الأسبوع الثقافي

«الربيع العربي – نهاية حقبة ما بعد الاستعمار»

يقدم أستاذ الدراسات الإيرانية والأدب المقارن في جامعة كولومبيا حميد دباشي في كتابه الصادر مؤخراً عن دار نون للنشر الإماراتية، «الربيع العربي – نهاية حقبة ما بعد الاستعمار» ترجمة وتقديم: د. حارث حسن – أحمد الهاشم، مرافعة فكرية عن روح الحركة الشعبية ووجدانها. أراد الكاتب أن يتجاوز الخصوصيات الظرفية لتلك الأحداث، ويعالجها في إطارها الأوسع بوصفها صناعة جديدة للتاريخ، أهم ما فيها، هو أن المنتفضين أثبتوا أنهم قادرون على أن يتصرفوا كفاعلين تاريخيين مستقلي.

الكتاب الذي صـدرت طبعته الأولى بالإنكليزية في العام 2012، يتنـاول فيـه الكاتـب حميـد دباشي  موضوع «الاحتجاجات» أو «الانتفاضات» أو «الثورات» التي عمّت منطقتنا، منذ نهاية العام 2010، واصطُلح على تسميتها بالربيع العربي.
يشير المترجمان في مقدمة الكتاب إلى أنه بعد عقود طويلة من الحديث عن «الاستثناء العربي»، وعن رسوخ «السلطوية العربيـة»، والتنظيـرات التـي انتقلت مـن حقـول السياسـة وعلم الاجتماع لترتكز علـى «ثقافة الاسـتبداد» الراسـخة في المنطقة، كان مظهر «المسـتبدين» وهم يفرون من بلادهـم خلسـة، أو يتنحـون بـلا كلمـة وداع، أو يعثـر عليهـم في المخابىء ويتـم قتلهـم عـلـى أيـدي مـن كانـوا محكوميهـم، قـادراً عـلـى هـزّ الكثيـر مـن القناعـات التـي صنعتها فكـرة الاسـتثناء العربي.
نقـل دباشي – بحسب المترجمين – «الربيـع العربي» إلى مجالات نقـاش أوسع تتعلق بالمعاي الكبرى لهـذه الموجة، المعاني التـي رأى فيهـا تعبـيـراً عـن خـروج مـن أثقـال تاريـخ مكبِـل صنعتـه المرحلتـان الاسـتعمارية ومـا بعـد الاسـتعمارية، وانتقـال تدريجـي نحـو مسـتقبل بنهايـات مفتوحـة، مسـتقبل لا تجيـد قراءتـه الأيديولوجيـات السياسـية التـي صنعتهـا تانـك المرحلتـاـن، بـل هـو بحاجـة إلى لغـة جديـدة وعقـل جديـد وفهـم جديـد لمعنـى الثـورة والتغيـر والانعتـاق.
لم يرَ دباشي في الربيـع العربي مجـرد صراع بـين حـكام سـيئين ومحكومـيـن غاضبين، بل شيء أكبر من ذلك، إنـه صيـرورة تاريخيـة تتجه إلى تحرير شعوب المنطقة من سطوة القوى السياسية والعسكرية والاقتصادية والثقافية التي قيدتها في أطر الهيمنة التي قامت عليها مرحلتا الاستعمار وما بعد الاستعمار، بالنسـبة اليـه، فـإن الربيـع العربي هـو خـروج مـن حقبـة مـا بعـد الاسـتعمار التـي قامـت عـلـى ثنائيـة اسـتمرار الاسـتعمار بأشـكال أخـرى، وصعـود أيديولوجيـات مناوئـة للاسـتعمار لكنهـا في الحقيقـة تقـوم عـلـى إعـادة إنتاجـه، كـمـا هـو الحـال مـع الاشـتـراكية العـالم ثالثيـة، أو القوميـة العربيـة، أو الإسـلام السـياسي. لم تكـن تلـك الإيديولوجيات انعتاقية كما تدعي، بل جزء من المنظومة الثقافية والأيديولوجية العامة التي صنعتها فكرة «الغرب»، تلك الفكرة التي بمحض وجودها، تعبّر عن نظام للهيمنة أصبحت فيه الشعوب غير الغربية مجرد صورة لما يراه الغرب في نفسه تعبيراً عن دونية ما هو غير غربي، بالتالي تفوق «الغربي».
يوجه الكاتب نقده أيضاً إلى محاولة إسقاط المفاهيم الأيديولوجية التقليدية عن الثورة على احتجاجات الربيع العربي. منتقداً أولئك الذين يبحثون عن ثورات على مقاسهم كي يؤيدوها، حيث يرى أن الربيـع العربي ليـس ثـورة إسلامية كما ادعى المرشد الأعلى للثورة الإسلامية وقوى إسلامية أخرى، ولا هو ثورة قومية، ولا ثورة يسارية جذرية بالمعنى الذي تصوره اليسار التقليدي عن الثورة، ولا هي ثورة بالمفهوم الليبرالي الذي تحدثت عنه حنـه أرنـدت، إنها ثورة بطبيعة خاصة، لا تنتمي لأي من الأيديولوجيات البالية، ولا تحدث كثورة شاملة كما يتصور البعض. إنها في نظره صيرورة، علمية تدرجية يشبه تسلسل وقوع أحداثها عملاً روائياً لا ملحميا، هي حركة للحقوق المدنية (يتتبع بداياتها في الحركة الخضراء في إيران)، وهي في الوقت نفسه موجة عابرة للحدود والتسميات القومية والوطنية والإسلامية.
المؤلف حميد دباشي (مواليد 1951) هو أستاذ الدراسات الإيرانية والأدب المقارن في جامعة كولومبيا في نيويورك. وهو أحد مؤسسي معهد الاجتماع والأدب المقارن ومركز الدراسات الفلسطينية بجامعة كولومبيا. صدر له أكثر من عشرين كتاباً منها: «ما بعد الاستشراق، المعرفة والقوة في زمن الإرهاب» و«لاهوت التحرير الإسلامي: مقاومة الإمبراطورية» وكتب عن السينما. وكان طوال عقد من الزمن ينشر بانتظام مقالاته في صحيفة الأهرام الإنكليزية الأسبوعية، كما ينشر في موقع الجزيرة الإنكليزي ومحطة السي أن أن الأميركية. وهو مؤسس مشروع الفيلم الفلسطيني «أحلام وطن».
يذكر أن الكتاب جاء في 352 صفحة من القطع المتوسط من تصميم وإخراج فني للشاعر الفلسطيني خالد سليمان الناصري

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق