري الدفاع والداخلية، فإن احداً في العاصمة العراقية لم يعد ينتظر اية «معجزة» تعيد بعث الروح في جسد العملية السياسية، وبالتالي فالكل يعمل ضمناً وعلانية من الان على اساس خوض معركة الانتخابات النيابية المقبلة وفق معادلات وتفاهمات جديدة مختلفة عن السابق.

ابرهيم بيرم

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق