افتتاحية

هل ينتفض الرئيس المكلف مع الشعب؟

اكثر من شهرين والمواطن اللبناني متروك الى قدره، بلا حكومة ترعى شؤونه وتنقذه من هذه الازمة الخطيرة التي تعصف بنا، ولم يشهد لبنان في تاريخه مثيلاً لها. فلماذا كل هذا التقاعس واللامبالاة وعدم تحمل المسؤولية؟
من يصدق ان الازمة تتصاعد بشكل كبير لا لسبب الا خلافات السياسيين في ما بينهم. فهم لا يزالون يتصرفون بالعقلية ذاتها التي سادت منذ عشرات السنين وادت الى الخراب والانهيار. العالم كله يقف مذهولاً امام هذا الاستخفاف في التعاطي مع قضية مصيرية كالتي نشهدها. لقد كان الاولى بالمسؤولين ان يبادروا فور استقالة الحكومة، الى تشكيل حكومة جديدة تتمتع بالكفاءة والنزاهة وتنطلق في العمل الجدي لاخراج البلد مما يتخبط فيه. ولكن التقاتل على الحصص والمكاسب والمصالح الشخصية حال دون ذلك. لقد تجاهل السياسيون ان لبنان بعد 17 تشرين الاول لن يكون كقبله، لان الشعب الذي صبر طويلاً استفاق على هول ما اوقعوه فيه فانتفض ولن يهدأ، قبل ان يضع حداً لهذه المهزلة السياسية.
وغياب المسؤولية ادى الى ضرب الحياة المعيشية للبنانيين. ونبدأ بالمصارف التي يجب ان تكون ودائع الناس لديها امانة يسترجعها اصحابها متى ارادوا، ولكن ما حصل يدعو الى الاستغراب والتساؤل. لقد اخلت المصارف في الحفاظ على الامانة وفقدت ثقة المواطنين، بعد ان صعبت عليهم حياتهم. فهناك استحقاقات يتوجب على المودعين دفعها، وهناك اقساط مدرسية وجامعية، وهناك الكثير، فمن اين يأتي المواطن بالمال ليدفع، طالما ان المصارف تحتجز ودائعه وتمتنع عن تحرير الامانات لديها؟ ومن يحاسب هؤلاء ومن يعيد الاموال الى اصحابها؟ الشائعات كثيرة بحيث لم نعد نعرف الصحيح من الخطأ، والناس قلقون على جنى عمرهم، فهل من حكومة تتشكل سريعاً وتتحمل مسؤوليتها كاملة وتجيب عن كل هذه التساؤلات لتطمئن الناس؟
والكارثة التي حلت بالمواطنين في ظل هذا الفراغ الحكومي القاتل، تتمثل في الاسعار التي ارتفعت بنسب خيالية، فاقت قدرة المواطن على تحصيل قوته وقوت عياله، والدولة غائبة لا حسيب ولا رقيب. لقد بلغت نسبة ارتفاع الاسعار اكثر من خمسين بالمئة، وبتنا نرى الارقام تتبدل يومياً واحياناً مرتين في اليوم. لقد خصص لهذه الفوضى موظف في السوبرماركت يحمل في يده آلة التسعير، ويدور على الرفوف مبدلاً الاسعار، في فوضى لم يعرف لبنان مثيلاً لها. واذا سألت عن السبب يجيبونك بان الدولار وصل الى 2200 ليرة بفعل التلاعب والطمع والجشع، فمن يحاسب؟ وهل يقوم موظفو مصلحة حماية المستهلك ومفتشو وزارة الاقتصاد بزيارات الى السوبرماركات والاطلاع على هذه الفوضى العارمة في الاسعار؟ وما هي التدابير التي اتخذت لوقف هذه المجزرة؟ صحيح ان البلد يعيش في ظل حكومة تصريف اعمال، ولكن من واجبات هذه الحكومة ان تهتم بالامور الملحة، وخصوصاً تلك التي تتعلق بحياة المواطنين وتنصرف الى معالجتها. فلماذا لا يتحرك المسؤولون؟
على مدى اشهر طويلة كنا نسمع المسؤولين يقولون بأن الليرة متينة، وهي محافظة على ثباتها ولن يسمح احد بالمس بها. وفجأة انهار كل شيء فهل كانوا يتلاعبون بالناس ويخدعونهم. اين المحاسبة والى اين نحن سائرون؟
لماذا لا تتشكل حكومة في مهلة 24 ساعة، كما يجري في الحالات العادية في دول العالم، فكم بالاحرى اذا كان البلد يعيش في ازمة كالتي نشهدها؟ يتحدثون عن اشكال وانواع من الحكومات، تكنو – سياسية، تكنوقراط، حكومة اختصاص، الخ… وكل شكل من اشكال هذه التشكيلات لها انصارها ومؤيدوها، وقد عجز السياسيون عن الاتفاق على صيغة واحدة تراعي مصلحة البلد ومصلحة هذا الشعب المنتفض منذ اكثر من شهرين، وهو مصمم على عدم التراجع حتى يحقق التغيير ويأتي باشخاص يتمتعون بالكفاءة والنزاهة فيعيدون الامور الى نصابها، وينفضون مساوىء هذه الطبقة السياسية التي تتحكم بالبلاد منذ عقود، وقد اوصلتنا الى هذه الحالة المزرية. فهل من يسمع؟ فهل يتمكن الرئيس المكلف من تشكيل حكومة ترضي الناس قبل السياسيين، وتسارع الى تنفيذ الاصلاحات التي يطالب بها الداخل والخارج، ام ان العراقيل السياسية والمحاصصة والمصالح الشخصية ستقف حجر عثرة في الطريق وتمنع كل اصلاح؟ وهل هناك من هو قادر على الانتفاض مع الشعب وخصوصاً الرئيس المكلف؟ عسى ان تحمل الايام الطالعة ما يبرد غضب الناس وان كان الامل ضئيلاً او شبه معدوم.

«الاسبوع العربي»

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً

إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق