افتتاحية

هذا الشعب من طينة السياسيين والامل مفقود

اما وقد تم الاتفاق المغلف بالخلافات على قانون الانتخاب، وبانتظار اقراره في المجلس النيابي لا بد من التوجه الى من امضوا ثماني سنوات والتاسعة على الطريق وكان شعارهم الوحيد عدم الاتفاق.
يا سياسيي لبنان طفح الكيل فارفعوا اياديكم عن لبنان وعن المجلس النيابي، وارحلوا بعيداً وبعيداً جداً، حتى يتلاشى اي امل لكم بالعودة. لقد اثبتم انكم لستم اهلاً للمسؤولية ولا للسياسة، وهي فن قائم بذاته، لا تفقهون حرفاً واحداً من معانيها واسرارها. فهي عندكم الاعيب وحرتقات صغيرة ورخيصة وكثير من الفساد، الذي فاحت رائحته في كل مكان، في الداخل وفي الخارج، وهذا ظاهر من لائحة الدول ودرجة لبنان في لائحة الفساد، وقد حللتم في اواخرها، مع ذلك انتم تضحكون وتتلهون وكأن الامر لا يعنيكم. فاين هي الكرامة، التي يجب ان تكون فوق كل اعتبار؟ يضاف الى ذلك قهركم للشعب المطواع الذي هو اشبه بخراف مساقة الى الذبح. فهو شعب خانع قابل بكل الظلم الذي تتسببون به.
كان الخوف لولا الولادة القيصرية لقانون الانتخاب ان يحل 20 حزيران، موعد انتهاء ولاية هذا المجلس غير المأسوف على رحيل رواده، والقانون لم ينجز فنقع في الفراغ، ونسير نحو قانون الستين المشؤوم، وفي ذلك سقطة للعهد، وهو لا يزال في اول الطريق فهل هذا ما كان مطلوباً؟ ولماذا؟
المنطقة تغلي، نار الازمات تضرب في كل مكان في الشرق الاوسط، ونار الارهاب تزداد اشتعالاً في الشرق وفي الغرب، لا تفرق بين مسلم ومسيحي. لقد دخلت المنطقة مرحلة المصير المجهول، ولبنان في قلب هذه المنطقة، واي حدث سينعكس عليه. ولكن يبدو ان هؤلاء السياسيين في لبنان، لم يدركوا ماذا كانوا يفعلون، وليس عجباً لانهم ليسوا على قدر المسؤولية. هل من المعقول ان يكون الوضع هكذا وهم يتلهون بتفاصيل صغيرة كادت ان تهدد مصير البلد لقلة ادراكهم؟ هل تخلوا عن لبنان. فمضوا في خلافاتهم من اجل كسب صوت من هنا واخر من هناك، غير عابئين بما يتهدد الوطن؟ نقلونا حتى اللحظة الاخيرة من موعد الى موعد، وكانوا يدغدغون احلام الشعب الذي لا يزال يصدقهم وكانوا يؤكدون انهم على عتبة قانون جديد للانتخابات وسرعان ما كان الحلم يتبخر ويظهر انه سراب؟ الاقتراب من الفراغ كان على قاب قوسين وادنى وهم منشغلون بامور تافهة. هل هؤلاء هم رجال لبنان؟ اين الكبار الذين عبروا، ولو عادوا اليوم ورأوا ما يفعل هؤلاء، لتمنوا الرحيل مجدداً. فلماذا لا يتشبهون بهم والتشبه بالكرام فلاح. على مدى اشهر كنا ننام على امل ان يحمل الغد الحل ويلهم هؤلاء العابثين بمصيرنا، فيرتاح البلد، خصوصاً بعد التحذيرات الدولية، التي تدعو الى التكاتف وتقديم التنازلات من كل الاطراف، والالتقاء في منتصف الطريق لمواجهة الزلزال الاتي الى المنطقة، والذي يعمل على تغيير خريطتها، فنصحو على فراغ هو اشبه بلعب الاطفال.
لقد غرقوا بين المواقف المتصلبة بدل ان يعملوا كل من جانبه لانهاء هذا الوضع الشاذ، واسترداد كرامة المجلس النيابي وكرامة لبنان، وخصوصاً سمعتهم في الداخل وفي الخارج، وقد اصبحت على كل شفة ولسان. يقولون انهم كانوا يقاتلون من اجل اصلاحات يريدون تضمينها قانون الانتخاب، ولكن هل من المعقول ان تأتي الاصلاحات ممن هم بحاجة الى اصلاح؟ في كل يوم شروط جديدة، قد يكون مقدمها يعرف سلفاً انها غير مقبولة ولن تحظى بالموافقة، ومع ذلك كان يقدم عليها ويقاتل من اجلها، حتى بات لدينا شك بانه انما يفعل ذلك، من اجل تقطيع الوقت والدخول في الفراغ، ثم العبور الى قانون الستين. ولكن وبما انه لا يصح الا الصحيح تغلب الخير في اخر لحظة، ورغماً عن السياسيين وابصر القانون النور. والسيء في الامر هو التمديد احد عشر شهراً ولو اتفقوا منذ البداية لما كنا بحاجة الى تحمل هؤلاء اشهراً اضافية ولكانت الانتخابات تمت في موعدها.
الوعود كثيرة والتصريحات اكثر وكلها مغلفة بالعفة المزيفة، فهي اشبه بالقبور المكلسة. هذا يقول انه تنازل لمصلحة الوطن، وذاك يقول انه قدم المزيد لتسهيل اقرار القانون. وفي الحقيقة الكل عملوا لعدم صدور هذا القانون، والا لماذا بقي حتى الساعات الاخيرة يجرجر دون ان يبصر النور؟
قيل ان الاجتماع الليلي الطويل جداً في بيت الوسط سينتهي بالحسم، وانهم سيضعون مسودة قانون الانتخاب النهائية. بالطبع نحن لم نصدق لانهم عودونا على الا نصدقهم. ومع ذلك انتظرنا النتائج وانبلج الصباح وظهرت الحقيقة المرة، لقد عادوا الى نقطة البداية، الا ان الضغوط التي مورست عليهم اجبرتهم على الرضوخ.
عيب على الرجال عندما لا يحترمون كلامهم ووعودهم وتعهداتهم ومسؤولياتهم تجاه الشعب. لقد اجروا حساباتهم بعد الاتفاق على الخمس عشرة دائرة وعلى النسبية. وبعد عمليات طرح وضرب وجمع وقسمة تبين للبعض انهم سيخسرون بهذا القانون، فعادوا يعرقلون اقراره. ولما وجدوا انفسهم مضطرين، وافقوا على مضض وسط خلافات لم تنته فصولاً. مجلس الوزراء اقر القانون ولكن خلافاتهم باقية.
وما يدعو الى العجب ان كل هذا جرى والشعب لم يحرك ساكناً، وكنا ننتظر ان يهب دفعة واحدة فيغطي الشوارع ويسد طرقات السياسيين وابوابهم، ويحجزهم في منازلهم، فلا يخرجون منها الا وقد ولد القانون. ولكن يبدو ان هذا الشعب هو من طينة هؤلاء السياسيين والامل مفقود وعلى الدنيا السلام.

«الاسبوع العربي»

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً

إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق