افتتاحية

هل نعود الى زمن بشارة الخوري ورياض الصلح؟

ضحك اللبنانيون كثيراً، لا بل سخروا، وهم يسمعون عبر وسائل الاعلام ان الحكومة اعطت اللجنة المكلفة معالجة قضايا النفايات مهلة جديدة، وقد هدد رئيسها بالاستقالة في حال لم يتم التوصل الى حل.
وضحكوا ايضاً وهم يعدون الجلسات التي عقدها المسؤولون من اجل معالجة قضية النفايات، وقد فاق عددها بكثير عدد جلسات انتخاب رئيس للجمهورية، وفي كلا الحالتين العنوان واحد: التمديد.
بالنسبة الى رئاسة الجمهورية الفراغ استوطن في قصر بعبدا، واصبح يطالب ببدل خلو ليخرج، وهذا ما يبدو ان السياسيين غير مستعدين لدفع الثمن واخراجه، عبر انتخاب رئيس للجمهورية يرعى شؤون البلاد، خصوصاً في هذا الظرف الذي تدهورت فيه الاوضاع بشكل كارثي، حتى طاولت العلاقات اللبنانية – العربية الركيزة الاساسية للاقتصاد اللبناني.
وبالنسبة الى ازمة النفايات، فالمصيبة عظيمة هي الاخرى، لانها شكلت سيفاً مصلتاً على رقاب اللبنانيين، مهددة اياهم بالموت الجماعي، بفضل سياسيين اوصلهم هذا الشعب المسؤول اولاً واخيراً الى مراكز الحكم، وهم لا يستحقون ان يقفوا على ابواب السياسيين الحقيقيين لو توفروا في لبنان.
وتملك اللبنانيين الخوف لا بل الهلع وهم يسمعون احد الخبراء يشرح عبر وسائل الاعلام اين وصل خطر النفايات، وقال انها دخلت الطبقة الجوفية وهي تهدد مصادر المياه، وهذا يعني ان الخطر اصبح جاثماً فوق رؤوس كل اللبنانيين. وحتى لو وجدت الحكومة الحل، فالمعالجة لم تعد تكفي لابعاد الموت المحتم، من جراء هذه الخفة، التي تمت فيها معالجة ازمة بهذه الخطورة.
والمضحك المبكي ان الحل الذي يتكلمون عنه هو نفسه الحل الذي طرح منذ اليوم الاول للازمة، والذي تحول الى نقطة تجاذب بين السياسيين، الذين هبوا يبحثون عن الابواب التي يمكنهم من خلالها الدخول الى الموضوع وجني الارباح. فبالنسبة اليهم لا يمكن ان يمر شيء في هذا البلد الا اذا كانت لهم حصة وازنة فيه، دون التطلع الى العواقب والنتائج التي يمكن ان تترتب على تصرفاتهم. وقد سمعنا اصواتاً رافضة، هي لو قومتها لوجدت انها لا تساوي الكثير ولا تمثل احداً. فلماذا لا تلجأ الحكومة الى القوة لوقف هذا الدلع وانقاذ الناس؟
ان ما ورد على لسان الخبراء لم يعد يجوز السكوت عن مسببيه. فليتحرك القضاء وبالسرعة القصوى، بعد ان يرفع الغطاء عن جميع السياسيين، ويتابع الموضوع حتى النهاية، ويعلن نتائج التحقيق على الناس، اياً كانت هذه النتائج. فسمعة هذا السياسي او ذاك، ليست اهم من حياة الناس الذين اصابهم الضرر بالجملة. فهل نأمل ان نشهد في الايام المقبلة رؤوساً تتدحرج وتدخل السجون المكان الطبيعي لها؟ قد نكون نحلم لان ما نطالب به غير وارد في لبنان، وهو طبيعي في بلاد الناس.
هذا على صعيد الازمة البيئية اما الازمة السياسية المتمثلة بانتخاب رئيس للجمهورية، فقد اصبحت موضع تندر في الاوساط السياسية والدبلوماسية العالمية، 36 جلسة كان اخرها الاسبوع الماضي، وحضرها 72 نائباً بحيث لم يشكلوا النصاب القانوني للانتخاب. فلماذا لا يحضر المقاطعون؟ الغريب ان اثنين من المرشحين، لم يحضرا الى المجلس النيابي، فهل انهما عدلا عن ترشيح نفسيهما. فان كان الامر كذلك فليتم البحث عن مرشحين اخرين يكونون مستعدين للقيام بواجباتهم، وليتم انتخاب الاكفأ بينهم. وان كانا مستمرين في الترشح ولا ينزلان الى المجلس، فيجب على النواب ان يبحثوا عن البديل. ولكن عن اي نواب نتحدث؟ وهل ان الطقم السياسي يضم بين صفوفه من يملك قراره حتى يقدم؟
هذه الحالة لا يمكن ان تستمر، اذا اردنا ان يبقى لبنان. والحل هو في ان يجلس الجميع حول طاولة واحدة وبنية صادقة ويتحاوروا، ويبقوا جلساتهم مفتوحة حتى الوصول الى حلول لكل الازمات. وهذا هو الحل يا دولة الرئيس لا بالتهديد بالاستقالة والهروب من المسؤولية.
نقطة ايجابية تسجل في هذا المجال، هو اتفاق الرئيس الحريري وحزب الله على استمرار الحوار بينهما. فبالحوار، والحوار وحده، يمكن ان نصل الى حلول. وفي ذلك رد على القائلين ان على تيار المستقبل وقف الحوار. فلماذا؟ الا يكون الحوار دائماً بين فريقين مختلفين للوصول الى قواسم مشتركة تجمع بينهما؟ فما نفع الحوار مع متصالحين مع بعضهم البعض. وهذا يجب ان ينسحب على الداخل وعلى الخارج. فحسناً فعل لبنان عندما تبع سياسة النأي بالنفس. ولكن هذا النأي مطلوب عندما تكون الخلافات عربية – عربية. اما اذا كانت الخلافات عربية – اجنبية فلبنان ملزم بعدم النأي بالنفس، والوقوف في الصف العربي الذي هو منه.
نعم اخطأ لبنان في بعض المواقف وخصوصاً في اجتماع الجامعة العربية والمنظمة الاسلامية. ولكن الدول العربية هي ايضاً اخطأت بحق لبنان، عندما خاض حرباً مدمرة فرضت عليه على مدى عشرين سنة، ولا يزال يخوضها حتى اليوم بطرق مختلفة، لم يقف العرب الموقف الذي كان عليهم ان يقفوه، وتركوا لبنان يعالج مشاكله بنفسه، وهي اكبر من طاقته، فغرق تحت نفوذ وصايات وقوى استخدمت ساحته لتصفية الحسابات، فبدا اعجز من ان يعالجها لوحده.
لبنان لم يبتعد يوماً عن الصف العربي، واعتمد على العرب في كثير من القضايا وخصوصاً الاقتصادية والسياسية، وان كانت علت بعض الاصوات التي تخالف هذا التوجه فهي تمثل اصحابها ولا تمثل لبنان. فماذا لو توقفت السياحة العربية، ولبنان يعتمد عليها لانها ركن مهم في اقتصاده، وماذا عن الاستثمارات الخليجية في لبنان، وماذا عن اللبنانيين العاملين في دول الخليج، وهل اذا عادوا تستطيع الدولة او اي جهة اخرى ان تؤمن لهم بدل وظائفهم، ونحن نعاني من بطالة قاتلة؟
باختصار، اذا اردنا ان نحمي بلدنا علينا الجلوس حول طاولة  حوار ولكن بشكل مختلف هذه المرة، فلا نتحاور من اجل الحوار ونرمي ما يتم تداوله وراء ظهرنا منذ اللحظة الاولى لمغادرتنا قاعة الاجتماع، بل علينا ان نتحاور بجدية واضعين مصلحة البلاد فوق كل اعتبار، ومتفقين على آلية للتنفيذ الفوري لكل ما نتفق عليه. وعندما تستقر الاوضاع الداخلية ونعيد ترتيب بيتنا، عندها نتطلع الى الخارج ونحدد مصلحة لبنان.
يوم عصفت الازمات بلبنان وهددته وقف بشارة الخوري ورياض الصلح وقالا لا شرق ولا غرب بل لبنان. وعلى هذا الاساس قامت الدولة، فهل نعود الى ذلك الزمن وشعارنا ابداً لبنان؟

«الاسبوع العربي»

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً

إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق