لو نتشبه بالاخرين
يوم قلنا واكدنا ان الازمة الحكومية اسبابها خارجية، وان كانت تنفذ بادوات لبنانية، كنا على ادراك تام بما يجري. وها هي الحرب الكلامية بين نائب وزير الخارجية الاميركية ديفيد هيل والسفير الايراني محمد جلال فيروزنيا، من بوابة بيت الوسط في بيروت، تكشف اسباب الازمة وعمقها. هذه الحرب التي كانت تدور بالواسطة ومن وراء الكواليس، باتت مكشوفة وعلانية. وهي تجد من يساندها في الداخل، فلماذا؟ ان الدول، كبيرة كانت ام صغيرة، تسعى كلها الى تأمين مصالحها، لتبقى فوق مصالح الجميع، فلماذا نحن اللبنانيين لا نتشبه بالاخرين، ونبحث عن مصلحة بلدنا التي يجب ان تبقى فوق الجميع. خلافات الاخرين تنعكس على الداخل اللبناني، فتعمق الانقسامات وتغذي الفرقة والتباعد، ولو عملنا بالمبدأ العقلاني الذي يحتم على كل لبناني مراعاة مصلحة لبنان قبل اي شيء اخر، لرفضنا هذا الصراع الغريب الداخل علينا، ولوقفنا صفاً واحداً مدافعين عن بلدنا، ولما كان الخارج، اياً يكن هذا الخارج قادراً على بث التفرقة بيننا. السنا كلنا لبنانيين ونحمل الهوية اللبنانية، فلماذا لا نتمسك بها وندافع عنها، فتستقيم الامور ويعود لبنان الى سابق عزه ومجده. لو توفرت لدينا الارادة الصادقة لما استطاع غريب ان يستغل بلدنا ويقامر بمصيره خدمة لمصلحته الخاصة فعسى ان يأتي يوم وندرك هذه الحقيقة.
انعقد في بيروت قبل ايام مؤتمر عربي اقتصادي فيه الكثير من الفائدة لنا ولاقتصادنا ولازماتنا المتعددة. فهل وقفنا وقفة واحدة مرحبة، وعملنا معاً يداً بيد لانجاح هذا المؤتمر والافادة منه خدمة لنا ولبلدنا؟ لقد حاولنا في بعض المواقف خدمة مصالح الاخرين، وان بشكل مبطن، ولكنه لم يكن خافياً على احد، فلماذا؟ اليست مصلحة بلدنا هي الاهم وتستحق ان تتصدر كل الاهتمامات؟ في الدول الاخرى يقاتلون من اجل انجاح مؤتمرات كهذا اما فنحن فكان موقفنا مختلفاً. مسكين لبنان لانه لا يتمتع باجماع كل ابنائه على الاقل خدمة لمصلحته ولمصلحتهم على السواء.
اما الان وقد انتهى المؤتمر وعادت الوفود المشاركة الى بلدانها، فيجب ان يعود كل واحد منا الى نفسه، وخصوصاً السياسيين المعنيين والمؤثرين في القرارات، ويجروا حسابات الربح والخسارة، وماذا حقق المؤتمر للبنان ومحاولة استثماره من اجل الصالح العام. واول عمل يجب القيام به هو التوافق السريع على تشكيل حكومة فاعلة تتولى العمل على حل الازمات التي تعصف بالبلد، وفي طليعتها الاقتصاد، بعد ان طاول الفقر نسبة عالية من اللبنانيين. فان حدث هذا نكون قد استفدنا من المؤتمر، فننكب على تسلم الاموال التي اقرتها المؤتمرات الدولية للبنان وفي طليعتها مؤتمر «سيدر» والذي مضى اشهر طويلة على انعقاده، دون ان تنفذ مقرراته بسبب الفشل في تشكيل حكومة تتولى الاشراف على تنفيذ المشاريع، بعد ان تنجز الاصلاحات التي وعدت بها. ان ابواب الخير كثيرة، وكلها مفتوحة امام لبنان، ولكننا بخلافاتنا وانقساماتنا نقفلها الواحد تلو الاخر، ووحده الشعب اللبناني يدفع الثمن. فهل يحزم السياسيون امرهم ويعودون الى رشدهم مقدمين مصلحة البلد على كل المصالح الاخرى، حتى المصالح الشخصية فينهض من جديد، ام انهم سيسترسلون في سياساتهم التي تعود على الجميع بالخراب؟
واذا بقي السياسيون سائرين في المسار الذي اختاروه لانفسهم، هل يستيقظ الشعب كله وهبة واحدة، فيطيح كل الفساد الذي يعم البلد، وتفوح روائحه في كل مكان، فيفرض ارادته التي هي اساساً لخير البلاد، ويعيد الامور الى نصابها؟ عله يأتي يوم، نرجو الا يكون بعيداً فتتحقق الامنيات وتزهر الاحلام وينهض لبنان من الهوة التي اوقعوه فيها، وعلى ايدي الشعب اللبناني كله.
«الاسبوع العربي»