رئيسيسياسة عربية

ليبيا: المواجهات القبلية تعم غرب البلاد

بعد مرور ما يزيد عن عام على انتخاب المؤتمر الوطني العام – البرلمان – في ليبيا، لا تزال الدولة الليبية سائرة نحو المجهول، وما تزال عاجزة عن تلمس معطيات الاصلاح. فالدولة الليبية لم تتمكن من الانطلاق لتأمين مسار جديد يحدد ملامح ما بعد الثورة. فابرز الملامح لهذه الحقبة عدم احترام الثوابت التي قامت عليها الثورة، وعدم الالتزام بجدول الاعمال الذي حدده المؤتمر الوطني العام لنفسه، واقسم على الالتزام به. فكانت النتيجة تأخر معظم الخطوات لانهاء المرحلة الانتقالية.

شهدت ليبيا، وما زالت تشهد حالة غير مسبوقة من التدهور، عنوانه بقاء الميليشيات المسلحة في الشارع وقيامها بالسيطرة على مناطق ومدن بذريعة محاربة فلول النظام السابق، مع انها في حقيقة الامر تكشف عن انقسامات عميقة في المجتمع الليبي ادت بالعديد من سكان المدن الى مطالبة الامم المتحدة بالتدخل لاعادتهم الى بيوتهم.
فالحالة الراهنة، تؤكد ان الاجراءات التي اتخذت على الارض، والتي قيل انها تمهد لقيام الدولة لا تملك اية قابلية للاستمرار، وانها اصبحت على وشك الانهيار، وبالتالي فالصورة قد تكون جاهزة للتغيير في اية لحظة.
ومع الوقت تبين ان الاجواء التي رافقت الانتخابات والنتائج التي تمخضت عنها آيلة الى التغيير على الارض. ومن ابرز ما يتوقف عنده المتابعون تلك الصورة الفريدة المتمثلة بأن الذين لم يحالفهم الحظ في الانتخابات الخاصة بالمؤتمر الوطني، هم الذين يمسكون فعلياً بالسلطة، وهم الذين يحولون دون تمكين المؤتمر الوطني والحكومة من انشاء جيش وقوى امن لكل ليبيا. وكانت النتيجة لكل ما يجري اغراق البلاد بحالة من الفوضى التي استغلتها جماعات متطرفة وقريبة من تنظيم القاعدة لتدافع عن وجودها، ولكن تحت مسمى «المواجهة مع القوى الغربية». فالمؤتمر الوطني العام والذي يعتبر المؤسسة الوحيدة التي تحظى بالشرعية بدأ يشهد انهيارات ليس فقط بتجميد عضوية تحالف القوى الوطنية ورفض مشاركته بالعملية السياسية، وانما بحكم تآكل شرعيته استناداً الى قانون العزل الذي يحرم ليبيا من شخصيات كفوءة بذريعة عملها في ظل النظام السابق.

تحجيم الحكومة
وفي الوقت نفسه تم تحجيم حكومة علي زيدان ودفعها الى التراجع عن كل برامجها المعلنة، واضطرت الى تقديم تنازلات مضمونها ضم الميليشيات التي حاصرت الوزارات وعطلتها الى صفوف القوى الامنية.
ميدانياً، استمرت المواجهات بين افراد من قبيلة رشفانة وسكان في مدينة الزاوية في غرب ليبيا، وفق ما اعلنت وزارة الدفاع الليبية التي اقتصر دورها على الدعوة الى حل سلمي. وقال المتحدث باسم رئاسة الاركان العامة للجيش الليبي العقيد علي الشيخي ان المواجهات المسلحة مستمرة في المنطقة الغربية.
ودعا مشايخ وحكماء ومجالس الشورى بالمدينتين إلى التدخل لإيجاد حل سلمي للأحداث المؤلمة حقناً لدماء الليبيين، حيث اسفرت عن سقوط اربعة قتلى والعديد من الجرحى.
وفي غمرة هذه الاحداث، اطلق رئيس الوزراء علي زيدان مبادرة لحوار وطني شامل سعياً الى نشر الامن واخراج البلاد من دوامة العنف التي تشهدها منذ اسقاط نظام معمر القذافي العام 2011.
وبحسب ما اعلنه زيدان ستشمل المبادرة مجالات عدة أبرزها المصالحة الوطنية ونزع السلاح املاً في وقف حالة التدهور الأمني في البلاد. وقال زيدان: إن مجلس الوزراء قرر تشكيل هيئة لتنظيم هذا الحوار الوطني ليتناول الموضوعات الرئيسية كافة حول الشأن الوطني الراهن سياسياً، واقتصادياً، واجتماعياً.
وأضاف في مؤتمر صحافي مشترك مع النائب الأول السابق لرئيس المؤتمر الوطني العام جمعة اعتيقة وممثل الأمين العام للأمم المتحدة في ليبيا طارق متري أن الحكومة ستتولى تهيئة الأسباب الإدارية واللوجستية لإنجاح هذا الحوار دون أن تكون طرفاً فيه ودون أن تضع له برنامجاً أو أفكاراً.
وأشار إلى أن جموع الشعب الليبي الراغبين في الحوار فعلياً والمشاركة فيه هم الذين سينسجون خيوط هذا الحوار ومكوناته حتى نستطيع جميعاً بناء الدولة وتحقيق المصالحة الوطنية بين أبناء الشعب الليبي.
وأوضح اعتيقة الذي سيكون عضواً في هيئة تنظيم الحوار أن فكرة إطلاق حوار وطني شامل تهدف الى إعادة تحديد الهوية الليبية، مشخصاً المشكلة بأن كل الليبيين عادوا الى عشائرهم ومناطقهم على حساب البعد الوطني.

اغلاق مصافي النفط
وفي الشرق الليبي، أدت الاضطرابات الى إغلاق العديد من مصافي النفط منذ أسابيع، بسبب الصراع بين الحكومة ومجموعة من حراس منشآتها النفطية تتهمهم بالسعي للاستيلاء على النفط. ويقول محللون ليبيون وأجانب ان الاضطرابات في مناطق ليبية والتي ادت الى اغلاق موانىء نفطية هي صورة مصغرة لأجواء الفوضى التي تعم البلاد وتقوض سلطة الحكومة المركزية المهتزة التي يرأسها زيدان.
وفي حين يسيطر نشطاء يطالبون بحكم ذاتي لمناطقهم على موانىء في شرق ليبيا فإن الهيئة التشريعية في العاصمة طرابلس بغرب البلاد لم تكن بعيدة عن صورة الفوضى، حيث ينتشر فيها الحديث عن عدم الثقة بزيدان. ويقول المحللون إن جماعة الإخوان المسلمين تكتسب في ما يبدو نفوذاً وسط الأزمات التي تهز البلاد وان إطاحة الجيش في مصر الرئيس الإسلامي محمد مرسي ربما دفعت بعض الليبيين المتشددين الى تصعيد العنف ضد منتقديهم العلمانيين. لكن المحللين يقولون ان ليبيا منقسمة بشدة على أسس سياسية وإقليمية وقبلية بعد عامين من اطاحة معمر القذافي بحيث لا يمكن لأي جماعة ان تكون لها السيطرة بشكل فعال.
وقال صلاح جودة نائب رئيس لجنة الأمن القومي بالبرلمان في طرابلس: إن من يحاصرون الموانىء يتحدثون عن أسلوب فدرالي لإدارة البلاد. وتأججت النزعة المناطقية أيضاً في منطقة فزان الجنوبية حيث بدأت قبائل محلية في المطالبة بحكم ذاتي لمنطقتهم مع اتهامها طرابلس بعدم إمدادهم بأموال كافية.
في تلك الاثناء، دعا محامي سيف الاسلام القذافي الحكومة البريطانية الى التدخل لمنع محاكمته في ليبيا والمطالبة بتسليمه الى المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي. وقال المحامي البريطاني جون جونز انه يخشى ان يُقدَّم موكله الذي يواجه تهماً بارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الانسانية الى محاكمة صورية تنتهي بصدور حكم باعدامه في ظل حالة الانفلات الامني التي تشهدها البلاد.

طرابلس – «الاسبوع العربي»

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق