افتتاحية

اجتمعوا فاختلفوا… وتصالحوا ثم عادوا الى الخلاف

اجتمعوا فاختلفوا… هذا هو شعار حكومة «هيا الى العمل». ولكن خلافهم هذه المرة كان كبيراً، بلغت شهرته الافاق. فمن حادثة عادية نسبياً حصلت في الجبل، وبالتحديد في منطقة البساتين، وهي ليست فريدة من نوعها وتحصل في جميع بلدان العالم، حولوها الى معركة مدولة، انقسموا حيالها الى فريقين واحتمى كل طرف وراء متاريس مدعمة داخلياً وخارجياً، واستخدموا فيها جميع انواع الاسلحة المتاحة، متجاهلين وضع البلد الذي يقف على شفير الهاوية اقتصادياً ومالياً، وغير عابئين بالنتائج رغم الانذارات الصادرة عن منظمات التصنيف المالي التي تهدد لبنان باسوأ النتائج.
هذه الخلافات اللامسؤولة والتي تكشف عدم قدرة السياسيين على التعاطي في شؤون البلاد، بلغت حد «التدويل»، فاصدرت السفارة الاميركية في بيروت التي كانت تراقب الوضع الخطر، بياناً حذرت فيه من الانتقام والكيدية ودعت الى ترك القانون يأخذ مجراه. محذرة من التدخل في شؤون القضاء الذي هو الجهة الوحيدة الصالحة المخولة حسم الامور وتحديد المسؤوليات، شرط رفع التدخلات السياسية عنه. ويبدو ان الاميركيين ادركوا كيف يتم التعاطي مع القضاء وتأكدوا من ان السياسة سيف مصلت فوق رؤوس المواطنين والقضاء والمؤسسات الدستورية كلها، وحرصاً من السفارة الاميركية التي بدت مهتمة بشؤون البلد اكثر من اهله، كان هذا البيان حفاظاً على لبنان.
وما فعلته السفارة الاميركية ترافق مع موقف اوروبي مماثل مورست خلاله جميع انواع الضغوط على السياسيين للعودة الى رشدهم وحماية المصلحة العامة ومصلحة اللبنانيين جميعاً، محذرة من ضياع مكاسب مؤتمر سيدر التي باتت في خطر، بسبب عدم تعاطي الحكومة بجدية مع الاحداث، حتى قال المواطنون ليتهم يبقون مختلفين، لانهم اذا اتفقوا فسيتحولون الى جيوبنا لتعويض الهدر والفساد.
نتيجة كل هذه التحركات وخصوصاً الخارجية اجتمعوا بسحر ساحر وتصارحوا وتصالحوا، ولكن الى متى؟ هل صحيح ان الازمة وصلت الى نهايتها؟ وهل صحيح ان الوئام عاد يخيم على مجلس الوزراء، ام ان الجمر لا يزال تحت الرماد، وان ما في النفوس لا يغيره لا اجتماع ولا لقاء؟ لم ننتظر طويلاً وفرحة المصالحة لم تدم سوى ايام لا بل ساعات، فظهر الانقسام الحاد حول زيارة الرئيس الحريري الى الولايات المتحدة. وعادت الخلافات تتحكم بمصير العباد وتصعدت مع الحديث عن التعيينات.
في غمرة الحرب الضروس التي شنوها على بعضهم البعض تجاهلوا تماماً وجود وطن محاط بالخطر من جميع الجوانب. فاقتصاده منهار وماليته في عجز كبير، كما تجاهلوا وجود مواطنين انتخبوهم ليرعوا مصالحهم، فاذا بهم يتنكرون للامانة. وبعدما هدأ «القصف» بين المتخاصمين، عادوا يتحدثون عن الامور الحياتية والمعيشية والضائقة التي يعاني منها المواطنون، ولكن احداً لن يصدقهم لانهم لو فعلاً كانت مصلحة ناخبيهم تهمهم لما تصرفوا بهذه الطريقة.
لماذا اختلفوا ولماذا تصالحوا، لا احد يعرف. من يحاسبهم؟ لا احد. ذلك ان الشعب اللبناني مصدر الحساب الوحيد هو شعب متسامح غفور ملتصق بزعمائه، لا يرى اخطاءهم ولا يحاول ردعهم، بل انه يسير وراءهم كالنعاج المستسلمة. فهو اشبه بالطرف المخدر لا يعي مصلحته بقدر ما تهمه مصلحة زعمائه، وهذا ما شجعهم على السير في هذه السياسة المدمرة.
هل تم الصلح فعلاً؟ وهل عادت الامور الى طبيعتها؟ في الظاهر نعم، ولكن الاهم هو بواطن الامور وهذا ما ستكشفه الايام الطالعة فعسى ان يعم السلام على البلاد وان كنا متأكدين بان لا سلام ولا خير على ايدي هذه الطبقة السياسية.

«الاسبوع العربي»

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً

إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق