افتتاحية

الاسئلة ملحة فهل من اجوبة؟

تناقض فاضح يلف الجو السياسي العام في البلاد، وهذا دليل تخبط وارتباك في غياب الخطط الواضحة للخروج من الازمة المالية والاقتصادية. يقول المسؤولون انهم يحققون انجازات، وانهم ماضون في محاربة الفساد وتحقيق الاصلاح المنشود، دون ان ينسوا شن الحملات ضد المعارضين، رغم وعودهم بانهم لن يتلهوا بالمناكفات السياسية بل انهم سينصرفون الى العمل. يقابل ذلك شكوى من الداخل والخارج معاً تطالب الحكومة بتحقيق الاصلاح الشامل، الذي وحده كفيل بانهاء الازمة. حتى ان الصندوق الدولي نبه المسؤولين الى ضرورة الاسراع في تنفيذ ما وعدوا به.
كان من الممكن ان نصدق ان النية متجهة الى محاربة الفساد واستعادة الاموال المنهوبة وملاحقة الفاعلين، غير ان شيئاً من ذلك لم يظهر حتى الساعة. فلم نر متهماً واحداً كبيراً داخل القضبان، لنثق بان الحكومة جادة في تنفيذ وعودها. سمعنا ان السياسيين لن يتدخلوا في شؤون القضاء، وانهم يريدون قضاء مستقلاً عادلاً، والفرصة متوفرة لهم بوجود قاضٍ على رأس مجلس القضاء ومدع عام للتمييز شهد الجميع لهما بالكفاءة والنزاهة والقدرة على اعادة بناء قضاء سليم مستقل عن السياسة ومفاعيلها الهدامة، وانصرف مجلس القضاء الى اعداد تشكيلات قضائية قائمة على العدل والكفاءة والنزاهة بمعزل عن اي اعتبارات اخرى، الا ان هذه التشكيلات اعيدت اليه. فلو كان السياسيون لا يريدون التدخل في القضاء لتركت التشكيلات كما وضعت وبعدها يمكن للمسوؤولين المحاسبة.
لقد كان رد التشكيلات الى مجلس القضاء رسالة سلبية للداخل والخارج الذي كان اعتبرها خطوة اصلاحية. لم يقتنع مجلس القضاء بالاسباب التي وردت في الرد فاعادها كما هي وبالاجماع، وكما وضعها هو نفسه، باعتبار انه الاعلم بشؤون القضاء، وهو ملم بكل ما يجري في الداخل، خصوصاً وان التشكيلات جاءت على اساس دراسات عميقة لملفات والبناء عليها.
وما يوجع اللبنانيين اليوم ان الدول المهتمة بشؤون لبنان مستنفرة لمحاربة الكورونا، هذا الوباء الذي يهدد العالم، وقد انصرف عدد كبير الى اعلان حال الطوارىء، اما نحن فبقينا مترددين في هذا الاعلان واعلنا التعبئة العامة لماذا؟ الجواب بسيط وهو ان السياسة عندنا التي لا تزال تتحكم بها الخلافات والمناكفات، مسيطرة على كل شيء. ففيما كان اللبنانيون ينتظرون ان يصدر عن الحكومة قرار يحمي اللبنانيين بصورة افعل وافضل يطل المسؤولون ليقولوا للشعب اللبناني الخائف على حياته، ان اللجنة الخاصة لا ترى ضرورة لاعلان حالة الطوارىء فهل هذا معقول؟ ان عدم اعلان حالة الطوارىء يشبه تماماً ما حدث عند بدء الازمة عندما اصر المعنيون على عدم وقف الرحلات من الدول الموبوءة، فاستمرت الحركة واستمر معها نقل الفيروس القاتل، الى ان انتشر بصورة كبيرة، فاتخذ القرار، ولكنه جاء متأخراً جداً، اذ خرج المرض من مرحلة الاحتواء. وهكذا فان قراراتنا تأتي دائماً متأخرة بعد فوات الاوان.
ماذا كانت النتيجة؟ ان الحكومة بدل ان تعترف بالخطأ شنت حملات على المعارضة، لالهاء الناس عن الموضوع الاساسي. ولا ينحصر التقصير في قضية الصحة بل في قضايا اخرى عديدة، مثل الازمة المالية والاقتصادية. اسابيع مرت على تشكيل الحكومة ولكن حتى الساعة لم نشهد سوى وعود وتشكيل لجان فمتى يحين موعد العمل والخروج بنتائج؟ هل يعتقد المسؤولون ان الازمة الخانقة تتحمل كل هذا الوقت الذي يضيع يوماً بعد يوم دون ان تظهر ولو بوادر للحل.
ان المواطنين يسألون بماذا تختلف هذه الحكومة عن سابقاتها التي اوصل اداؤها الى الكارثة. لقد بدأوا يشعرون ان الازمة هي اكبر من الحكومة ومن قدرتها على معالجتها. لذلك بدأت ترمي سهامها باتجاه جهات سياسية مختلفة، رامية المسؤولية يمنة ويسرة. نحن نعلم ان الحكومات السابقة لم تكن على مستوى الاحداث وان سياساتها كانت خاطئة، فهل جاءت الحكومة الجديدة لتسير على المنوال عينه؟
المهم اننا شبعنا وعوداً وبات من الضروري ان نشهد التنفيذ، ولو في حده الادنى، علنا نسترجع بعض الثقة المفقودة. فلماذا لا تنصرف الحكومة الى معالجة تسعير الدولار ووقف انهيار العملة الوطنية، التي ينعكس التلاعب بقيمتها على حياة المواطنين فيزيدهم فقراً؟ لماذا لا تحاسب الصيارفة على تجاهلهم لكل القرارات التي صدرت عن المصرف المركزي؟ لماذا لا تعالج قضية البنوك وحجز اموال المودعين؟ ولماذا لا توقف التجار واصحاب السوبرماركت عند حدهم وتمنعهم من التلاعب بمصير الحياة المعيشية التي فاقت قدرة المواطن على التحمل؟ الاسئلة كثيرة فهل من جواب.

«الاسبوع العربي»

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً

إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق