ماذا يريد الناس من الحكومة؟
«بقاء لبنان بلا حكومة عمل غير مسؤول». هذا ما قاله المنسق الخاص للامم المتحدة يان كوفيتش. انها صرخة في واد، يرددها الحراك الشعبي منذ حوالي الثلاثة اشهر، ويحذر منها العالم وبالتحديد الدول الصديقة للشعب اللبناني التي تهتم به اكثر من سياسييه. انه امر مثير للدهشة حقاً. البلد يغرق ويزداد وضعه خطورة يوماً بعد يوم والسياسيون صم لا يسمعون ولا يرون ولا يبالون حتى بما يجري، فهمهم تناتش الحصص وتقاسم الوزارات «الدسمة» التي تدر عليهم المنافع. اما الوطن والمواطنون فهم في اخر سلم الاولويات. العالم يتعجب ويطلق التحذيرات والشعب يصرخ في الشوارع وهم غافلون. لو كانوا حقاً يحملون المسؤولية هل كان الفراغ مسيطراً طوال هذه المدة، فلا حكومة تدير شؤونه وتعمل على انقاذه من الازمة الخطيرة التي يتخبط بها، ولا حكومة تصريف الاعمال تقوم بما يفرضه عليها الدستور والقوانين. فتبقى تدير شؤون البلاد الى ان يتم تشكيل حكومة جديدة تأخذ بزمام الامور. فرئيسها في سياحة ووزراؤها في شبه اجازة ولا من يسأل ولا من يحاسب.
وعدوا الناس بحكومة تكون عيدية رأس السنة الا ان خلافات السياسيين حالت دون تحقيق الوعد، فمتى يستفيق الضمير وتتشكل حكومة تعالج الوضع المتدهور. فبعد ان قيل ان هناك اتفاقاً على تشكيل حكومة اختصاصيين، عادت المناقشات الى نقطة الصفر وعادوا الى نغمة التكنوسياسية، وهم يعلمون ان الثورة ترفض رفضاً قاطعاً دخول السياسيين بعدما اثبتوا فشلهم الذريع على مدى سنوات طويلة. وهذا ان دل على شيء فانما يدل على ان رجال السياسة عندنا لا يشعرون بوجود شعب يصرح ويئن ولا يهمه ان كانت الحكومة تكنو-سياسية ام تكنوقراط، ام غير ذلك، بل ان ما يريده هو ان يكون هناك من ينتشله من الهوة التي رموه فيها. انه يريد الكهرباء والمياه، واسترجاع امواله المصادرة داخل المصارف، وهو عاجز عن التصرف بها. انها جنى عمره فبأي حق يحرم منها؟ من يعيد اليه امواله الضائعة؟
لماذا عادوا الى نغمة التكنو-سياسية؟ في الظاهر يقولون ان الوضع الاقليمي يحتم ذلك، ولكن الحقيقة انهم يخشون في حال غياب ممثلين عنهم داخل الحكومة ان تتم محاسبتهم على ما جنت ايديهم بحق الشعب والوطن من هدر وفساد وايصال البلد الى الانهيار. فتراجعت بورصة الاسماء وانخفضت حظوظ البعض وعاد الصراع على الحصص، وجرى سحب اشخاص لصالح سياسيين، فهل يقبل الرئيس المكلف بهذا الواقع وهو الذي ما انفك منذ تكليفه بتشكيل الحكومة ينادي بحكومة اختصاصيين؟ وهل يرضخ للضغوط السياسية ام يعتذر حفاظاً على كرامته؟
على كل حال الناس لا تهمهم التسميات والاشكال الحكومية، بل المصلحة الوطنية العليا. يريدون اشخاصاً نظيفي الكف يتمتعون بالكفاءة، يؤمنون لهم الخروج من الازمة المستفحلة سياسياً واقتصادياً ومالياً ومعيشياً التي القاهم فيها السياسيون. انهم يريدون الكهرباء والمياه، ومكافحة الغلاء، وضبط اسعار الدولار وايقاف الصيارفة عند حدهم، وتحرير اموالهم من المصارف وغيرها وغيرها. وما دمنا في الحديث عن الكهرباء، نريد توضيحاً من المسؤولين والمعنيين عن سبب هذه التغذية المتردية في التيار؟ فبعد ثلاثين سنة من انتهاء الحرب الاهلية، اعادونا الى نور الشمعة، فماذا فعل وزراء الطاقة الذين تعاقبوا على تولي المسؤولية منذ العام 1990 حتى اليوم؟ وماذا فعلت ادارة شركة الكهرباء التي تربعت على عرش المؤسسة منذ اكثر من عشرين سنة. فماذا حقق كل هؤلاء وما هي انجازاتهم؟ لقد انفقت الخزينة اكثر من اربعين مليار دولار ولا نزال بلا كهرباء، بل عدنا الى المربع الاول، فما هو السبب ومن يحاسب هؤلاء؟ هل سمعنا مرة ان المجلس النيابي الذي يملك سلطة المحاسبة، استدعى وزيراً او مسؤولاً ادارياً وسأله عن سبب تقصيره، وعما فعله خلال فترة توليه المسؤولية، واين الاموال التي انفقت على الكهرباء؟
ثم هل ان وزيراً من وزراء الطاقة المتعاقبين وهم الاوصياء على شركة الكهرباء استدعى احد مسؤولي الشركة وسأله ما فعله وماذا قدم للناس؟ وهل من حاسب الادارة على تقصيرها؟ هل تم التحقيق في الصفقات التي هدرت اموال الخزينة والدولة وافرغت جيوب اللبنانيين حتى وصلنا اليوم الى العتمة؟ بالطبع لا! لا تحقيق ولا من يحققون.
الاسئلة كثيرة والمطالب اكثر والاهمال والتقصير اكثر واكثر وسنعود الى كل هذه المواضيع في الاوقات المحددة.
يقولون انه سيكون للبنان حكومة جديدة خلال ايام فعسى ان تصدق الوعود هذه المرة شرط الاتيان باشخاص نظيفي الكف ويتمتعون بالكفاءة حتى يتمكنوا من تحقيق مطالب الناس فهل تحدث المعجزة؟
«الاسبوع العربي»