سياسة لبنانية

عرسال تعود الى الواجهة الأمنية

يواصل الجيش اللبناني منذ أيام عمليات قصف مركز لمواقع المسلحين في جرود عرسال ورأس بعلبك، وقد استخدم الطوافات لإطلاق صواريخ على مواقع محددة لحقت بها إصابات مباشرة. وكانت بلدة عرسال الحدودية عادت الى واجهة الاهتمامات المحلية بعد التفجيرين الأخيرين اللذين شهدتهما: الأول استهدف مشايخ سوريين، والثاني استهدف دورية للجيش كانت تتفقد موقع التفجير الأول. وتشير مصادر عسكرية الى وجود احتمالين بشأن هذين التفجيرين، إما أنهما عابران نتيجة ظروف محددة أو أنهما يأتيان في سياق خطة للتنظيمات المسلحة المتشددة لاستباق قدوم فصل الشتاء بعد أن أحكم الجيش بتدابيره الرقابية على المعابر وحركة المسلحين.
وتقول مصادر أخرى أن ثمة معطيات عدة رصدتها المراجع الأمنية المعنية تؤشر الى أن عرسال ستستعيد حضورها في وسائل الإعلام من زاويتين: الأولى المواجهة المتجددة مع وحدات الجيش المنتشرة على خطوط التماس في المنطقة المتاخمة لجرود عرسال حيث يتمركز المسلحون، والثانية تجدد الصدامات بين «داعش» و«جبهة النصرة» في «حرب إلغاء» تظهّر الصراع الذي كان مكتوماً بين التنظيمين، علماً أن المسؤولين عن «داعش» في المنطقة جاهروا برغبتهم في إرهاب خصومهم المسلحين في المنطقة توطئة للهيمنة على البلدة البقاعية وما تمثله من إطار جغرافي له مميزات استراتيجية لأنه نقطة التواصل والتماس على الحدود اللبنانية – السورية المضطربة.
وفي تقدير المصادر أنه كلما ازداد الخناق على مسلحي «داعش» وحلفائهم نتيجة الإجراءات التي وعد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان باتخاذها، كلما كانت ردة فعل «الداعشيين» في اتجاه نقاط الضعف المتمثلة بجبهة عرسال المفتوحة منذ 2 آب (اغسطس) 2014 والمستمرة من دون أفق يمكن أن يدلّل على قرب نهايتها. فضلاً عن أن «داعش» تلقى أخيراً سلسلة ضربات بعد التدخل الروسي المباشر في الحرب مع التنظيمات الإرهابية، خصوصاً ما حصل على طريق حلب وأدى الى منع المسلحين من محاصرة المدينة.
حيال هذا الوضع، تضيف المراجع العسكرية المعنية، فإن خطة المواجهة التي سيعتمدها الجيش متعددة الأضلاع، فهي من جهة تركّز أولاً على تعزيز خطوط الدفاع وتضييق الخناق على تحرك المسلحين، وتلحظ ثانياً تفعيل العمل المخابراتي لتطويق أي محاولة لتكريس واقع «البيئة الحاضنة» داخل عرسال. وفي خطة المواجهة أيضاً، الحؤول دون تحوّل عرسال من جديد الى بؤرة توتر وتصادم متعدد الوجوه والأشكال، ما سيؤدي حتماً الى ضغط على الداخل اللبناني على النحو الذي حصل سابقاً، فضلاً عما يمكن أن يسبّبه أي صدام من انعكاسات سلبية على منطقة البقاع، لا سيما في المحاور المتقابلة في البقاع الشمالي حيث تنتشر مجموعات حزب الله والأهالي لحماية البلدات المتاخمة الشيعية منها والمسيحية.
الأوضاع المستجدة في عرسال أثارت اهتمام الأوساط الدبلوماسية أيضاً. وفي هذا الإطار نصحت هذه الأوساط بوضع استراتيجية متكاملة وواضحة للتعامل مع الوضع القائم، واختيار التوقيت المناسب لإنهاء الوضع الشاذ في عرسال وفي الجرود، لأن التجارب السابقة أثبتت أن المؤسسة العسكرية، دفعت أثماناً باهظة نتيجة الاكتفاء برد الفعل بدل المبادرة الى الفعل ضد هذه المجموعات، والمرحلة المقبلة ستكون حبلى بالأحداث الخطرة ما لم يبادر الجانب اللبناني الى اتخاذ قرارات حاسمة وجريئة بتنفيذ عملية عسكرية وأمنية واسعة في بلدة عرسال وجردها.
هذه الخطوة باتت ضرورية اليوم لأكثر من سبب، بحسب الأوساط، الأول يتعلق بتطورات دراماتيكية مرتقبة على الساحة السورية بفعل ترقب تحول في تعامل روسيا مع الوضع الميداني بعد مستجدات الطائرة الروسية المنكوبة في شرم الشيخ، والثاني يرتبط بحاجة «داعش» الى توسيع رقعة الاشتباك لتخفيف الضغط على قواته في سوريا. فبعد وصوله الى بلدة مهين السورية في ريف حمص باتت الجغرافيا اللبنانية تغري التنظيم لوصل مناطق نفوذه الممتدة الى جرود القاع ورأس بعلبك. وبعد مبايعة عدد لا بأس به من المجموعات المرتبطة بـ «النصرة» في جرود عرسال، يبدو مرجحاً إقدام هؤلاء على تحريك كامل الجبهة لإرباك المشهد الميداني وإشغال حزب الله في معركة فوق أرضه لمنعه من إطلاق المعركة المؤجلة في الجرود والتي ستؤدي إذا ما اندلعت الى إجهاض الإنجازات المحققة في ريف حمص.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق