الكبار يستخدمون الصغار لحماية مصالحهم
بدأت تتكشف نتائج قمة هلسنكي بين الرئيسين الاميركي دونالد ترامب والروسي فلاديمير بوتين. وكانت البداية حول الازمة السورية وعودة النازحين. ويبدو ان الولايات المتحدة لزّمت القضية الى روسيا، اذ فور انتهاء القمة وانصراف الرئيسين عائدين الى بلديهما، بدأت موسكو بانشاء مراكز خاصة لاستقبال النازحين الذين يعودون الى ارضهم وبيوتهم. كما ان القمة اسفرت عن اتفاق يبقي الاسد في مكانه، وان كان بشروط جديدة وصلاحيات مقلصة. فيما الاهمال شمل المعارضة التي أُغدقت عليها الوعود بالمساندة والدعم ثم تركت لامرها دون ان يسأل احد عنها فكانت ان ضربت وشردت واذعنت واستسلمت.
هكذا هي الامور. فكلما اتفق الكبار يتحول الصغار المرتبطين بهم الى وقود يدعم اتفاقهم ولو على حساب الجميع. فالولايات المتحدة تخلت عن المعارضة ورفضت الدفاع عنها وتقديم الدعم لها. وحدها روسيا بقيت ملتزمة بالرئيس الاسد، واصرت على بقائه في موقعه، ولكن ليس من اجل خاطر الرئيس السوري، بل خدمة لمصالحها. فهي تتمتع بامتيازات كبيرة في سوريا، ولها قواعد عسكرية فيها، ولذلك فمن مصلحتها ان تبقى الامور على حالها ولو في الظاهر، على ان تتولى موسكو التحكم بكل مفاصل الدولة السورية تأمر وتنهي ولا من يعارضها.
ساقنا الى هذا الكلام ما نراه ونلمسه في بلدنا، حيث ان بعض السياسيين ملتصقين بالخارج اكثر من ولائهم للبنان، فهل يعلم هؤلاء انهم قد يتحولون يوماً الى وقود لحماية مصالح الاوصياء عليهم؟ يواجه لبنان اليوم المشكلة الاهم وهي النزوح السوري الذي ساهم الى حد كبير في تدهور الاقتصاد، وها هي الفرصة تسنح امامه، فهل يعمل الجميع يداً واحدة لانهاء هذه المعضلة بما فيه مصلحة لبنان وسلامة النازحين، خصوصاً وان روسيا اخذت على عاتقها قبول النظام السوري بهذه العودة وضمنت سلامتهم.
المؤسف جداً ان بعض السياسيين وبدل ان يلتفوا كلهم حول المسؤولين ويعملوا يداً واحدة لانجاح الخطوة، بدأوا بالمزايدة وتحويل الامر الى تطبيع العلاقات مع النظام السوري، مع ما في هذا القرار من تفرد وخروج على التضامن العربي. فالجامعة العربية اتخذت قراراً بتجميد العلاقات مع سوريا، فلماذا يريدون اخراج لبنان من هذا الاجماع والالتحاق بسوريا مع ما هي عليه اليوم حيث انها شبه معزولة ليس عن العالم العربي وحسب، بل وايضاً عالمياً ومصيرها غير محدد بعد. هل صحيح ان هناك سياسيين يفضلون المصلحة السورية على حساب المصلحة اللبنانية؟ فلنفكر اولاً كيف نعيد النازحين الى ديارهم من اجل مصلحتهم ومن اجل مصلحة لبنان وتخفيف الاعباء عنه وعن الشعب اللبناني الذي يعاني من ضائقة معيشية بسبب الوضع الاقتصادي المتردي. وعندما تتأمن مصلحة لبنان نفكر بالعلاقات مع سوريا ومع غيرها.
هل من المعقول ان يكون في لبنان اشخاص يطالبون بالحقوق السورية ولو على حساب عودة اللاجئين. هل يرضيهم ان يبقى الاقتصاد منهاراً والشعب اللبناني يعاني القهر والحرمان؟ أإلى هذا الحد يقدسون مصالحهم الخاصة على مصلحة الوطن والمواطنين؟ نحن نعلم ان هذه المواقف هي من باب رد الجميل، اذ لولا دعم النظام السوري لهم لما كانوا على ما هم عليه سياسياً، طبعاً الانسان يهتم بمصالحه ولكن ليس على حساب بلده واهله، لانه لو ضاع الوطن لما بقي لهم شيء. الا يخشون ان يتحولوا يوماً الى دروع لحماية داعميهم عندما تتبدل المصالح وتنقلب رأساً على عقب.
نأمل ان يتعظ الجميع ويتضامنوا كلهم فتتشكل حكومة ترعى شؤؤن البلد وتكون مصلحته ومصلحة مواطنيه فوق كل اعتبار وعندها فقط تستقيم الامور.
«الاسبوع العربي»