افتتاحية

الاسئلة كثيرة والجواب واحد… قانون الستين

لم يبق سوى ايام على نهاية مهلة الشهر التي جمد فيها رئيس الجمهورية العماد ميشال عون عمل مجلس النواب وفقاً للدستور، افساحاً في المجال امام النواب للاتفاق على قانون انتخاب جديد، ولكن حتى الساعة لم يتحقق شيء يبشر بقرب وضع القانون الذي ينتظره الشعب منذ سنوات طويلة، بسبب الدلع السياسي وتغليب المصلحة الشخصية على مصلحة البلد والشعب، لقد بدأت المسافة الزمنية تضيق اكثر فاكثر، ولاح بشكل بارز واحد من الممنوعات الثلاثة، التمديد وقانون الستين والفراغ، والتي قال الرئيس عون قبل ايام لا يحلم احد بأحدها.
غير ان الملفت في الامر ان الرئيس عون، بعد ايام قليلة على تحديد الممنوعات، ادلى بتصريح ثانٍ استبعد فيه نهائياً التمديد والفراغ، ولم يأت على ذكر الستين. وكان قد سبقه الى ذلك البطريرك الماروني بشاره الراعي الذي لم يرفض قانون الستين واعتبره ابغض الحلال. هذه التصريحات انعشت امال اللاهثين وراء قانون الستين لانه يؤمن مصلحتهم، وهم منذ اللحظة الاولى استماتوا في التهليل والتطبيل له، فهل بتنا فعلاً على ابواب السير بالستين واجراء الانتخابات على اساسه؟
قانون الستين سيء للغاية، وهو مرفوض من الاكثرية الساحقة من الشعب اللبناني، لانه يؤمن للطبقة السياسية الفاسدة البقاء في اماكنها، جاثمة على صدر المواطنين، وهذه المرة ليس بالتمديد، بل بالانتخاب، اي ان وجودهم يصبح شرعياً. فكيف السبيل الى منع هذه النتيجة؟ ان الحل  بسيط للغاية وهو يتمثل في الوعي الشعبي. فلو كان الشعب يرفض حقاً هذه الطبقة السياسية، وهذا القانون، فما عليه الا ان ينتقم لنفسه، ويذهب الى صناديق الاقتراع ويقترع لصالح شباب نظيف، مثقف يبعد مصلحته الشخصية عن المصلحة العامة. فلو قام الشعب بهذه الخطوة لحقق التغيير وانطلق في مسيرة الاصلاح الحقيقي. واذا لم يفعل لا يعود من حقه ان يشتكي ويتظلم لانه يكون قد سد طريق الاصلاح بيديه.
الامال بقانون جديد تضاءلت، حتى انها لم تعد واردة لدى الكثيرين. ويبدو ذلك واضحاً من خلال المحادثات والسجالات، ومشاريع القوانين التي رفضت كلها، لان ما يناسب الواحد، لا يخدم مصلحة الاخر، والحس الوطني مفقود. ان كل ذلك ما هو الا جزء من مؤامرة السير بقانون الستين، الذي فتح الباب امامه البطريرك الراعي الذي احدث تصريحه ضجة كبرى، لانه يتناقض مع تصاريح سابقة صادرة عنه، وكلها ترفض التمديد او العودة الى قانون الستين، فضلاً عن ان هذا الموقف المستجد لا يخدم الجهود التي تبذل من اطراف وطنية، لوضع قانون عصري جديد يراعي صحة التمثيل.
كثرت التصاريح في هذا المجال وتناقض بعضها مع بعض،ولم نلمس تصريحاً واحداً يراعي المصلحة الوطنية. ولا يزال هؤلاء العباقرة يطلقون الافكار والاراء، وكل واحد بما يخدم مصلحته هو. مثلاً طرح احد السياسيين اللجوء الى تمديد تقني، على ان يسبقه تعهد خطي بالوصول الى قانون انتخاب، خلال الفترة الممدة. وهذا الطرح مردود اصلاً. فالذين امضوا سنوات هي سنوات ضائعة، لم يتوصلوا خلالها الى الاتفاق على قانون انتخابي جديد، فهل من المعقول ان يهبط الوحي عليهم، فيتطلعوا الى المصلحة الوطنية العليا ويراعوها، ويتنازلوا عن انانياتهم ومصالحهم الشخصية، ويتفقوا على قانون مقبول؟ الدلائل لا توحي بذلك مطلقاً. ولذلك فان التوصل الى حل للمعضلة ليس وارداً على ايدي هؤلاء الذين يمسكون بالبلد وبالشعب، يسخرونهما لمصالحهم الخاصة، بعيداً عن اي حس بالمسؤولية. هؤلاء يرفضهم الشعب على حد قوله، فهل يتحرك وهو قادر اذا اراد فيحدث التغيير؟
لا بد من طرح السؤال الجوهري، هل ان هذه المماطلة هي لتمرير الوقت واجراء انتخابات على اساس قانون الستين؟ نعم! وهذا هو الواضح من كل هذه التحركات. ولكن هل فكر هؤلاء بردة الفعل الشعبية، اذا صدقت الاقوال؟ واي قوة تستطيع كبح جماح هبة شعبية ضد الخطأ. ان عودة هذه الطبقة السياسية هي اغتصاب لارادة الشعب، فهل يعي المواطنون ذلك؟ طبعاً لقد فكر السياسيون في كل هذه الامور، ولكنهم يعتمدون على ضعف موقف الحراك الشعبي، الذي عودهم على التخاذل. فقد اعتاد ان ينتفض لساعات ويزرع الامل في القلوب، ثم لا يلبث ان يعود الى سباته العميق، فتخلو الساحة للمتربعين على الكراسي لتمرير سياساتهم وصفقاتهم وفسادهم الذي وصفته المراجع الدولية بانه في قمة الفساد، وليس هناك من يحاسب.
ورغم الحجة غير المقنعة التي قدمها الرئيس الحريري، الناس تسأل لماذا غاب مجلس الوزراء ثلاثة اسابيع دون ان يجتمع والبلد يمر في احرج الاوقات وهو في امس الحاجة لحل مشكلة قانون الانتخاب، اليس ذلك من باب تمرير الوقت؟ ماذا عن مشاريع القوانين التي تحدث عنها الاعلام، ونسبوها الى الرئيسين بري والحريري ووصفت بانها الحل؟ لقد سقطت كل الحلول لانها لا تناسب الزعماء الذين يريد كل واحد منهم قانوناً مفصلاً على قياسه. ايام وتدق ساعة الحقيقة فكيف سيتصرف المسؤولون؟
وكيف سيتصرف الشعب؟ وهل يعيد هذه الطبقة السياسية اياها الى التربع على صدره حتى تكاد تقطع انفاسه؟ ان بلد العجائب بات بحاجة الى عجيبة تنقذه من براثن جلاديه ويا ليته كان زمن عجائب. هناك مشاريع قوانين قريبة من الواقع فلماذا لا يعتمدون التصويت على واحد منها وهو اسلوب ديمقراطي وتنتهي المشكلة؟ الاسئلة كثيرة والجواب واحد: انه قانون الستين.

«الاسبوع العربي»

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً

إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق