سياسة لبنانية

عون رفع سقف المبادرة وحلفاؤه وخصومه يرفضون المس بالطائف

كيف نظرالافرقاء الى مبادرة العماد ميشال عون وكيف قوّمها البعض وكيف تعامل معها الحلفاء والخصوم في السياسة، وهل اعتبرت المخرج السليم من المأزق وانهاء حال الفراغ في سدة الرئاسة، واجراء انتخابات رئاسية، سواء من الشعب او عبر النواب، وهل تساهم المبادرة كما اعلنها عون في اخراج الاستحقاق من عنق الزجاجة، واتباع الانتخابات الرئاسية بالنيابية في الموعد الدستوري من دون اللجؤ مرة جديدة الى تمديد ولاية المجلس؟ ام ان المبادرة عقّدت الامور بدل ان تسهل السعي الى حل للاستحقاق، وادت الى تأزيم الوضع السياسي اكثر مما هو عليه من التأزيم؟

تباينت المواقف من المبادرة وفق مواقع الاشخاص والتزاماتهم السياسية. فقد اعتبرها البعض نسفاً لاتفاق الطائف وتغييراً للنظام وتعديلاً في المعادلة التي  يقوم عليها، والتي ارستها وثيقة الوفاق الوطني في الطائف. ورأى فيها اخر هروباً الى الامام، ورفع معادلة «انا الرئيس او تغيير النظام وصيغة الطائف»، في حين رأى فيها مؤيدوها، وجلهم من العونيين، خطوة استباقية للتغيير الاتي من المنطقة بعد الربيع العربي. واعتبروها مبادرة لاعادة تكوين السلطة على اسس واضحة ومعالجة الخلل في التوازن المفقود داخل السلطة  منذ قيام اتفاق الطائف.

لماذا؟…
ويسأل نائب عوني في مجال الدفاع عن المبادرة لماذا يفرض على المسيحي اسم رئيس الجمهورية دون اخذ موقفه بعين الاعتبار، ودون تبني رغباته واحترام خيار الاكثرية المسيحية التي كونتها صناديق الاقتراع؟ ولماذا يتم اختيار الوزراء المسيحيين نيابة عن زعاماتهم، حتى اختيار كبار موظفي الدولة يتم بمعزل عن رأي القيادات المسيحية لا سيما الزعامة المسيحية؟ في حين لا يسمح للمسيحيين بان يشاركوا في اختيار رئيس الحكومة الذي يأتي به الشارع السني. كما انه لا خيار او رأي في اختيار رئيس المجلس واعضاء الحكومة غير المسيحيين وحتى الموظفين، لان هؤلاء تختارهم زعاماتهم المذهبية. حتى انه ليس للمسيحي حتى حق الفيتو على من يعتبره غير مؤهل وغير مناسب للموقع المختار اليه.
ويضيف النائب العوني ان الوضع بقي على هذه الحال الى ان جاء العماد ميشال عون وقلب الطاولة ورفع شعار التمسك بحقوق المسيحيين في الحكومة والادارة، رافضاً التهميش وتجاوز حقوق المسيحيين في المؤسسات والادارة. ويرد النائب العوني على من ينتقد المبادرة ومن يقف وراء عون من قوى سياسية في مكونات 8 اذار بالقول «ان هؤلاء يريدون ابقاء المسيحي مهمشاً وهذا من  ضمن سياسة التيئيس لدفعه الى الهجرة. فنسبة المسيحيين في لبنان كانت تزيد على  55% قبل حرب 1975، ووصلت اليوم الى ما يساوي الثلث، مقيميين في لبنان بعد الهجرة المسيحية الكبرى. وكأن هناك مخططاً لتفريغ لبنان من مكون اساسي هم المسيحيون، وكذلك ازالة مكون اساسي من المنطقة جعلها متمايزة ومتنوعة ورمزاً للعيش المشترك وقبلة انظار العالم.

ماذا يقول الخصوم؟
ويرى فريق من السياسيين ان المبادرة جاءت في غير وقتها وظرفها. فالهم الاساس الان هو لاجراء انتخابات رئاسية، لان هذا الاستحقاق له اولوية، اضافة الى ان الظرف في لبنان وفي المنطقة غير مؤات ولا يجاري هذا المنحى، وغير مشجع، وبالتالي لا يمكن اطلاق مثل هذه المبادرة في هذه الاجواء وفي ظل الاوضاع الامنية القائمة وانتشار السلاح وتصرف فريق من اللبنانيين على اساس فائض القوة لديه، وسعيه الى فرض رأيه في كل شيء، حتى في تعيين حاجب، ورفض تجاوز رأيه في اي موضوع كبيراً كان او صغيراً. وكان على عون قبل ان يطلق مبادرته ان يدعو اولاً حليفه حزب الله الى ان يسحب مقاتليه من سوريا ويعود الى لبنان ويلتزم سياسة النأي بالنفس، ويضع سلاحه بتصرف الدولة وفق استراتيجية دفاعية، ويسحب سلاحه من الداخل ويبقيه في الجنوب، قبل ان يطلق عون مبادرته التي قد يشوهها السلاح المنتشر، لا سيما مع حزب الله. اضافة الى ان المجلس النيابي هو الان في دورة استثنائية لانتخاب رئيس الجمهورية، وهو هيئة انتخابية وفق الدستور لانجاز الاستحقاق. ان تعديل الدستور له آلية خاصة ويفترض ان يتم في عقد عادي للمجلس وليس في عقد استثنائي كما هي الحال الان، وبالتالي يمكن ارجاء البحث في المبادرة الى وقت لاحق. لقد سبق لعون ان اعتبر الاصلاحات الدستورية التي اعلن عنها الرئيس ميشال سليمان في خطاب نهاية الولاية انها في غير محلها، وقال كان يمكنه طرحها قبل نهاية الولاية.
ويرد احد الوزراء السابقين على عون بالقول «كان بامكانه طرح هذه المبادرة سابقاً وليس الان في عز الاهتمام بانتخاب رئيس، وكأنه يريد تحويل الانظار عن المهم وان يطرح ما يعقد الازمة ولا يسهل الحل وفق ما قالت اوساطه. ووجد خصوم عون السياسيين في المبادرة هروباً الى الامام، بعد ان يئس من انتظار جواب الرئيس سعد الحريري الذي لم يصل اليه. وبعد ان راهن على اشارات اقليمية ايجابية لم ترده، وبعد ان شعر بتدني شعبيته في الشارع المسيحي، خصوصاً بعد مواقف البطريرك الماروني الذي حمله وفريقه تعطيل انتخاب الرئيس لعدم المشاركة في الجلسات وعدم تأمين النصاب. لقد حاول عون من خلال مبادرته استعادة شعبيته وشد العصب في الشارع المسيحي، واستعادة مكانته، بعدما تمكن الدكتور سمير جعجع خصمه اللدود ومنافسه في الترشح للرئاسة من ان يحصد تأييداً في الشارع المسيحي وعلى مستوى الوطن، من خلال مقاربته ملف الاستحقاق. الا ان عون لم يتمكن من تحقيق الاهداف التي رمى اليها من خلال مبادرته، خلافاً للشعبية التي حصدها في الشارع المسيحي عندما تبنى المشروع الارثوذكسي كقانون انتخابي.

الوضع مغاير
ويعزو خصوم عون التأييد الشعبي له يومها، الى عوامل اساسية منها ان بكركي والقيادات المسيحية وقفتا مع المشروع الى جانب عون. اما اليوم فان بكركي والقوى المسيحية ضد المبادرة، خصوصاً لجهة تعديل الطائف وتغيير المعادلة وصيغة النظام من ديموقراطي برلماني الى رئاسي، اضافة الى ان بكركي والقيادات المسيحية تتمسك بالطائف وبمعادلة المناصفة التي يقوم عليها. ولذلك خيبت المبادرة اهداف وامال العونيين، خصوصاً وان البطريرك غير راض عن اداء عون في موضوع الاستحقاق، وبالتالي فان الوضع اليوم مغاير لما كان عليه العام الماضي، والظروف مختلفة عما كانت عليه في السابق. وان الرئيس الحريري وفريقه السياسي انتقدوا المبادرة كون هدفها نسف اتفاق الطائف ومقاربتها المواضيع السياسية وتعديل الدستور بشكل يؤدي الى تغيير صيغة العيش المشترك، مما قد يهز ركائز الوحدة الوطنية. وتؤكد اوساط المستقبل ان الرئيس الحريري لن يقطع الحوار مع عون بعدما اعطى نتائج ايجابية في حكومة المصلحة الوطنية والشراكة السياسية والامنية لمواجهة تحديات المرحلة، الا ان الحوار مجمد منذ فترة، وان استئنافه متوقع قريباً.

رد على التأخير
وترى اوساط في قوى 14 اذار ان مبادرة عون جاءت رداً على تأخرالرئيس الحريري في اعطائه الجواب، وبالتالي تشكل ضغطاً على الرئيس الحريري ومن ورائه السعودية راعية الطائف والضامنة له لحملهما على دعم ترشح عون للرئاسية. وحاول عون من خلال موقفه ابلاغ الحريري المعادلة الآتية: اماان يؤيده الحريري  للرئاسة واما عليه مواجهة نسف الطائف وتعديل الدستور وقلب الطاولة على الجميع، ونقل البلاد الى مرحلة ما بعد الطائف. اما حلفاء عون في مكون 8 اذار فقد غاب صوتهم واكتفى نواب حزب الله بالقول انهم يدرسون المبادرة قبل اتخاذ موقف منها. اما الرئيس نبيه بري واحتراماً لحليف حليفه وحرصاً منه على وحدة الصف داخل 8 اذار، وتناغماً مع موقف الحزب لم يجاهر بموقفه المعترض على المبادرة، وقد سبق له وابلغ هيئة الحوار في اخر اجتماع لها، ورداً على ابداء الرئيس ميشال سليمان مخاوفه من طرح المؤتمر التأسيسي لانه يضرب الصيغة والوحدة، وقال «انني اتحدث باسم جميع المسلمين واسمح لنفسي بان اتحدث باسم صديقي النائب وليد جنبلاط نحن مع اتفاق الطائف ومع معادلة المناصفة التي قام عليها حتى لو تخلى المسيحيون عنها، ونحن لا نؤيد عقد مؤتمر تأسيسي ونطالب بتنفيذ ما تبقى من اتفاق الطائف». وكرر بري مؤخراً موقفه امام زواره من دون المجاهرة به تجنباً لاثارة حساسية عون، وقد التقاه مؤخراً وطويت صفحة التوتر بينهما.
ان مبادرة عون تبقى مطروحة من دون ان يتم تبنيها من اي مكون سياسي الا العونيين حتى ان مكونات تكتل التغير والاصلاح غير موافقين على المبادرة، وان عون لم يستشرهم بشأنها الا انهم لن يبادروا الى الاعتراض عليها ورفضها.ويحاولون استثمارها وتوظيفها في السياسة للتفاوض حولها بمناسبة السعي لانجاز الاستحقاق الرئاسي.

فيليب ابي عقل
 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق