افتتاحية

عسى الا نبكي على مُلك ضائع…

اخيراً حسم الجدل واستبعد التمديد الثالث للمجلس النيابي، فتنفس المواطنون الصعداء، وتوقفت التكهنات وخابت امال الذين ظلوا حتى الساعة الاخيرة يعللون النفس بالبقاء في اماكنهم. ففي الجلسة التي عقدت يوم الخمس الماضي، بعد انقطاع دام ثلاثة اسابيع، اتخذ مجلس الوزراء قراراً بدفن التمديد. صحيح انه كان يفترض مناقشة واقرار قانون جديد للانتخابات في تلك الجلسة، وقد ادرج بنداً اول على جدول الاعمال، الا ان الخيبة التي ترافق السياسيين بقيت هي المسيطرة. صحيح ان هذه الجلسة لم تثمر، وعلى كل حال لم يكن احد يتوقع ان تنتهي بنتيجة حاسمة، الا انها حققت انجازاً هو دفن التمديد ووضعت مسماراً في نعش قانون الستين، عندما لوح رئيس الجمهورية بالتصويت.
لماذا هذا الخوف من التصويت؟ انه قرار قانوني دستوري لا غبار عليه، حتى وان حمل البعض لواء التوافق. نعم الشعب يريد التوافق ولا يريد ان يقصي احداً او ينتقص من حق احد، ولكن اذا تعذر التوافق، وقد تعذر فعلاً بعد اشهر طويلة من المناقشات والاجتماعات، فما العمل؟ ان المشرعين الذين وضعوا قانون الاكثرية والاقلية، لم يلجأوا اليه عن عبث، بل لأن الامور عندما تصل الى درجة يصعب الوفاق معها، لا بل يستحيل، يصبح من الواجب احترام رأي الاكثرية، لكي لا تبقى الامور مرهونة بمزاجية او بمصلحة اقلية تبحث عن تأمين مكاسبها الخاصة، بعيداً عن مصلحة البلد والشعب.
وهذا الحل يحمل في طياته كل معاني الحق والصواب. ان عائلة مؤلفة من بضعة اشخاص يصعب في احيان كثيرة ان تجتمع على رأي واحد، ويدب الخلاف بين افرادها حتى يتدخل الاب والام ويحسمان القضية، وفقاً لما تميل اليه اكثرية العائلة، فان كان الامر كذلك في البيت الواحد، فكيف يمكن ان نوفق بين 128 نائباً لكل منهم رأيه الذي يخدم مصلحته، وهكذا يصبح من الواجب حسم الموضوع، اي موضوع، بالطرق القانونية والدستورية وهي اللجوء الى التصويت. ان من يعارض هذا الحل ويحاربه انما يكون يتجنى على البلد كله. فرئيس الجمهورية لا يكون مخطئاً اذا لجأ الى التصويت لانه في هذه الحالة التي نتخبط بها لم يعد امامنا الا هذا الحل.
بعد كل جلسة لمجلس الوزراء تفشل في انتاج قانون جديد للانتخابات، تكثر تصريحات السياسيين وتتغنى بالايجابيات، واي ايجابيات، وتعلل نفوس الناس بان الحل بات على الابواب وان القانون المنتظر سيبصر النور، ولكن هذه التصريحات ليست اكثر من مخدرات لالهاء الناس وابعادها عن الشارع والاحتجاج. ومن يستمع الى الاحاديث السياسية على شاشات التلفزة يتملكه القرف والغضب في آن. فتكاد لا تسمع سياسياً يتحدث بالمصلحة الوطنية ويقدم التنازلات من اجل تسهيل الحل، والوصول بالبلاد الى شاطىء الامان، بل ترى هذا السياسي يهاجم ذاك، والعكس بالعكس، وتفوح من احاديثهم رائحة الحقد والكراهية بعيداً عن المصلحة الوطنية. وبعد ذلك يقولون بالتوافق الذي اعطي اكثر مما يستحق ليتحقق، ولكن التباعد بقي سيد الموقف، فاساءوا بذلك الى لبنان وسمعته في الخارج، وهم بذلك ينفرون السياح من المجيء الى لبنان.
التصريحات السياسية التي تتغنى بالايجابية، وهي حتماً مفقودة، هدفها واحد وهو قطع الطريق على التحرك الشعبي الذي اصبح على وشك الانطلاق، في حال لم يتم الوصول الى قانون انتخاب جديد.
اذاً ما هو الحل؟
اذا تركنا التصويت جانباً، نصبح بين امرين، بعد قرار مجلس الوزراء بنعي التمديد: اما الفراغ وهذا امر مرفوض من الجميع، حتى من الدول الكبرى والامم المتحدة، واما اجراء انتخابات على اساس قانون الستين الذي لا يزال ساري المفعول، لانه لم يصدر قانون جديد يلغيه. وهنا نسأل ما سيكون موقف الناس؟
ان التظاهر والنزول الى الشارع لا يعودان ينفعان، ويصبح الحل في يد الشعب وقد كررنا ذلك مراراً، فلينزل الى صناديق الاقتراع ويصوت لوجوه جديدة تتمتع بالكفاءة والنزاهة، فيلقن هؤلاء السياسيين درساً لن ينسوه ابداً.
اخيراً نقول لكم كفوا عن المطالبة بالتوافق لانه مستحيل. بدا ذلك من خلال عمل دؤوب استمر اشهراً. ان التصويت عملية ديمقراطية مئة بالمئة، ولكن السياسيين يضعون اصبعهم في كل شيء ليحولوه الى ما يخدم مصلحتهم، حتى الديمقراطية يفسرونها على ذوقهم ويصفونها بالديمقراطية التوافقية، مع العلم ان مضمون اللفظتين مختلف. الديمقراطية تعني حرية الرأي والاخذ برأي الاكثرية، فيما التوافق يلغي الديمقراطية الصحيحة ويفرض تنازلات تخالف حرية الرأي احياناً حتى يتحقق. ان كل هذا يحصل والعالم يراقب ويهزأ من تصرفات سياسيينا الصبيانية، وقلة مراعاتهم للمصلحة الوطنية، التي يوشكون ان يضيعوا كل شيء. انهم اشبه بالطفل الذي يملك لعبة جميلة، فيضربها بالحائط حتى تتكسر ثم يبكي على فقدانها. فعسى الا يبكي سياسيونا على ضياع لبنان ويصح فيهم القول المأثور
ابك مثل النساء ملكاً مضاعاً            لم تحافظ عليه مثل الرجال.

«الاسبوع العربي»

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً

إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق