افتتاحية

دمروا السلاح الاشد فتكاً من النووي

اطلق الامين العام للامم المتحدة انطونيو غوتيريش مبادرة جديدة لتحريك ملف نزع الاسلحة في العالم، محذراً من ارتفاع مبيعات الاسلحة، ومن التوترات حول النشاطات النووية. وكان هدفه اعطاء دفع اكبر للابتعاد عن الحروب. وفيما كان العالم يتلقف هذه المبادرة بالتأييد والارتياح اطل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، مهدداً العالم كله وفي طليعته الولايات المتحدة. لقد استحضر بوتين حقبة الحرب الباردة واطلق ما يعتبر بداية سباق تسلح، وتحدث عن انه بات يملك اسلحة رهيبة لا تقهر، مقللاً من اهمية انظمة الدرع الصاروخية الاميركية. وهكذا اسقط بلحظة مبادرة غوتيريش.
الولايات المتحدة لم تتأخر في الرد، واعلن الناطق باسم البنتاغون بان بلاده «مستعدة»، اي انها مستعدة للمواجهة وانها تملك اسلحة لا تقل اهمية عن اسلحة بوتين. ان عرض القوة هذا من القوتين العظميين، يدل على انهما كانتا تعملان سراً، متجاوزتين كل الاتفاقات المتعلقة بنزع السلاح، والا كيف تمكنتا من تطوير هذه الاسلحة. وهكذا فانهما بعد ان دمرتا السلام بالفيتو الفتاك، جاءتا تبشران العالم بسلاح الدمار والقتل والموت.
ما يجب على الامين العام للامم المتحدة، السعي بجدية وبقوة الى نزع السلاح الاشد فتكاً من السلاح النووي، الا وهو حق النقض الفيتو، الذي تتمتع به الدول الخمس الكبرى في مجلس الامن، والذي يسد طريق السلام ويطيل امد الحروب. ولا نبالغ ان قلنا ان الفيتو اشد فتكاً بالناس من السلاح النووي. فهذا الاخير في حال استخدامه يقضي على مئات الاف البشر دفعة واحدة، اما الفيتو فانه يمنع وقف الحروب التي تفوق ضحاياها ضحايا السلاح النووي.
فالفيتو الاميركي الذي استخدم على مر السنين لحماية العدوان الاسرائيلي، وتشجيعه على الحرب والقتل والدمار، ساهم الى حد كبير جداً، لا بل كان ولا يزال السبب في عدم ايجاد حل لازمة الشرق الاوسط، والتي سقط بنتيجتها منذ الاحتلال الاسرائيلي لفلسطين، وما رافقه من حروب وتفجيرات واعتداءات، ما يفوق بكثير ما كان من الممكن ان يخلفه تفجير نووي. والخطير بالامر، ان هذا السلاح يطيل امد الحرب، ويمنع الوصول الى وضع حد لها. فاسرائيل واعتماداً على الفيتو الاميركي المتكرر، تجاهلت كل القرارات الدولية التي اقرت من اجل احلال السلام، واولها التمادي في بناء المستوطنات رغم رفض العالم كله لها. وكانت السبب في نسف محادثات السلام، واسقاط كل المبادرات التي وضعت لهذه الغاية، والفيتو الاميركي هو وراء المنهجية الاسرائيلية التي تدفعها للمضي قدماً في اعتداءاتها.
اما الفيتو الروسي والذي استخدم في الحرب السورية وحدها اكثر من عشر مرات، فكان السبب في استمرار هذه الحرب المدمرة، التي فاق عدد ضحاياها النصف مليون، ولا يظهر في الافق ما يبشر بقرب انتهائها. واخر فيتو استخدمه الروس يتعلق بحرب اليمن. فاستخدم المندوب الروسي في مجلس الامن حق النقض (الفيتو) ضد مشروع بريطاني يدين ارسال ايران الاسلحة الى الحوثيين، وهكذا وبدل ان ترتدع ايران عن تسليح الحوثيين وتشجيعهم على الحرب والقتال، وجدت من يحمي سياستها، فاستمرت بها وهي مطمئنة الى ان الفيتو الروسي بالمرصاد لكل من يحاول ردعها. وادعت روسيا ان الجهة التي نقلت الصواريح الى اليمن غير معروفة. فكأن الصاروخ البالستي صندوق تفاح يمكن تهريبه دون ان يلحظ احد ذلك. ثم هل ان الحوثيين تحولوا الى دولة تملك القدرة على تصنيع هذه الصواريخ. وهل يمكن تهريبها من ايران عبر حدود يسهر الحرس الثوري بكل انتباه الى فرض رقابة شديدة عليها، ولا يراها احد؟
وكما ان الولايات المتحدة تحمي اسرائيل وتشجعها على العدوان، فان الروس يحمون قوى همها التوسع على حساب غيرها، وفرض سيطرتها على دول ضعيفة.
اذاً فالفيتو سلاح فتاك سعت الدول الخمس الكبرى، يوم اجتمعت لاقتسام العالم على التسلح به ليحميها ويحمي مصالحها، ويحمي سياساتها الخاطئة بمنع السلام واطالة امد الحرب. وبفعل الفيتو الروسي تستمر الحرب السورية على مدى ثماني سنوات والحبل على الجرار، وتستمر حرب اليمن وضحايا الحربين فاق عددهم حتى الساعة المليون شخص.
لذلك كله على غوتيريش المهتم بنزع السلاح ان يدرج في اول اللائحة سلاح الفيتو، الذي يعتبر اشد فتكاً من السلاح النووي. فليعد الجيش الاميركي المتواجد في سوريا الى بلاده، ولينسحب الجيش الروسي الذي يسرح ويمرح في الارض السورية مسيطراً على قرارها، ولتدمر قواعده ويعود الى موسكو، وعندها فقط تستقيم الامور وتتوقف الحروب ويعم السلام، فهل يأخذ غوتيريش والعالم كله معه هذا السلاح بعين الاهتمام ويعمل على تدميره؟

«الاسبوع العربي»

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً

إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق