افتتاحية

الضرائب تحرق المواطن والمسؤولون يتسلون

في مثل هذه الايام من العام 2001 تمت مصالحة الجبل، وانهت سنوات طويلة مدمرة، اخلت بالتوازن الطائفي الذي ارتكزت عليه الصيغة اللبنانية، على مدى عقود. تمت المصالحة عندما قام البطريرك الكبير مار نصرالله بطرس صفير بزيارة الى الجبل، عرج خلالها على دارة المختارة، حيث كان النائب وليد جنبلاط في استقباله فكان لهذه الزيارة اطيب الاثر في نفوس اللبنانيين عموماً، واهل الجبل خصوصاً.
هذا التلاقي تكرر منذ ايام عندما زار رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع وعقيلته، النائب وليد جنبلاط في دارته في كليمنصور، وسيتجدد بقوة بزيارة البطريرك بشارة الراعي الى الشوف لتدشين مقر كرسي المطرانية المارونية في بيت الدين، والذي تربطه افضل العلاقات التاريخية بقصر المختارة. وسيلقي كلمة بالمناسبة فيرد عليه النائب جنبلاط بكلمة ترحيبية. وتتزامن زيارة الراعي مع ذكرى زيارة البطريرك صفير، التي لم ترق لكثيرين من اعداء المصالحة والتلاقي، فعقبتها احداث 7 و8 اب زج خلالها الشباب اللبناني في السجون.
كذلك شهدنا منذ ايام تنسيقاً بين الكتائب والاحرار، وحبذا لو تنسحب هذه البادرات على كل اللبنانيين، فيتم التلاقي الصادق، وتتوحد القلوب وتعمل في خط واحد هو مصلحة لبنان، بعيداً عن تدخلات الخارج، التي لا تريد من لبنان الا استخدامه وتسخير مصالحه لخدمة اغراضها ومصالحها الشخصية. وعندما تتم المصالحات بين كل الفئات اللبنانية، ينصرف الجميع الى العمل في سبيل الوطن، والمواطن على حد سواء.
فالخلافات السياسية طوال السنوات الماضية كانت اساس نكبة لبنان دفع ثمنها المواطن اللبناني. فلو كان السياسيون موحدين وعملوا لما فيه مصلحة الشعب، لما كان الوزراء والنواب وعموم السياسيين قصفوا المواطنين بهذه الضرائب العشوائية، التي انعكست على حياتهم اليومية وعلى معيشتهم. هل استعان النواب الذين اقروا الضرائب بخبراء اقتصاديين، شرحوا لهم ابعاد ما ارتكبت ايديهم، ام انهم نصبوا انفسهم خبراء، فجاءت اضرار الضرائب على الشعب اللبناني تفوق ضرر الحروب. على الشاشات يتبارون في تبرئة انفسهم، وينتقدون الضرائب. وعند التصويت يرفعون اصابعهم، محاولين ان يغشوا الناس الذين انتخبوهم، على امل ان يحافظوا على حقوقهم فاذا بهم يطعنونهم بالصميم.
اما الان وقد وقعت الواقعة، لم يعد من امل الا ان يتحرك اهل الحل والربط وفي طليعتهم رئيس الجمهورية، فيعيد هذه اللائحة القاتلة، التي يسمونها موارد، الى مصدرها لاعادة النظر فيها، على اسس علمية يحددها الخبراء واهل الاختصاص. وفي ما عدا ذلك فان كرة الثلج التي بدأت تتكون وان ببطء بانتظار القرارات الاخيرة، هذه الكرة ستتحول الى كرة نار، وستحرق كل ما تصادفه في طريقها. لقد اتكلوا على صمت الشعب حتى استضعفوه وقفزوا فوق مصلحته، وهم لا يعرفون انهم متى مدوا ايديهم الى جيوبه الفارغة، والى لقمة عيشه، التي بالكاد يحصلها بالعرق والدم، فانه سيتحول الى اسد ثائر، خصوصاً وان الشعب يعرف انه اذا قال كلمته فسينتصر، اياًتكن العقبات. وهناك مثال حي منذ ايام عندما حاولت الشرطة الاسرائيلية قهر الشعب الفلسطيني، واقتربت من مقدساته، ثار بوجهها مصمماً على ردعها مهما كان الثمن. وعبثاً حاول نتانياهو ترهيبه فلم يفلح، فانهزم امام ارادة الحق وتراجع عن كل التدابير التي فرضها على دور العبادة، واستعاد الفلسطينيون حريتهم. فاذا استمر المسؤولون اللبنانيون في تشبثهم، واصروا على المضي في ضرائبهم الظالمة، فانهم سيدفعون الثمن. التحرك الشعبي لا يزال ضعيفاً على امل ان يعود المعنيون عن ظلمهم، فيعدلوا في اللائحة، بحيث لا تمس حياة المواطنين. ولكن هذا التحرك سيقوى ويشتد ويعنف في الايام المقبلة، وفق المواقف السياسية، فبعد تحرك القضاة الذين ضربوا في كراماتهم، من خلال استخفاف النواب بهم كسلطة مستقلة، لا تقل اهمية عن السلطة التشريعية لا بل توازيها من حيث المسؤولية والاهمية، تحرك المحامون واعلن مجلس نقابتهم في بيروت، بعد جلسة برئاسة النقيب انطونيو الهاشم، انه ومتابعة لخطواته التصعيدية التي ينفذها تباعاً، اعتراضاً منه على ما طاول اصحاب المهن الحرة المنظمة من اجحاف، نتيجة اقرار المادة 17 من قانون سلسلة الرتب والرواتب المتعلقة بازدواجية الضريبة، المخالفة لمبدأ المساواة، هذه السلسلة التي تشكل اعباء غير محدودة النتائج، واضعة المواطنين امام اعباء ضريبية اقل ما يقال فيها انها مجحفة وغير قانونية. امام كل ذلك دعا مجلس النقابة المحامين الى الامتناع كلياً عن حضور الجلسات امام المحاكم والدوائر القضائية.
والتحرك الاكبر سيكون في بداية ايلول عندما تعلن الزيادات على الاقساط المدرسية وعندها فان الحكومة ستجد نفسها عاجزة عن استيعاب الوضع. فالاولى بها ان تسارع الى سحب لائحة الضرائب فوراً قبل فوات الاوان، او ان تتولى هي دفع الزيادة التي ستترتب على الاهل من جراء هذه السلسلة غير المدروسة وما رافقها من ضرائب عشوائية، كما قال مجلس المطارنة الموازنة. فالخطر داهم والمعنيون يتسلون ويتمسكون بدفاعهم الخاطىء عن السلسلة وضرائبها فلمن ستكون الغلبة؟

«الاسبوع العربي»

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً

إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق