افتتاحية

حذار… الشعب اذا قرر فعل

بعد انتظار طويل نسبياً اقرت الحكومة الخطة الاقتصادية والمالية مرفقة بسيل من تصريحات مسؤولين مهللة ومرحبة ووصفها البعض بـ «التاريخية». الوصف فيه كثير من التبجح، مع ان الخطة هي واجب كل حكومة في اي بلد، لتسير على اساسها وتسيّر امور البلد. فهل نقول «اسمع تفرح جرب تحزن»، ام نقول اسمع تفرح وجرب تفرح ايضاً؟ لا نريد ان نكون الا متفائلين ولكن كيف مع العلم ان صندوق النقد الدولي بدأ التفاوض مع الحكومة على اساسها.
ان الخطة هي في الظاهر من صنع حكومة تكنوقراط او هكذا هي وصفت نفسها. ولكن الحقيقة مجافية للواقع. فهي تشكيلة سياسية مقنعة تابعة لمن جاءوا بها، وسميت بحكومة اللون الواحد. فهي اذاً ابعد ما تكون عن الحيادية في عملها، وخطتها هي من صنع الطبقة السياسية، التي رفضها الشعب عندما قال «كلن يعني كلن». فهل ان من اوصل البلد الى الانهيار يمكن ان يقود الاصلاح؟ لذلك نحن نقول رويدكم ولا تسترسلوا في التفاؤل لان العبرة هي في التنفيذ. وقرارات صندوق النقد ستحسم الامر، اذ لا مجال للاستهتار والتلاعب. خصوصاً وان الخبراء قالوا ان فيها الكثير من الثغرات.
مثلاً نحن نسأل هل ان الحكومة الحالية قادرة على استرجاع الاموال المنهوبة وقد شددت على ذلك؟ اننا نشك في نجاحها. لقد تردد انه سيتم تشكيل محكمة سياسية تتولى التنفيذ، وتحاسب كل من اهدر المال العام. وهذا وحده كاف للتشاؤم. فالطبقة السيايسة في معظمها متهمة من الثوار فهل يمكن ان تحاسب نفسها؟ ان استعادة الاموال المنهوبة لكي يكتب لها النجاح يجب ان يتولاها القضاء العادل وغير المسيس. والفرصة اليوم سانحة لان مجلس القضاء الاعلى الحالي يرأسه قضاة معروفون بالنزاهة ونظافة الكف، ولكن السياسيين يعطلونه او على الاقل يعرقلون عمله، والدليل انه وضع تشكيلات قضائية علمية مبنية على اساس ملفات القضاة وهو الادرى بها، الا ان هذه التشكيلات لا تزال بلا توقيع وموضع اخذ ورد وشد حبال مع انهم لو ارادوا حقاً قضاء بعيداً عن السياسة ولديهم نية الاصلاح، لوقعوا فوراً ودون اي اعتراض. كيف يمكن بعد ذلك ان نثق باي خطة اصلاحية او مشروع؟
السياسيون يعلمون جيداً انهم لا يحظون بالثقة لا في الداخل وقد اكد الناس ذلك من خلال تحركهم في الشارع، ولا في الخارج الذي يردد على ألسنة الدبلوماسيين بان العبرة في التنفيذ. لقد مرت علينا الكثير من الخطط والمشاريع والوعود بالاصلاح، وبقيت كلها كلاماً في الهواء، لم يبصر اي منها النور. والدليل على ذلك اننا منذ سنوات واشهر واسابيع ونحن نسمع عن ان الكهرباء ستتأمن للمواطنين 24/24، ولكن الامور تسير من سيء الى اسوأ. والمواطن يدفع ويعاني. فهل ان الحكومة قادرة على مقاربة هذا الموضوع ومحاسبة الذين هدروا المليارات على تيار كهربائي لا يزال بعيد المنال. ومثله في الاتصالات والمرافىء والتوظيف العشوائي الذي زج في الادارات العامة اكثر من خمسة الاف شخص، خلافاً للقانون، والحكومة عاجزة حتى الساعة عن ازاحة موظف واحد من هؤلاء. فهل ان القرار في يدها؟ وهل انه غير خاضع لارادة السياسيين؟ نحن نتمنى من صميم القلب للخطة الحكومية النجاح وان تثبت لجميع المشككين انهم على خطأ ولكن الامل ضعيف.
ان اهم ما يواجه الحكومة اليوم هو حياة اللبنانيين الذين ان كانوا قد نجوا حتى الساعة من خطر فيروس الكورونا وهذا يسجل للحكومة، فانهم اليوم مهددون بالموت جوعاً، ولا نبالغ ان قلنا ذلك لان الواقع المرير يؤكد صحة هذا الكلام. ولو قمتم بجولة على اي سوبرماركت في البلد لما صدقتم ان الاسعار وصلت الى هذا الحد من الجشع والفحش. لقد تحولت الى وحش فاغر فاه ويريد ان يبتلع الناس. فهل عندكم حل؟ منذ ايام شن وزير الاقتصاد حملة متلفزة هدفها الكثير من الدعاية، من اجل 50 ليرة قرر اصحاب الافران زيادتها على سعر الرغيف اي ما يعادل بضعة سنتات. ولكنه لم يأت على ذكر عشرات الالوف التي طرأت على اسعار بقية السلع الغذائية. ابهذا نحارب الجوع؟
اخيراِ وليس اخراً ننصحكم ان تتحركوا بجدية وبسرعة لمواجهة موجة الغلاء هذه والا لن يكون امامكم متسع من الوقت لتنفيذ خطط مجهولة المستقبل لا نعرف اين ستنتهي. لان الثورة وكما تشير طلائعها لن ترحم احداً وانتم تعلمون ان الشعب اذا قرر فعل، وليست قراراته شبيهة بقرارات السياسيين فاقدة الثقة.

«الاسبوع العربي»

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً

إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق