سياسة لبنانية

دريان: نحن اليوم بحاجة ماسة الى الالتزام الكامل بالنأي بالنفس

وجه مفتي الجمهورية الشيخ عبد اللطيف دريان رسالة الى اللبنانيين، لمناسبة ذكرى المولد النبوي الشريف، قال فيها:
أيها المسلمون، أيها اللبنانيون، في ذكرى مولد رسول الله صلى الله عليه وسلم، نتعلم منه أن قيم الرحمة والعناية والتعارف، تتجلى عملياً في مفهوم المعروف. والمعروف فضائل وكرم نفس، وإحسان وخير. المعروف هو ما يتعارف عليه الناس في عيشهم المشترك، وفي تعاملهم، وفي تربية أولادهم، وفي علائقهم بجوارهم، وفي رؤيتهم للعالم من حولهم. والمنكر هو مجموعة الأفكار والممارسات السيئة، وهي قد تكون في التعاملات التجارية، وفي الاعتداء على حرمات الناس، وفي العمل السياسي والوطني.
إن الذي نريد أن ننبه إليه في ذكرى مولد نبي الهدى، أننا في حياتنا الخاصة والعامة، وحياتنا الوطنية، وفي تعاملاتنا في ما بيننا، وفي تعاملنا مع جوارنا العربي، إنما نعاني أزمة. يسأل أحدنا عن حقوقه ومطامحه ومطامعه، لكنه لا يسأل عن واجباته والتزاماته. ويسأل عما يمكنه أخذه والإستئثار به، ولا يسأل عما ينال محيطه ووطنه وبني قومه من جراء ذلك.
ثلاثة مفردات أو كلمات أو مفاهيم، تتكرر كثيراً في كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهي: الرحمة والمعروف والأمانة. ورسول الله صلى الله عليه وسلم يعتبر الأمانة تارة جزءا من المعروف، وتارة أخرى جزءا من الرحمة. وهكذا، فهي رأس من رؤوس القيم الأخلاقية التي إذا غابت أو تضاءلت، نزل ضرر كبير في الحياتين الاجتماعية والوطنية.
إن من الأمانة للرسالة التي نتحملها بمقتضى الدين والأخلاق والوطنية، القول: إن إخواننا العرب، وليس منذ الأزمة الأخيرة، يشكون مر الشكوى من إيذائنا، أو إيذاء فئة منا لأمنهم واستقرار بلدانهم، وسط الأحداث الطاحنة التي غصت بها منطقتنا العربية في السنوات الماضية. ولا يمكن القول: اننا لا نستطيع أن نفعل شيئاً إزاء ذلك، لأنه يفوق قدراتنا، فهذا القول غير صحيح وغير ملائم في تصرفات الأفراد، فكيف في تصرفات الدول؟
إن الذي يتسبب بالضرر للآخرين، يكون عليه أن يتوقع نزول الضرر به هو أيضاً، كنا قد قررنا وبالإجماع، منذ العام 2011 النأي بالنفس أو الحياد إزاء ما يحدث بالجوار. وكان يمكن الالتزام به، ونحن اليوم بحاجة ماسة إلى الالتزام الكامل بسياسة النأي بالنفس، حرصاً على أنفسنا وعلى وطننا، ولتقليل الأضرار إن لم يمكن دفع الضرر كله.
أيها المسلمون أيها اللبنانيون أيها العرب، إن هذا الخراب الذي حصل ويحصل في حواضرنا العربية، هو هول هائل، وإن المطلوب منا بمقتضى الأمانة والمسؤولية، أن ننكر المنكر في الحد الأدنى بقلوبنا، وفي الحد الأوسط بألسنتنا. وها نحن نشهدك يا الله أننا لم نرض، ولا نقبل بهذا القتل والتهجير، وفجائع النساء والأطفال والشيوخ. وهل يعرف جمهورنا أن ثمانين بالمئة من المهجرين السوريين في لبنان، هم من النساء والأطفال؟
وفي ذكرى مولد رسول الله صلى الله عليه وسلم، نذكر الفاجعة الهائلة التي نزلت بمصر، كنانة الله في أرضه، باستشهاد مئات المصلين في جامع للجمعة والجماعة بسيناء. قلوبنا وعقولنا مع إخوتنا وأطفالنا بمصر الغالية. في سورة قريش، جاء قول الله تعالى: «الذي أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف»، وفي ليالي معركة الخندق، في المدينة المنورة، التي كانت محاصرة، كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقف في ظلمات البرد والخوف بين المدافعين عن مدينتهم، مبشراً بمستقبل آمن لا خوف فيه. نعم ، نحن العرب مستهدفون، فاللهم في ذكرى مولد نبيك، النبي العربي، نبي الرحمة والملحمة، آمن روعاتنا، وكن لنا ولا تكن علينا، واشملنا بعطفك ورحمتك ومعروفك؛ غفرانك ربنا وإليك المصير.
أيها المسلمون، أيها اللبنانيون، نحن مررنا بأزمة وطنية مقلقة بعد استقالة الرئيس سعد الحريري، ونحن معه في ما يحاوله من إحداث توازن في السياسات الوطنية. وكما توحد اللبنانيون من حول الرئيس الشهيد رفيق الحريري ، هم موحدون اليوم من حول الرئيس سعد الحريري للنهوض بالدولة وتفعيل مؤسساتها.
إن سياسة لا ضرر ولا ضرار هي من تمام الحكمة والعدل والمنطق الذي ينبغي أن نعالج بها قضايانا، لتقوى وحدتنا الوطنية، ولكي لا يتعرض وطننا وأمننا وعيشنا للأخطار، نريد أن يكون لبنان آمناً مطمئناً مستقراً موحداً نائياً بنفسه عما يجري في المنطقة، وحذار من التدخل في قضايا غيرنا من أشقائنا العرب. يكفينا ما فيه وطننا من أزمات.
إننا نتوسم خيراً بالمشاورات التي أجريت وتجري في قصر بعبدا، والتي نأمل أن تظهر إيجابياتها في الأيام المقبلة، بانفتاح الجميع على التعاون، للخروج من الأزمة التي دفعت الرئيس سعد الحريري إلى الاستقالة ثم التريث بها، إفساحا في المجال للحوار، من أجل إنقاذ لبنان، بتفاهم وطني، يعيد استئناف عمل الحكومة، التي نحن بأمس الحاجة إليها، خصوصا أننا على أبواب إجراء الانتخابات النيابية، التي ينتظرها اللبنانيون بفارغ الصبر، لانتظام الحياة الدستورية في لبنان.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق