صحة

حين يضرب التصلب اللويحي الوظائف العصبية!

هو مرضٌ يبدو، من اسمه، مخيفاً! وان كان اسمه غير دالٍ الى معناه: التصلب اللويحي! ماذا يعني الاسم؟ التصلب قد يعني التشنج لكن ماذا يعني اللويحي؟ ثمة اسم آخر له: تصلب الأنسجة المتعدد! ماذا يعني هذا أيضاً؟ ماذا يفعل في الجسد؟ يشلّه؟ يكون الانسان مثل الوردة فيضرب جسمه التصلب اللويحي ويعمل فيه العمايل؟! هل هو مرض وراثي؟ هل كلنا معرضون؟ وهل هناك أمل بالشفاء من هذا الداء، اذاً ألمّ، قبل أن تتدهور كل الوظائف العصبية ويُصبح الإنسان المذهل شبح انسان؟

حول طاولة مستديرة، يتوسطها البروفسور في الأمراض العصبية السريرية ومدير مركز البحوث السريرية للتصلب اللويحي في المركز الطبي في الجامعة الأميركية في بيروت الدكتور باسم يموت، دار النقاش. لنا أنطكلي، الصبية التي ألمّ بها المرض، جلست على يسار الطبيب. الدكتور باسم يموت هو طبيبها منذ ثلاثة أعوام، منذ كانت في التاسعة والعشرين، وثقتها فيه تبدو عمياء. ثقة المريض بالطبيب الركن الأول في علاج مرضى التصلب اللويحي. محمد رمال، رئيس «نوفارتيس» في المشرق العربي، جلس بين الإثنين مُشكلاً الإسفنجة المطاطة، المرنة، بين التطلعات والوقائع وبين العلاجات المرجوة والعلاجات الحيّة. وعلى يمين البروفسور يموت جلست ممثلة الهيئة الوطنية للتصلب اللويحي في لبنان إليزابيت بوغوسيان. وبدأ النقاش مقروناً بمعلومات وأبحاث وأرقام وآمال…

خطأ في جهاز المناعة
البروفسور باسم يموت يُحاول أن يعطي تعريفاً واضحاً: تصلب الأنسجة المتعدد هو مرض يصيب الجهاز العصبي المركزي الذي يضم الدماغ والنخاع الشوكي ويحتوي على خلايا عصبية مصممة لإرسال إشارات عبر أنحاء الجسم، تمر عبر الألياف العصبية، ويحميها غلاف عازل مكون من «المايلين»، وهذه الإشارات مسؤولة عن الكثير من الوظائف بينها التوازن والتنسيق الجسدي والبصر والذاكرة.

 


هذا في التعريف… ماذا في الواقع؟ كيف يعمل التصلب اللويحي، واقعياً، في الجسد؟
يجيب يموت: المرض هو أحد أمراض المناعة الذاتية، يؤدي الى حدوث خطأ في جهاز المناعة، حيث يُهاجم خلايا الجسم ظناً أنها أشياء دخيلة أو غريبة، وتؤدي هذه الهجمات الى إتلاف غلاف «المايلين» الواقي حول الألياف العصبية، محدثاً أحياناً بقعاً من النسيج الندبي تُدعى التصلبات أو الآفات. المرض إذاً يتأتى عن خطأ يرتكبه جهاز المناعة في التمييز بين الخلايا الطبيعية والخلايا الغريبة فيُهاجم ذاته ويُتلف طبقة «المايلين»، أي المادة التي تُغلف الألياف العصبية في الدماغ والعمود الفقري.
يُكرر الطبيب كلمة «مايلين» على لسانه مرات ومرات… فماذا يقصد بها بدقة؟ وهل من تعريف مُبسط للكلمة؟
المايلين، أو الميلين، هي المادة التي تعزل المحور العصبي، كما تفعل عادة المادة الغلافية الموجودة حول الشريط الكهربائي، والمايلين هي مادة دهنية، دبقية، بنسبة ثمانين في المئة وتتشكل بنسبة عشرين في المئة الباقية من البروتيين.

فقدان السيطرة
ماذا يحدث بعد أن يرتكب الجهاز المناعي خطأه الفادح؟
التلف الذي يُحدثه الجهاز المناعي في طبقة المايلين قد يُصيب أي جزء من أجزاء الدماغ أو العصب البصري أو النخاع الشوكي ويتسبب بمجموعة من المشاكل الجسدية والعقلية بما فيها فقدان السيطرة على الأطراف والعضلات، الى جانب فقدان القدرة أيضاً على التنسيق بين أعضاء الجسم وعدم التوازن أثناء المشي، في شكل جزئي أو كلي، والى رؤية مزدوجة أو ضبابية في عين واحدة، بينما العين الثانية تظل سليمة، والى شعور بانعدام الإحساس أو التنميل والى تعطل الوظائف الفكرية وشعور عام عارم بالإرهاق.
التصلب اللويحي إذاً مرض مزمن انتكاسي يُصيب الجهاز العصبي المركزي بالتهاب ويؤدي تطوره الى تراكم العجز وفقدان أنسجة الدماغ!
هذه المعلومات نسمعها في حضرة الصبية لنا، لنا أنطكلي، المصابة بالتصلب اللويحي منذ ثلاث سنوات! تُرى بماذا تشعر هذه الصبية وهي تسمع صدى ما يعبث به هذا المرض في جسمها؟ وبماذا شعرت يوم ألمّ بها الداء؟ وماذا تشعر اليوم؟

قصة لنا
تكاد الابتسامة لا تفارق ثغر لنا. ابتسامة رائعة لصبية قررت أن تواجه، بتفاؤل، المرض.  هي كانت في شرم الشيخ، تسيح، يوم شعرت بتنميل هائل من رقبتها نزولاً نحو أخمص قدميها وبآلام في القدمين واليدين. ظنت في البداية أنه من تأثير الشمس القوية في شرم الشيخ. صبرت لكن الألم استمر، يوماً، يومين، ثلاثة… عادت الى بيروت وكانت البداية لحكاية تعرف أنها ستكون طويلة بينها وبين التصلب اللويحي. خضعت الى التصوير الرنيني المغناطيسي فتبيّن وجود أماكن صامتة في دماغها. شعرت بصدمة. أحست وكأنها نهاية الدنيا. لماذا أصابها المرض؟ لماذا هي؟ لا إصابات بهذا المرض في عائلتها فلماذا هي؟ صارت تخشى من رؤية العكاز! صارت ترى، حتى في اليقظة، نفسها على عكاز! الشعور بالخوف الكبير حق لكنها حين استفاقت من الصدمة قررت أن تواجه وفعلت. بدأت العلاج وبدأت تشتغل في المختبر الذي تعمل فيه دوامين بدل دوام واحد! أرادت أن تتحدى. وأكثر ما كان يؤلمها سماع من يقول عنها: حرام! ماذا تعني كلمة حرام في حالتها؟ ولماذا هي حرام؟ هي مريضة مثلما كلنا معرضون لنُصبح مرضى. وأكثر ما يُتعب المريض هو إحساسه بأن الآخرين ينظرون اليه بشفقة. والشق النفسي عند مرضى التصلب اللويحي مهم جداً في العلاج. الاهتمام المقرون بمحبة من العائلة ركن أساسي في العلاج. تعرفت أكثر على المرض. عرفت عنه أكثر. قرأت كثيراً. سألت كثيراً وكانت، كلما عرفته أكثر، تخاف منه أقل. من يفهم عدوه يقوى عليه. وتدرجت في العلاج من حقنة يومياً الى واحدة أسبوعياً وها هي اليوم، بعد تسارع الأبحاث والاكتشافات العلاجية في هذا المجال، تأخذ حقنة واحدة من المصل مرة واحدة في الشهر من دون أن يترافق هذا مع أي تأثيرات سلبية. العلاجات تتطور والأمل يفترض، بالتزامن، أن يكبر.
والدا لنا يرافقانها، بحب هائل، في مسيرتها! ولعلهما، بحسب البروفسور يموت، الركن الأساسي من العلاج! فمفعول الحب أقوى من أي علاج كيميائي!

التصلب اللويحي من يصيب؟
الأبحاث كثيرة في هذا المجال. ويبدو أن المرض، الذي لا تُعرف حتى هذه اللحظة أسبابه، يتركز في شمال الكرة الأرضية، في كندا والولايات المتحدة الأميركية وفي بريطانيا، أما بالنسبة الى إفريقيا الجنوبية وزيمبابوي وتايوان واليابان فنادرٌ، ويُستدل من هذا نظرية أن لأشعة الشمس مع فيتامين د مفعولاً ايجابياً بعكس النظريات السابقة.
ماذا عن لبنان؟
يوجد هنا، في لبنان، نحو 2000 مريض تحت العلاج، ونحن قريبون، في هذا الإطار، من المعدلات الموجودة في اليونان وتركيا ورومانيا والمكسيك والبرازيل. أما من حيث العمر فالتصلب اللويحي هو مرض الشباب يُصيب غالباً من هم بين الثامنة عشرة والثلاثين، وصولاً الى سن الأربعين، أما من هم تحت العشرين فنسبتهم لا تزيد عن 16 في المئة. ويستطرد البروفسور يموت بالقول: أحد مرضاي في سن الرابعة!
تجاوزتم الأربعين؟ هناك اثنان في المئة من المصابين فوق الأربعين، ما يعني أنكم تبقون معرضين لكن بنسب أقل. أما، في ما خص مسألة الوراثة، فتدخل المسألة حتى هذه اللحظة خانة الاستنتاجات واليقين الوحيد ان لنا، الصبية لنا، لن تنقل بالضرورة المرض الى اولادها في المستقبل كما لم ترث المرض من والديها.
ماذا لو لم يُعالج مريض التصلب اللويحي؟
أول عشر سنوات سيعيش مع الأعراض ثم سيضطر خلال 25 عاماً الى استخدام العكاز وصولاً الى الكرسي النقال ثم الموت. ويستطرد يموت هنا: حتى العام 1990، أي حين درست الطب، لم يكن هناك علاج للمرض، لكن في ذاك العام تم اكتشاف دواء هو عبارة عن ثلاث إبر تحت الجلد وأحدث هذا العلاج فرقاً هائلاً في حياة المصابين. ومنذ ذاك الحين والعلاجات تتقدم والأبحاث تتسارع. في كل حال اكتشفنا، والكلام الى يموت، أن خمسة أمور قد تؤثر ايجابياً في العلاج هي: دعم المحيط، التفاؤل، الوعي، الثقافة والتدين. الايمان يساعد جداً في مواجهة المرض. الى ذلك قد يفيد جداً اعتماد أسلوب حياة صحي مع نظام تغذية جيد وبعض الاسترخاء وتجنب درجات الحرارة القصوى، كما يُنصح بإجراء ما يلزم من تغييرات حول المنزل لتجنب حالات السقوط أرضاً.
أكثر من 2،5 مليون إنسان حول العالم مصابون بمرض التصلب اللويحي، ونحو 85 في المئة من المصابين يعانون من التعب أو الإعياء، ونحو 70 في المئة من المصابين هم نساء! لماذا؟ ثمة أسئلة لا أجوبة شافية لها في موضوع التصلب اللويحي… ففي الطب ايضاً، كما في الحياة، ليس لكلِ سؤال جو
اب!.

نوال نصر

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق