افتتاحية

لماذا عارض السياسيون محاكمة الرؤساء والوزراء؟

يقول المسؤولون ان اللبنانيين استعادوا ثقتهم بدولتهم. كلام جميل ولكنه هل يعبر عن الواقع؟ هل اقتنع المواطنون بانه تم القضاء على الفساد، وجرت محاسبة الفاسدين، واستعيدت الاموال المنهوبة؟ وهل اصبحوا داخل القضبان؟ خصوصاً بعدما اسقط المجلس النيابي قانون رفع الحصانة عن الرؤساء والوزراء ومحاكمتهم ولنا عودة الى هذا الموضوع في الايام المقبلة. هل انتهى نظام المحاصصة في تقاسم خيرات الدولة والمراكز الرئيسية في الادارات العامة، وهل رفعت يد السياسيين عن القضاء، فاصبح حراً لا يخضع الا لسيادة القانون؟
منذ ايام سربت وسائل الاعلام اخباراً عن الخطة الانقاذية التي تعقد الحكومة جلسات متتالية لبحثها. فنأمل ان تكون هذه الانباء مجرد تسريبات لا اساس لها من الصحة، خصوصاً الاستعانة باموال المودعين لانها لو صدقت لاشعلت حرباً داخلية هي اشد وادهى من حرب فيروس كورونا. لقد تبين ان خسائر الاقتصاد اللبناني بلغت 83 مليار دولار تفكر الحكومة بتعويضها من اموال المودعين. انها فعلاً مزحة لا يمكن تصديقها. فالدولة هي التي عليها ان تعطي المواطنين وتقدم لهم الخدمات، لا ان تأخذ منهم. وهي مطالبة اليوم قبل الغد بتسوية ازمة المصارف التي تحتجز الامانات المودعة لديها فتحرر اموالهم ليتصرفوا بها كما يريدون. وهي مطالبة بحماية العملة الوطنية ولكن ليس من جيوب الناس.
لقد تفاقمت الازمة المالية والاقتصادية والادارية الى حد لم يعد يحتمل، ولذلك من الضروري الاسراع في تحقيق اصلاحات جذرية، لم نشهد منها حتى الساعة سوى التصريحات، والاصلاح الاول يبدأ بالافراج عن التشكيلات القضائية التي ينظر العالم الى تجميدها، بانه مؤشر سلبي جداً سينعكس على علاقات الدول الداعمة بلبنان. لانه يظهر نية الحكومة او عجزها عن تجاوز الاطماع السياسية، وتحقيق الاصلاحات المطلوبة. وزاد الطين بلة، ما رافق الحديث عن التعيينات المالية، ومحاولة البعض الاستئثار بها، بعيداً عن معايير الكفاءة والنزاهة ووفق آلية واضحة شفافة لا يخترقها السياسيون لمصالحهم الخاصة. فاضطر رئيس الحكومة الى سحبها. نحن لا نقول ان الذين وردت اسماؤهم هم موضع شبهات، ولكن اسلوب المحاصصة المتبع اشر الى ان السياسيين لا يريدون التخلي عن هيمنتهم لمصلحة الوطن، وان السياسات التي دمرت لبنان، لا تزال هي اياها، وان الحكومة التي وصفت بانها حكومة تكنوقراط، هي واجهة للجهات السياسية التي لا تزال تتحرك من خلالها وتتحكم بكل شيء.
قبل ايام استعانت الدولة بالخارج وشرحت الوضع امام ممثلي دول الدعم محاولة اقناعها بمد يد المساعدة. وكان يمكن ان ينجح اللقاء لو ان الحكومة قدمت المشروع الانقاذي الذي تتحدث عنه منذ انشائها. وفهم ان الدول الداعمة غير مستعدة للدعم الا باعلان الخطة الانقاذية المقنعة. ولذلك سارعت الحكومة الى تكثيف جلساتها لانجاز هذه الخطة ولكن اي خطة وهل تبصر النور، وهل تقنع الداخل والخارج بفاعليتها؟ لقد اظهرت دول الدعم انها لم تعد تؤمن بالوعود السياسية في لبنان لانها تبقى دائماً حبراً على ورق. والمهم الافعال فهي التي تكشف النوايا. لقد تأخرت الحكومة كثيراً في وضع الخطة الانقاذية. قد يقول البعض ان الحكومة لم يمضِ على وجودها في الحكم سوى فترة قصيرة. ولكن اذا نظرنا الى خطورة الازمة التي تعصف بلبنان ندرك ان الانهيار يسابق الزمن وان كل دقيقة تمر لها تأثيرها على الوضع العام.
لقد اصبح واضحاً ان الاقتصاد لا يمكن ان ينهض، دون الاستعانة بصندوق النقد الدولي، فلماذا المماطلة ولماذا التأخير؟ وما هو البديل الذي تقترحه الجهات المعارضة، فان كان لديها حل فلتتفضل به والا فلتكف عن العرقلة، لان الوقت يمر بسرعة والانحدار نحو الهاوية اسرع.
ان الحكومة تصبح في وضع يخولها القول ان اللبنانيين استعادوا ثقتهم بدولتهم، عندما تخوض معركة محاربة الفساد التي حتى الساعة لم نر خطوة واحدة فعلية في هذا المجال. فهل رأينا فاسداً من الكبار دخل السجن وجرت محاسبته، وطلب اليه اعادة الاموال المهدورة والتي افرغت الخزينة؟ وعليها قبل كل شيء وضع حد لسياسة المحاصصة التي ساهمت الى حد كبير في نشر الهدر والفساد ودعم المصالح الخاصة على حساب المصلحة الوطنية العليا.
ان المواطن اللبناني يطمئن حقاً الى دولته والى غده عندما يرى ان الذين اهدروا مال الخزينة اصبحوا في السجون. وهذا حلم اقرب الى الخيال من الواقع. فلو ان الحكومة قادرة على الانقاذ لفتحت ملفات كل وزارة من وزارات الدولة، واي ملف تفوح منه روائح تعمد الى محاسبة الوزير الذي تسبب بالهدر، وتطالبه باعادة الاموال الضائعة. وهكذا تستعيد مالها الذي هو مال الشعب. فهل هي قادرة على هذا العمل؟ وهل يسمح لها السياسيون خصوصاً بعدما كشفوا عن وجوههم في المجلس النيابي واسقطوا كل ما يمكن ان يؤثر عليهم او يمس بسلطتهم. فهل لا يزال هذا المجلس يمثل الشعب حقاً وقد عادت الثورة الى الشارع متحدية فيروس كورونا؟ ولماذا سقط قانون تقصير ولاية المجلس واجراء انتخابات نيابية مبكرة. وعندها يقرر الشعب ما يريد؟ فهل يفرج السياسيون عن هذه القوانين؟

«الاسبوع العربي»

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً

إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق