ثمانيني في مرحلة الشباب
باستطاعتي القول، ان رحيل البروفسور الدكتور فكتور الكك، خسارة كبيرة للفكر والتعليم والصحافة.. وهو الذي واظب على العمل الكتابي حتى الرمق الاخير من حياته، إذ ان هذا الثمانيني (1937 – 2017) لم يعرف الاستكانة، ولم يعترف بسن التقاعد، وكأن عمره توقف عند مرحلة الشباب، وذلك كما قال عنه ذات يوم، البروفسور والمفكر الأب سليم دكاش (رئيس جامعة القديس يوسف).
من هنا، فهو صاحب تجربة رائدة وطويلة.. تجربة أكاديمية وأدبية وفلسفية ولغوية وعلمية وصحافية.. وحامل ثلاث شهادات دكتوراه، ويتقن اكثر من عشر لغات، ما بين جديدة وقديمة.. وله ما يزيد عن عشرين مؤلفاً، في مجالات مختلفة، في الأدب والفلسفة واللغة والحضارة وعلم السياسة، عدا البحوث والدراسات في مجالات جامعية وعلمية بالعربية والفرنسية والفارسية والانكليزية، كما ترجم مجموعة من الكتب والدراسات عن هذه اللغات باللغة العربية، ونقل الى الفرنسية والفارسية آثاراً أدبية عربية.
اختار فكتور الكك رسالة التعليم، من أجل أن يساهم في مسيرة التطور، سواء تطور الانسان او المجتمع ككل، لانها الافعل في نقل الحياة من ضفة الى اخرى، مؤمناً بأن التعليم حق لكل الناس، كالماء والهواء والطعام – على حدّ قول الدكتور طه حسين – وكان المعلّم الاستثنائي، وقاهر الجهل والأمية.. وهو لم يتوقف عند حدود التعليم في كبريات الجامعات اللبنانية والعالمية، بل تعداه الى ميادين اخرى – كما سبق وذكرت – وفي مقدمتها ميدان الكتابة.
وقد وظف فكتور الكك الثروة المعرفية التي كان يختزنها، بغية تحقيق الاهداف التي يؤمن بها، وصولاً الى التقريب بين الأضداد، والى احلال ثقافة السلام بين الأديان والثقافات والحضارات، والتقارب بين الشعوب والأوطان.
لقد تسنى لي معرفة فكتور الكك على حقيقته، سواء كرجل علم متنوّر ومميّز، أو كصديق صدوق، جمعتنا الأيام على دروب الحياة والثقافة، في أكثر من مكان وزمان، انطلاقاً من بيروت وصولاً الى طهران، مروراً بالقاهرة وبغداد ودمشق والكويت.. وبقيت الذكريات الجميلة كناقوس يدّق في عالم النسيان.
اسكندر داغر