افتتاحية

من مجلس الامن الى لبنان… هل من اعجوبة؟

كان لافتاً التصريح الذي ادلى به الامين العام للامم المتحدة انطونيو غوتيريش حول مجلس الامن ودوره المعطل. يقول: «ان مجلس الامن عاجز عن حل النزاعات الدولية بسبب الفيتوات الصادرة عن هذا الطرف او ذاك». فروسيا في الفترة الاخيرة استخدمت الفيتو ثماني مرات، ومنعت الوصول الى حل في سوريا، فبقي الشعب السوري المغلوب على امره ينزف، خدمة لمصالح بوتين الاقليمية. والصين استخدمت هذا الفيتو اللعين ست مرات في الموضوع السوري عينه، فصعبت المحادثات وسدت طريق السلام.
من اوجد هذا الفيتو، وما هو الهدف منه؟
ان الالاعيب السياسية والمصالح الخاصة تبتكر دائماً المخارج، لتتفلت من القوانين وتحقق غايتها، وكان الفيتو ثمرة هذه السياسة. فهو يعطل قانون الاكثرية ويصبح رأي الفرد الواحد او الجهة الواحدة هو السائد على باقي الاجماع؟ هل هذا يجوز؟
في السابق استخدمت الولايات المتحدة الفيتو مرات عدة لتعطيل السلام في الشرق الاوسط خدمة لاسرائيل، فبقيت المنطقة ولا تزال تنزف منذ عشرات السنين. لقد ساهم الفيتو الاميركي المتكرر، على غرار الفيتو الروسي في سوريا، في حرمان شعوب المنطقة من التنعم بالامان، فلماذا لا تجتمع الدول الكبرى وتصحح هذا الخطأ الذي ارتكبته بحق الشعوب المغلوبة على امرها، وبحق العالم كله، الذي يبقى في ظل الفيتو مرهوناً لارادة جهة واحدة، همها خدمة مصالحها، ولو على حساب مصالح الجميع. لماذا لا تجتمع الامم المتحدة وتعيذ النظر في قانون مجلس الامن الدولي فتلغي الفيتو نهائياً، ليتساوى الكل امام القانون، فلا يكون هناك امتياز لاحد على حساب احد؟
ان مجلس الامن كما يقول غوتيريش غير قادر اليوم على حل اي ازمة ما لم تتفق الاطراف المعنية على طريقة حل هذه الازمة، وطالما ان الاتفاق متعذر في معظم الاحيان بين الدول، نظراً لتعارض المصالح وتضاربها، يبقى العالم يعيش في الفوضى، وتبقى الازمات معلقة الى ما لا نهاية.
وضع مجلس الامن في العمق يشبه الى حد بعيد الوضع في لبنان الذي هو صورة مصغرة عن المؤسسة الدولية. فالفيتوات وتضارب المصالح عطلت اقرار قانون انتخاب جديد، اصبح اكثر من ضروري من اجل مستقبل البلد ومصيره كله. والغريب ان العالم بأسره حريص على لبنان اكثر من اهله، فهو يحذر من التمادي في الخلافات وعدم اقرار قانون انتخاب، ووحدهم النواب والسياسيون يتلهون بامورهم الشخصية بعيداً عن مصلحة البلاد والشعب.
وصلنا اليوم الى مرحلة النهاية، ولم يعد امام الاطراف سوى خيار الاتفاق على قانون انتخاب جديد، لاننا بدأنا ندخل في المحظور. الاجواء ايجابية. وهي حقيقية هذه المرة كما يقولون، وليست مجرد تصاريح لالهاء الناس وقطع الطريق على الحراك الشعبي كما عودونا دائماً. فهل تصل الجهود المبذولة الى النهاية السعيدة؟ اننا لم نعد نثق بهؤلاء السياسيين حتى نلمس لمس اليد.
اللجنة الوزارية المكلفة درس قانون انتخاب اجتمعت، وكان اجتماعها بلا نتيجة ظاهرة. ولكن الرئيس الحريري اراد من خلال هذا الاجتماع اظهار ديناميكية في مناقشة القانون، بعد الجمود الذي اصاب المحادثات. لقد انقضت مهلة الشهر التي حددها رئيس الجمهورية بتجميد عمل المجلس النيابي، ولم يتم خلالها اي نشاط جدي يوحي بان الامور تسير نحو الحل. لقد كان الجميع يراهنون ولا يزالون على تمرير المهلة، للوصول ولو بالاكراه الى قانون الستين، وهو هدف الاكثرية الساحقة من السياسيين الذين يرون فيه خلاصهم، بعدما قطعوا الامل من التمديد، الا اذا استيقظ الشعب واراد خلاف ذلك، فيرد عليهم في صناديق الاقتراع، ويبعدهم عن المجلس النيابي، المؤسسة التي تتولى مصالح كل اللبنانيين. لم تناقش اي صيغة في اجتماع اللجنة الوزارية، بل كان الحوار عمومياً لماذا؟ هل من باب عدم الجدية في التحرك، ام ان الخلافات العاصفة بين الاطراف لا تزال تسد طريق الحل؟
الايام تمر، الجميع باتوا يتهيبون الموقف، وكل طرف يحاول التنصل من المسؤولية ويلقيها على غيره، ولكن فاتهم انهم جميعاً مسؤولون والعواقب الوخيمة في حال عدم اقرار قانون جديد للانتخاب، ستطاولهم كلهم دون استثناء. ان كثرة اللغط تجعل من المستحيل التكهن باي قانون سيمشون، هل هي النسبية؟ هل هو التأهيل؟ هل هو المختلط؟ هل هو الاكثري؟ لم نعد نعرف. يتحدثون عن انجاز 95 بالمئة من القانون، وهي نسبة تم التوافق حولها كما يقولون. فهل من المعقول ان تعطل الخمسة بالمئة الباقية القانون، فتحول دون الوصول الى حل ينقذ البلاد من الغرق في المجهول، من نصدق، بمن نثق؟ الكل يكذب على الكل والنتيجة صفر.
فيتوات مجلس الامن عطلت السلام في العالم، وفيتوات السياسيين اللبنانيين سدت طريق الدولة والبلاد، فهل من اعجوبة توصل الى حل المعضلتين؟

«الاسبوع العربي»

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً

إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق