أبرز الأخبار

نتانياهو تائه ما بين طلب الوساطة الاميركية والاوامر بتشديد الهجمات: تعقيدات ميدانية تعطل «الهدنة»

ارتفاع لافت في الخسائر البشرية، دمار واسع للمنازل والمؤسسات في مختلف انحاء القطاع. اطفال ونساء وشيوخ بنسبة كبيرة بين القتلى. غالبية القتلى من المدنيين.
تلك هي الحالة العامة في قطاع غزة الذي بات يصنف ضمن اطار المناطق المنكوبة بدرجة كبيرة. وتنقسم الاراء حوله، ما بين من يحمل حركة حماس المسؤولية عن قيامها بادارة المواجهة مع علمها بان موازين القوى متباينة بدرجة كبيرة جداً، ومن يرى ان ما يحدث في تلك المواجهات مهم جداً لصالح الجانب الفلسطيني بحكم التطور اللافت في اساليب المواجهة من جهة، وحجم الخسائر التي يمنى بها الجانب الاسرائيلي.

الانقسام الذي بدا واضحاً في المواقف الخاصة بتطورات الحرب على غزة، انعكس بشكل لافت على مسالة الهدنة التي يرى المتابعون انها امر ملح، في ضوء ارتفاع الخسائر البشرية، وفي ضوء الحاجة الى فسحة من الوقت لالتقاط الانفاس، وازالة الركام، واستخراج الاصابات من تحت الانقاض ومداواة الجرحى والمصابين.
هذا بالنسبة الى الجانب الفلسطيني، اما بالنسبة الى الجانب الاسرائيلي فتقاريره تشير الى انه بحاجة الى وقت يعيد دراسة الموقف والبحث في بعض العناصر التي شكلت وما زالت تشكل عامل المفاجأة.
فالجديد في هذه الحرب انها ما زالت تحمل بعض المفاجآت، وبشكل شبه يومي. والى الدرجة التي رفعت معها منسوب الخسائر البشرية الى ما يزيد عن خمسين قتيلا. وهو رقم تاريخي بحسب بعض التقارير التي قالت ان الجيش الاسرائيلي لم يخسر في حرب عام 1967 مثل هذا الرقم من القتلى.
فالتحليلات العسكرية تخلص الى القول بان جيش تل ابيب يجيد الحروب الخاطفة، ويتعثر في مجال حرب الشوارع. وحرب العصابات. وتضيف ان مسألة الانفاق ما زالت تشكل اكبر عناصر المفاجأة، حيث يستطيع مقاتلو حماس القيام بعمليات التفافية، وقتل اعداد من الجنود في الصفوف والمواقع الخلفية. وبالتوازي ثمة فجوة تكنولوجية واخرى تسليحية، نجح «الحمساويون» في تقليصهما، بما يؤسس لحالة مفاجئة ايضاً.

مكالمة حادة
ميدانياً، وبينما تشير تقارير مؤكدة الى ان الرئيس الاميركي باراك اوباما كان حاداً في حديثه مع بنيامين نتانياهو خلال محادثة هاتفية كان موضوعها تطورات الموقف في حرب غزة، الا ان تقارير اخرى اشارت الى انه كلف كلاً من رئيس الوزراء التركي رجب طيب اردوغان، وامير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني بالبحث عن صيغة هدنة مع الاطراف المعنية.
وفي الاثناء، وصل وفد اسرائيلي الى القاهرة الاربعاء لاجراء محادثات مع مسؤولين مصريين بشأن التوصل الى تهدئة في النزاع مع حركة المقاومة الاسلامية (حماس). 
وينتظر ايضاً وصول وفد  فلسطيني – يمثل السلطة – خلال الساعات المقبلة، الى مصر التي قامت بدور وساطة في النزاع الاخير في 2012 بين الدولة العبرية وحركة حماس التي تسيطر على قطاع غزة.
وترفض حماس اي تهدئة طالما لم يرفع الحصار الاسرائيلي المفروض على القطاع الفلسطيني منذ 2006، فيما تريد اسرائيل تدمير الانفاق التي تستخدمها الحركة لشن هجمات على اراضيها. وتصر واشنطن على الربط بين اية هدنة ونزع سلاح المقاومة.
وبحسب المعطيات المتاحة فإن التوصل الى هدنة تاخذ بعين الاعتبار تلك التقاطعات قد يكون ضرباً من المستحيل، ذلك ان حماس ترفض التخلي عن سلاحها، وتطالب برفع الحصار اضافة الى مطالب اخرى عديدة. وترى انها تمتلك من الاوراق ما يمكنها من الضغط على اطراف المعادلة في الجانب الاسرائيلي وصولاً الى ذلك الهدف.
في الاثناء، أنهى المجلس الوزاري الإسرائيلي المصغر للشؤون الأمنية والسياسية (الكابينت)، اجتماعاً مطولاً مساء الاربعاء برئاسة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو. الاجتماع الذي استمر 5 ساعات، وعقد في مقر وزارة الدفاع الإسرائيلية في تل أبيب انتهى دون إصدار أي بيان.
إلا أن مسؤولاً إسرائيلياً قال لصحيفة «هآرتس» إن «المجلس أوعز للجيش الإسرائيلي بتكثيف عدوانه على غزة واستكمال تدمير الأنفاق».

عملية لحماس
بدورها صعدت كتائب القسام، الجناح المسلّح لحركة المقاومة الإسلامية «حماس» من عملياتها ضد الجيش الاسرائيلي. وفي هذا السياق، قالت الحركة إنّ عناصرها تمكنوا – الأربعاء -، من تفجير مبنى تحصنت فيه قوات إسرائيلية شرق خان يونس جنوبي قطاع غزة.
وقالت «القسام»، في بيانٍ إن عناصرها، فجروا مبنى تتحصن فيه قوات إسرائيلية خاصة بمنطقة «الفرّاحين»، شرق خان يونس، جنوبي قطاع غزة، ما ادى الى «تدمير المبنى فوق رؤوسهم»، وقالت ان الطائرات والمدفعية الإسرائيلية، قصفت محيط المبنى المفخخ في محاولة لإخلاء القتلى والجرحى.
وفي وقت لاحق، أصدرت «القسام»، بياناً ثانياً، أوردت فيه تفاصيل إضافية حول العملية، وجاء فيه، «إنها استدرجت وحدة إسرائيلية عديدها من 15-20 جندياً، إلى منزل مفخخ بـ 12 عبوة برميلية في منطقة الفراحين».
وأضاف البيان: «تم تفجير المبنى، واعترف العدو بوقوع 20 من جنوده بين قتيل وجريح».
من جهته قال افيحاي ادرعي، المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي إن 3 جنود إسرائيليين قتلوا في غزة الأربعاء بما يرفع عدد الجنود والضباط الإسرائيليين الذين قتلوا منذ بدء العملية العسكرية الإسرائيلية في غزة في السابع من الشهر الجاري إلى 53. وهو الرقم الذي اعترفت به اسرائيل رسمياً.
وفي تصريحات لـ «درعي» أوضح أن الجنود الثلاثة قتلوا أثناء الكشف عن فتحة نفق في منزل في جنوبي قطاع غزة؛ حيث «تم تفخيخ المنزل والنفق بعبوتين ناسفتين تم تفجيرهما في الجنود». وأشار إلى إصابة 27 جندياً، اليوم في غزة. وقال: «منذ بدء عملية الجرف الصامد قتل 56 جندياً وضابطاً إسرائيلياً».
بدوره، اعلن المطلوب رقم واحد لاسرائيل،  القائد العام لكتائب القسام، الجناح العسكري لحماس، محمد الضيف، في كلمة نادرة مسجلة بثت مساء الثلاثاء أن لا وقف لإطلاق النار مع اسرائيل بدون وقف «العدوان ورفع الحصار»، وذلك في موقف يعلنه للمرة الاولى منذ بدء المساعي لارساء تهدئة.
وقال في الرسالة «في هذه الجولة لن ينعم الكيان الغاصب بالأمن ما لم يأمن شعبنا ويعيش بحريةٍ وكرامةٍ ولن يكون وقفاً لإطلاق النار إلا بوقف العدوان ورفع الحصار، ولن نقبل بأية حلولٍ وسط على حساب كرامة وحرية شعبنا».

نتانياهو يستنجد بواشنطن
من جهته، قال وزير الخارجية الاميركي جون كيري الثلاثاء إن رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتانياهو طلب من جديد مساعدة واشنطن في محاولة التوسط لوقف اطلاق النار في قطاع غزة.
وصرح كيري «الليلة الماضية حدثني رئيس الوزراء (نتانياهو) عن فكرة واحتمال لوقف اطلاق النار. واثار تلك المسألة معي كما فعل باستمرار»، مضيفاً أن نتانياهو قال إنه «سيتبنى وقفاً لإطلاق النار يتيح لاسرائيل حماية نفسها في مواجهة الانفاق، وأن لا تتضرر بعد التضحيات الكبيرة التي قدمتها حتى الآن».
لكن اسرائيل وحماس تبدوان مصممتين على الذهاب الى النهاية في حربهما على الرغم من الخسائر البشرية الكبيرة والدمار الذي لحق بالقطاع الفلسطيني.
وتوعد يائير لابيد وزير المالية الإسرائيلي وزعيم حزب «هناك مستقبل» (وسط) باغتيال محمد الضيف، القائد العام لكتائب عز الدين القسام، الجناح العسكري لحركة المقاومة الإسلامية «حماس».
وقال لابيد في تصريحات نقلها عنه موقع «تايمز أوف إسرائيل» الإخباري الإسرائيلي الخاص «لقد كان الضيف متخفياً تحت الأرض في غزة لأسابيع وسيبقى كذلك». وأضاف «إنه (الضيف) رجل ميت، وعاجلاً أو آجلاً سنجده ونغتاله».
في موضوع الخسائر وبينما يستمر القصف الاسرائيلي لكل المواقع، اشارت مصادر المقاومة الى ان آخر فصول هذا القصف كان فجر «الاربعاء» حيث تم استهداف مدرسة تابعة لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين في مخيم جباليا بقطاع غزة، ما أدى إلى استشهاد 16 شخصاً و90 إصابة حتى اللحظة.
وبذلك ترتفع الحصيلة – حتى ظهر الاربعاء – الى 1283 شهيداً بينهم 288 طفلاً و130 سيدة و57 مسناً، ونحو 7150 جريحاً، منذ بدء العدوان.
وتعتبر هذه هي المرة الثالثة منذ بدء العدوان الإسرائيلي على غزة التي تستهدف فيها الغارات والقصف الإسرائيلي مدارس تابعة لأونروا في القطاع.
وكان الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون عبر عن شعوره بالصدمة والرعب للقصف الذي تعرضت له مدرسة في بيت حانون شمال قطاع غزة الخميس الماضي، موضحا أن الهجوم على المدرسة أمر غير مقبول بالمرة.
وتشير أرقام نشرت الأسبوع الماضي إلى أن العدوان على غزة تسبب في تدمير ما لا يقل عن 475 منزلاً بشكل كامل، بينما لحقت أضرار بنحو 2644 منزلاً وتعرضت 46 مدرسة و56 مسجداً وسبعة مستشفيات لدرجات مختلفة من التدمير.
وقد بلغ عدد النازحين الفلسطينيين جراء العدوان الإسرائيلي أكثر من ربع مليون لاجئ معظمهم إلى مدارس أونروا والمستشفيات طلباً للأمن.
غير أن هذه الأماكن لم تكن آمنة، حيث لا يختلف وضع الذين فروا إلى المستشفيات عمن نزحوا إلى المدارس، فكلهم لا يعرف متى يعود ويشكو من فقدان العناية اللازمة ونقص المستلزمات.

قصف منشآت حيوية
وفضلاً عن استهداف المدارس والمستشفيات، ومنها مستشفى الشفاء، حيث فر إليها الناجون من الموت بحثاً عن الأمن، قصف الاحتلال الإسرائيلي العديد من المنشآت الحيوية في القطاع، أبرزها محطة الكهرباء الوحيدة بالإضافة إلى محولات أخرى ومضخات مياه، وقال مسؤولون إن إصلاح المحطة – التي توفر ثلثي حاجات القطاع للكهرباء – قد يتطلب عاماً كاملاً.
وأعلنت سلطة الطاقة بقطاع غزة الثلاثاء توقف محطة توليد الكهرباء الوحيدة بالقطاع بشكل كامل بعد استهدافها من قبل إسرائيل بقذائف مدفعية أدت إلى نشوب حريق هائل بخزانات الوقود اليومية.
وسيعمق توقف المحطة مشكلة الكهرباء في غزة، ومن شأنه التأثير على عمل المستشفيات خصوصا بعد أن تعرضت أغلب خطوط الإمداد في وقت سابق لأضرار كبيرة نتيجة القصف.
وسبق لـمنظمة الصحة العالمية أن حذرت قبل أسبوعين من أن أجهزة الرعاية الصحية بقطاع غزة على شفا الانهيار، وسط نقص حاد بالأدوية والوقود اللازم لتشغيل مولدات الكهرباء بالمستشفيات في ظل تصاعد الغارات الإسرائيلية على القطاع.
وقبل أسبوعين، غرقت مدينة خان يونس في ظلام دامس بعد تعرض خطوط الإمداد الرئيسية للقطع على مسافة كيلومترين تقريباً من حدود القطاع. وقد رفضت الشركة الإسرائيلية إصلاح الخطوط المتضررة بعد تلقي مديرها أوامر بذلك من رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو شخصياً.
عن هذا الأمر، تقول صحيفة غارديان إن عددا من المؤسسات غير الحكومية حذّرت الأسبوع الماضي من أن أكثر من نصف سكان القطاع – البالغ عددهم 1،8 مليون نسمة – يعانون من نقص المياه وخدمات الصرف الصحي.
كما أشارت إلى أن هناك مئات الآلاف من الفلسطينيين الذين يعيشون دون كهرباء، في حين يعاني غيرهم من شح شديد في الكهرباء.
وقالت مصادر اسرائيلية مطلعة ان لهجة المكالمة الهاتفية التي اجراها الرئيس الاميركي باراك اوباما مع رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتانياهو اول امس الاحد كانت اشد بكثير مما كان معروفاً حتى الان.
وقد حصل محرر الشؤون الدولية في القناة الاولى للتلفزيون الاسرائيلي اورين نهاري على نص المكالمة ويستدل منه ان الرئيس الاميركي اوعز الى اسرائيل بالموافقة على وقف احادي الجانب لاطلاق النار في قطاع غزة فوراً ودون مقابل وانه لم يكن مستعداً لسماع اي شرح اخر. واضاف الرئيس اوباما في سياق الحديث مع نتانياهو انه يعتمد على تركيا وقطر معتبراً ان اسرائيل ليست في موقع يسمح لها باختيار الوسطاء.
وقال مصدر اسرائيلي مسؤول مساء الثلاثاء  ان هناك اتفاقاً بين جميع الاطراف المعنية على ضرورة التوصل الى وقف لاطلاق النار في محيط قطاع غزة وان المداولات حول هذا الموضوع ستجري عاجلاً في القاهرة.
واكد المصدر لمراسل القناة التلفزيوية الاسرائيلية الثانية انه لم يتم بعد الاتفاق على مدة الهدنة.

زيادة الضغط الدولي
من جهة اخرى أعلن قصر الاليزيه في بيان ان الرئيسين الفرنسي فرانسوا هولاند والأميركي باراك اوباما والمستشارة الاميركية انغيلا ميركل ورئيسي الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون والايطالي ماتيو رنزي اكدوا الاثنين أثناء محادثة هاتفية رغبتهم في زيادة الضغط للتوصل الى وقف لاطلاق نار في غزة. واتفق اوباما وميركل وكاميرون ورنزي وهولاند على انه يتعين زيادة الضغط للتوصل الى اتفاق لوقف اطلاق النار. وأن هذه الأخبار المضللة فتحت باب القلق في الولايات المتحدة الأميركية.
وأكدت رايس أن الإدارة شددت على «حق» إسرائيل في الدفاع عن نفسها من الهجمات الصاروخية وهجمات الأنفاق، وأنها تجري مفاوضات حساسة، وأنها ستواصل تلك المفاوضات، مضيفة «إننا سنواصل العمل بما هو صحيح».
وكان مسؤولون في الإدارة الأميركية انتقدوا بشدة الهجوم الإعلامي الإسرائيلي على كيري، متهمين بعضها بتنفيذ حملة تحريضية ضده.
من جانبها وجهت المتحدثة باسم الخارجية الأميركية جين بساكي خلال مؤتمر صحفي نقداً شديداً الى اسرائيل، وقالت «إن الشركاء والحلفاء لا يتصرفون بينهم بهذه الطريقة»، مبينةً أن الولايات المتحدة الأميركية أعربت عن صدمتها وخيبة أملها من تسريب بنود المبادرة المصرية لوقف اطلاق النار، المصنفة سرية والتي وافق عليها مجلس الوزراء الإسرائيلي.
بدوره أفاد مساعد مستشارة الأمن القومي في البيت الأبيض «توني بلينكان» «إن الإنتقادات الإسرائيلية إما أنها تسريب معلومات خاطئة للناس، أو أنها محاولات لتضليلهم»، بحسب وصفه.

احمد الحسبان

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق