افتتاحية

الثورة عائدة ومعها ساعة الحساب

من يصدق انه في عز انتشار فيروس كورونا، والعالم كله منشغل بمحاربته وتخفيف عدد ضحاياه الذي فاق عشرات الالاف، ينشغل السياسيون في لبنان بتقاسم خيرات الادارة والهيمنة عليها، غير عابئين بما يجري في مختلف الدول؟
من يصدق ان الخلافات السياسية في لبنان تحولت الى اشد وادهى من فيروس كورونا وتكاد تقضي على اخر امل لنا بالمساعدة الدولية التي وحدها تستطيع ان تنتشلنا مما نحن فيه، رفضوا التشكيلات القضائية النظيفة البعيدة عن التدخلات، فجمدوها، وهي تنتظر ان يتم الافراج عنها. واختلفوا على تعيين نواب حاكم مصرف لبنان، ومفوض الحكومة لدى هذا المصرف، وهيئة الرقابة على المصارف، فترنحت التعيينات على طاولة مجلس الوزراء. هل ان الوقت مناسب للمماحكات والمحاصصات في ظل هذه الازمة الصحية القاتلة؟ وهل هذا هو الاصلاح الذي طالبت به الدول المانحة والذي وعدوا بتحقيقه؟ ان اول بند في شروط هذه الدول لمد يد المساعدة هو اصلاح الكهرباء، وقضاء مستقل بعيد عن التدخلات السياسية والمحاصصات. فالعدل يقوم على الحق والحق وحده، وليس على رغبات هذا السياسي او ذاك. فماذا يمكنهم ان يقولوا اذا سئلوا عن هذا الوضع المخجل؟
لقد طالبهم الشعب والخارج بتناسي المصالح الشخصية والتطلع فقط الى مصلحة الوطن فكان النداء صرخة في واد. ان مصالحهم تعلو دائماً فوق الجميع، فهل بعد هذا كله يمكن ان نصدق ان الاصلاح سيأتي على يد هذه الطبقة السياسية؟ وهل ان من اوصل لبنان الى هذه الحالة يمكن ان يتحول الى مصلح يعمل على انهاض البلد من كبوته. لقد زرعوا اليأس في نفوسنا بدل الامل، وبتنا اكثر من اي يوم مضى متمسكين بالتغيير. فمن خرب الوضع المالي والاقتصادي خدمة لمصالحه الخاصة لا يمكنه ان يبني من جديد.
كل شيء في البلد يخضع لمصالحهم دون التطلع الى المصلحة العامة. معظم الدول اعلنت حالة الطوارىء لضبط الناس وحملهم على ملازمة منازلهم. الا عندنا في لبنان لان السياسيين يريدون ان يبقى القرار بيدهم، وهم يعلمون ان القرار السياسي منذ عقود هو اياه، وهو الذي اوصلنا الى ما نحن عليه من اهتراء اقتصادياً ومالياً وسياسياً. ان الجيش هو المؤسسة التي شهد الجميع بنظافتها وكفاءتها، وهو القادر على ضبط الامور وتنفيذ القرارات التي تحفظ اللبنانيين. وهو اذا قال فعل على عكس السياسيين الذين يتحمسون على اتخاذ القرارات ومتى اصبحت واقعاً يتناسونها ولا يطبقونها والامثلة اكثر من ان تحصى وتعد.
ثم ان السياسيين يتناسون ان دورهم ليس محصوراً باعلان التعبئة العامة ولا حتى باعلان حالة الطوارىء، ان عليهم بذل كل جهد ممكن لمواكبة نداء «خليك بالبيت» بسلسلة اجراءات ضرورية من مثل توفير المستلزمات الطبية الوقائية للمواطنين وخصوصاً الاقنعة الواقية، وقد طارت اسعارها بشكل كبير كما كل اسعار السلع الاخرى، دون ان يتحرك المسؤولون لردع الجشعين من التجار الذين يريدون ان يثروا على حساب حياة الناس. فماذا اتخذت الحكومة من تدابير لمحاسبة هؤلاء وانزال اشد العقوبات بهم لان طمعهم جريمة لا تغتفر؟ هل سمعنا ان تاجراً واحداً اوقف وخضع للتحقيق وادخل السجن، ام انهم يكتفون بتسطير محضر ضبط، لا توازي قيمته نسبة ضئيلة جداً من الارباح الفاحشة التي يحققونها دون وجه حق؟ اذا كنتم غير قادرين على محاسبة الناس استغلوا موجة الكورونا الخطيرة، وكانوا اشد خطراً من الفيروس القاتل، فعلى الدنيا السلام، فالتزموا منازلكم وهذا خير لكم. اذ كيف تستطيعون وانتم بهذا العجز ان تستعيدوا الاموال المنهوبة، التي وحدها تغني لبنان عن مد يد لاحد وطلب المساعدة. ولكن اين هي الجهة القادرة على المحاسبة؟ ان الخزينة المنهوبة لو بقيت على حالها ولم تتعرض للهدر والنهب، لكنتم اليوم بافضل حال ولستم مرغمين على طلب المساعدات التي يبدو انها لن تأتي، طالما ان سياستكم قائمة على المحاصصة والمصالح الخاصة، بعيداً عن مصلحة الوطن والمواطن. لقد وجهتم نداءات الى العالم لمساعدتكم على سد النقص في المستلزمات الطبية فهل من لبى النداء؟ فالعالم فقد ثقته بالسياسات الفاشلة التي تعتمد منذ عقود، والتي فشلت في بناء دولة.
الكورونا خدمتكم لانها جمدت الثورة والزمت المنتفضين بالبقاء في منازلهم، حرصاً منهم على عدم نشر الفيروس. فالشعب يتحمل المسؤولية اكثر بكثير من معظم السياسيين، ولو كان لا يزال قادراً على التحرك لالهب الارض تحت اقدام المتقاعسين، واللاهثين وراء مصالح ذاتية بعيداً عن مصلحة البلد والناس. ولكن اطمئنوا فالثورة قائمة وستعود بقوة ليست في حسبانكم وعندها تعود الامور الى السكة الصحيحة. ان تدمير خيام المنتفضين لا يخمد الثورة بل يمنحها المزيد من القوة والدفع وهي تتحضر لساعة الحساب.

«الاسبوع العربي»

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً

إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق