رئيسيسياسة عربية

السودان: قمة السودانين تسمح بتدفق النفط الجنوبي

ملفات شائكة، يتقدمها موضوع انعدام الثقة، ما زالت تحكم العلاقات بين دولتي السودان. من بين تلك الملفات اعتقاد متبادل بأن «الشقيق الاخر» يضمر العداء ويدبر المؤامرات للنيل منه. وهو اعتقاد يتكىء على تاريخ طويل من الصراع الدامي الذي اودى بحياة ملايين البشر، وشرد ملايين آخرىن.

بدا واضحاً ان عبارات المجاملة التي تبادلها الزعماء وكبار المسؤولين في الدولتين لم تقنع الملايين من ابناء الشعب الذي تحول لاسباب سياسية الى شعبين، وتحولت دولته الى دولتين. وما يعزز تلك الفرضية ان عملية الانفصال لم تنعكس ايجاباً على اي من الشعبين اللذين ما زالا يصارعان من اجل لقمة العيش. وما زالت الخلافات تحكمهما بشكل كامل. ومع تعدد عناصر الازمة بين الدولتين، بدءاً من الحدود المضطربة، وانتهاء بالخلافات القبلية المتجذرة، طفا موضوع تقاسم الثروة في مقدمة تلك العناصر. فدولة الجنوب ترى ان ما يزيد عن سبعين بالمائة من الانتاج النفطي يتم من اراضيها. بينما دولة الشمال ترى انه لا ممر للنفط المصدر الا عبر اراضيها. ولا ميناء بحرياً يتم التصدير منه الا على البحر الاحمر الذي تتبع شواطئه السودانية الى دولة الشمال.
توصل الطرفان الى معادلة لاقتسام عائدات النفط بينهما. لكن دولة الشمال التي تعتقد ان الجنوبيين يدعمون حركات التمرد ضد حكم البشير لوحت باستخدام النفط كسلاح في مواجهتها مع دولة الجنوب، واعلنت عن عدم السماح بمرور النفط الجنوبي عبر اراضيها الى البحر الاحمر. وكانت حددت السادس من ايلول (سبتمبر) الجاري موعداً لمنع التصدير.
وقررت حكومة الشمال تجميد العمل بالعديد من الاتفاقيات الموقعة بين الجانبين كمؤشر على عمق الازمة بينهما. ومع تنفيذ وقف تصدير النفط بدا الطرفان في وضع محرج باعتبار انهما بحاجة ماسة لتلك العائدات. وبادر رئيس الدولة الجنوبية سلفا كير الى طلب لقاء قمة مع الرئيس البشير، عنوانه المصارحة والمكاشفة والبدء بصفحة جديدة. وسبق ذلك اعتراف ضمني بدور الجنوب في زعزعة الاستقرار في دولة الشمال، حيث اقال سلفا كير الحكومة وشكل حكومة بديلة. واعلن التزامه – جزئياً – بجميع الاتفاقيات الموقعة بين الطرفين بما في ذلك الاتفاقيات التي اعلن الرئيس البشير تجميدها او الغاءها.

التركيز على النفط
القمة التي استضافتها العاصمة الشمالية الخرطوم، والتي جرى الترتيب لها بحرص على ان يتم تعليق جميع القضايا، واخضاعها للبحث المحكوم بحسن النوايا، ركزت على مسألة النفط واستمرار تدفقه. وبدا واضحاً ان ابرز عنوانين تم التوافق عليهما هما: تراجع الخرطوم عن قرارها وقف السماح بتصدير النفط، وان يتم تعليق القضايا الخلافية وجدولتها وصولاً الى حلول لها، مع ضمان عدم العبث بأمن اي من الدولتين وتكثيف التعاون الامني بينهما.
وبدا واضحاً ان الرئيسين ناقشا العديد من الملفات، حيث أكد وزيرا خارجية دولتي السودان وجنوب السودان انتقال العلاقات بين بلديهما الى مرحلة جديدة متطورة تنهي جميع التوترات والخلافات المتفاقمة بين الجانبين. وقال وزير الخارجية السوداني علي كرتي في تصريحات للاذاعة السودانية: إن زيارة رئيس دولة جنوب السودان سلفا كير ميارديت للخرطوم مؤخراً ازالت الجفوة، وقدمت خطوات عملية داعمة لحسن النوايا من خلال التعهدات التي اعلنها والمواقف التي أكد عليها، وما إلى ذلك من خطوات عملية على أرض الواقع. وأضاف: إن علاقات الدولتين دخلت الان مرحلة الانتقال التطبيقي لمخرجات قمة البشير ــ سلفا كير، وفي مقدمة ذلك التطبيق العملي لاتفاق التعاون المشترك، خصوصاً ما يتعلق بالترتيبات الامنية، وانسياب حركة العلاقات الثنائية في جميع مناحيها، إضافة للتحركات المشتركة على صعيد المجتمع الدولي مع الدول الدائنة ومؤسسات التمويل الدولية لمعالجة وإعفاء ديون السودان الخارجية بشكل كلي في شكل عمل جماعي.
ونوه كرتي الى ان الفترة المقبلة ستشهد دوراً بارزاً لوزارتي خارجية الدولتين لانزال الاتفاقيات الى أرض الواقع، والاشراف على تحريك جميع الملفات الموقعة.
من جهته، وصف وزير خارجية دولة جنوب السودان برنابا بنجامين زيارة الرئيس سلفا كير للخرطوم بأنها كانت ناجحة بنسبة 100 بالمائة، واعتبرها تاريخية عززت الثقة والتعاون، وأكدت على قدرة الدولتين على حل مشاكلهما على المستوى الثنائي بعيداً عن التدخلات الخارجية السالبة.
المحللون يرون ان رئيسي الدولتين استطاعا أن يبعثا برسائل اطمئنان لشعبي البلدين اللذين طالما انهكتهما الصراعات التي لا تكاد تنتهي إلا لتبدأ من جديد. ويتوقف المحللون عند إعلان الرئيس البشير استمرار تدفق النفط بلا انقطاع وفتح الحدود امام التجارة إضافةً لرغبة الجنوب في إغلاق فصل الخلافات بين البلدين، وسط قراءات تشير الى انها كلها مؤشرات إيجابية في توقيت سليم. وفي هذا السياق، يتوقف المحللون عند كم من القضايا العالقة بين الدولتين، وهي: «الديون والحدود وأبيي»، وهي القضايا التي لا تزال خاضعة للبحث والنقاش ولكن ضمن اطار من حسن النية. فقضية الديون يراها متخصصون بانها ليست معقدة، وان الحلول مطروحة أمام الدولتين وبالإمكان إيجاد مُعادلة اقتصادية إذا ما فشل جهد الدولتين في إقناع العالم بإلغائها. ويؤكد مختصون على فعالية مقترح يقوم على فكرة «الديون مقابل الأصول»، ويرون انها معادلة معقولة بإمكانها أن تمثل مخرجاً.

الدخول في متاهات
ان قسمة الأصول بين البلدين ستدخلهما في متاهات لا قبل للدولتين بها وستعيد الأزمة للمربع الأول. وليس هناك امل في استجابة العالم لإعفاء ديون السودان لأنها ببساطة تسيّست أكثر من اللازم، خصوصاً وان الدائنين لا يزالون يرفضون إلغاء أية نسبة منها إلاّ بعد أن يُخضع السودان لشروط سياسية. اما قضية الحدود فيرى محللون انها من أسهل القضايا العالقة وتنحصر في مناطق معينة، وتحديداً في منطقتي «كفيا كنجي وسماحة»، أما بقية المناطق الخمس فالخرائط تكاد تحسمها فيما اذا توفرت النواياالحسنة.
اما أخطر لغم يُواجه البلدين – بحسب المحلل السياسي السوداني عادل الباز – فهو لغم أبيي الذي يكاد ينفجر بعد نحو شهر اذا أصر الجنوبيون على الاستفتاء بالصيغة المطروحة التي تقوم على فكرة لي الاذرع.
وتشير التحليلات الى ان ملف ابيي سيبقى متفجراً، حيث بدا واضحاً تمسك الرئيس سلفا كير بما جاء في محكمة لاهاي، وعلى إنفاذ توصيات لجنة السلم والأمن التابعة للإتحاد الأفريقي التي حصرت التصويت في دينكا نقوك والمسيرية المقيمين في المنطقة أغلب أيام العام مما يعني عملياً أن أبيي ستذهب جنوباً. فدولة الجنوب تصر على قيام الاستفتاء، وقيامه يعني أنّ حرباً حدودية ستشتعل فوراً على طول الحدود. ويبقى السؤال قائماً: هل ستنجح الدولتان في نزع فتيل ذلك اللغم؟.

الخرطوم- «الاسبوع العربي»

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق