صنعاء على حافة الانفجار: الحوثيون يحاصرون العاصمة، ووفد رئاسي يتفاوض مع صعدة

يعتقد محللون ان محل صنع القرار في الازمة اليمنية الراهنة تحول الى صعدة، العاصمة الرسمية للتيار الحوثي. ويعتقدون ايضاً ان العاصمة صنعاء، اصبحت محاصرة، و«على حافة الانفجار» على ارضية الشد المتواصل بين القوى الحوثية التي تحاصرها، وبين عناصر الدولة التي ترفض الواقع، لكنها غير قادرة على تغييره دون شلال دم. ودون خسائر سياسية واقتصادية وبشرية، من شأنها ان تطوي صفحة الحوار، وان تعيد الملف الى الخلف كثيراً.
التحليلات تتوقف عند خلفيات الازمة، اكثر من تفاصيلها. فالحالة اكثر من عملية تمرد ينفذها يمنيون يحتجون على غلاء اسعار، او مطالبة باقالة حكومة، وابعد من مطالبة بحقوق منقوصة على خلفية نزاع طائفي. وانما محاولة لرسم جغرافيا جديدة، وتنفيذ مشروع سياسي بامتدادات خارجية، قد تشكل جزءاً من تصورات لمستقبل تلك البلاد، ويتعداها الى منظومة المنطقة ككل.
باختصار، هناك من يقرأ التطورات من زاوية مشروع ايراني يثور جدل حول ما اذا كان الوقت مناسباً لاطلاقه. فالقراءات تتقاطع في هذه الزاوية، بين من يرى ان الجانب الايراني اصبح يمتلك الكثير من الاوراق الرابحة، والتي يمكن ان يوظفها في خدمة مشروعه الرامي الى اقامة جيب شيعي في تلك البقعة من العالم، ومن يعتقد ان الدول الضامنة للحوار اليمني لن تسمح بمثل هذا المشروع راهناً.
رؤية متشائمة
وبين مد وجزر، يبدو ان الرهان ما زال قائماً حول كم من المعطيات التي تجعل بعض الدول الغربية الضامنة للحوار اليمني على تقاطعات مصلحية مع الجانب الايراني، الامر الذي يدفع بالشكوك الى صدارة المشهد اليمني باطاره العام.
هذه الرؤية المتشائمة، تستند الى بعض مفردات الواقع، حيث بدا التيار الحوثي اكثر قوة، واندفاعاً. وادار مواجهات وسعت حدود نفوذه الى اكثر من الضعف، والى ابعد من كل ما كان يحلم به، وقراءات تشير الى ان تلك الحدود الجديدة ستكون محور الدولة الائتلافية، التي ستتشكل على ارضية وثيقة الحوار. والتي قد تتحول في مرحلة ما الى دولة حوثية، في خاصرة المنطقة التي اداروا مواجهات عديدة من اجل تكريسها. والتي تعززالتفاصيل الجارية راهناً فرضياتها.
فبينما تخضع العاصمة صنعاء الى حصار حقيقي من قبل اعضاء التيار الحوثي ممن يطلق عليهم جماعة «انصار الله»، طالب عبد الملك الحوثي الزعيم الروحي للتيار، باستقالة الحكومة، مبرراً مطلبه بارتفاع أسعار الوقود. في وقت أكد فيه الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي الاستعداد لمواجهة الموقف، مشيداً بالقبائل التي قال إنها تمثل طوقاً أمنياً حول العاصمة. لكنه تمسك بالحوار، وارسل وفداً الى معقل الحوثيين في مدينة صعدة. فقد توافد الالاف من ابناء القبائل الحوثية الى العاصمة صنعاء وقاموا بنصب الخيام على مداخل المدينة، وفي ساحة التغيير التي كانت مقرا للثورة اليمنية ضد الرئيس السابق علي عبدالله صالح. ورفعت شعارات تطالب باسقاط الحكومة، والتراجع عن رفع اسعار المشتقات النفطية.
انذار للحكومة
ووجهت قيادات الجماعة الحوثية «انذاراً اخيراً» للحكومة من اجل تنفيذ المطالب، لكنها لم تفعل شيئاً بعد انقضاء المهلة يوم الجمعة الفائت.
وعززت تحركات الحوثيين المخاوف من سعيهم إلى توسيع رقعة نفوذهم إلى صنعاء بعدما نجحوا في السيطرة على مناطق شمالية عدة، وفي تحقيق تقدم على حساب آل الأحمر زعماء قبائل حاشد، وعلى التجمع اليمني للإصلاح، وهو حزب إسلامي سني مقرب من الإخوان المسلمين.
وكان عشرة سفراء معتمدين في اليمن ارسلوا رسالة إلى زعيم الحوثيين، عبد الملك الحوثي، وحملت الرسالة تواقيع رئيس بعثة مجلس التعاون الخليجي وسفراء الكويت وعُمان وفرنسا وبريطانيا وروسيا والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة والسعودية والإمارات والصين، دعوه فيها إلى الالتزام بالمبادرة الخليجية وخريطة الطريق المتفق عليها.
وأكد السفراء دعم بلادهم للرئيس اليمني، وتوجهوا إلى الحوثي بالقول: «ندعوكم إلى احترام القانون وحفظ النظام، ولن تُقبل أية أفعال تهدف إلى التحريض أو إثارة الاضطرابات والعنف، وسوف تتم إدانتها بشدة من قبل المجتمع الدولي. وأعاد السفراء التذكير كذلك بدعوة مجلس الأمن الصادرة بتاريخ 11 تموز (يوليو) التي تطالب الحوثيين بالانسحاب والتخلي عن المناطق التي تم الاستيلاء عليها عن طريق القوة وتسليم السلاح والذخيرة المسلوبة من المنشآت العسكرية إلى سلطات الدولة».
وسرعان ما جاء الرد على الرسالة الدولية بتصريح لمحمد عبدالسلام، الناطق باسم الحوثيين، اتهم فيها الدول العشر بأنها «تعترض طريق الشعب، ولم تستفد من الدروس الماضية»، معتبراً أن تلك الدولة «صادرت ثورة فبراير 2011 وفرضت حكومة على الشعب».
ورفض عبد السلام دعوة السفراء لجماعته للانسحاب من المناطق التي سيطرت عليها بالقوة قائلاً إن الحوثيين طردوا منها من وصفهم بـ «داعش والقاعدة» على حد قوله، متهماً الموقعين على البيان الدولي بـ «التآمر» عبر توجيه الرسالة إلى عبد الملك الحوثي، بهدف إحداث فصل بينه وبين «الشعب اليمني»، على حد تعبيره.
حصار ومتاريس وخنادق
من جهتها، وصفت اللجنة الأمنية العليا الحصار المضروب من قبل الحوثيين حول العاصمة بالقول إن «مجاميع من جماعة الحوثي المسلحة قامت بالتواجد المكثف وبأسلحتها المختلفة في منطقة المساجد غرب العاصمة صنعاء، ومنطقة حزيز جنوب العاصمة ومنطقة الرحبة جوار مطار صنعاء ومناطق أخرى، محدثة فزعاً وخوفاً في نفوس المواطنين ومرتادي الطريق، وقامت بنصب العديد من الخيام على جانبي الطريق، واستحدثت نقاطاً للتفتيش على مداخل العاصمة وفي العديد من المواقع».
وقالت اللجنة أن وحدات مسلحة من جماعة الحوثي «اعتلت المرتفعات الواقعة على جانبي الطريق، واقامت المتاريس والخنادق».
وشكل هادي وفداً رئاسياً لزيارة صعدة، والتباحث مع القيادات الحوثية من اجل انهاء الازمة. الا ان الوفد اعلن فشل مهمته. مطلقاً العنان لسباقات تظاهر، وعمليات تحشيد واسعة النطاق.
وبينما أعلن الوفد فشل المفاوضات مع الحوثيين لإنهاء الأزمة الحالية، قال إنهم ربما يبيتون للحرب، في حين تتأهب صنعاء لمظاهرات مؤيدة للحوثيين ومناهضة لهم.
وقال عبد الملك المخلافي المتحدث باسم اللجنة الوطنية الرئاسية المكلفة بالتفاوض مع جماعة الحوثي إن المفاوضات مع زعيم جماعة الحوثي عبد الملك الحوثي في صعدة شمالي البلاد فشلت. وأضاف أن قيادة الجماعة الحوثية رفضت التوقيع على مسودة الاتفاق الشامل للخروج من الأزمة التي بدأت مع احتشاد الحوثيين عند مداخل صنعاء للمطالبة باستقالة الحكومة الحالية التي يرأسها محمد سالم باسندوة. وقال المخلافي «يبدو أن الحوثيين مبيتون للحرب ورفضوا كل المقترحات التي قدمت إليهم».
مسودة اتفاق
وتتضمن مسودة الاتفاق التي نقلها الوفد الرئاسي إلى صعدة إجراء تغيير حكومي، واعتماد إصلاحات اقتصادية للتخفيف من آثار زيادة أسعار الوقود. ولم يتضمن الاتفاق جدولاً زمنياً لنزع السلاح الثقيل من جماعة الحوثي.
ويطالب الحوثيون باستقالة الحكومة التي يقولون إنها ليست قادرة على إجراء إصلاحات اقتصادية، كما يطالبون بإلغاء قرار الزيادة في أسعار الوقود. بينما يثير الفشل المحتمل للمفاوضات مخاوف من اندلاع مواجهات عسكرية بين المحتشدين من التيار الحوثي، والجيش اليمني.
من جهته، عقد الرئيس عبد ربه منصور هادي اجتماعاً استثنائياً مع كبار المسؤولين أدان خلاله ما وصفه بـ «التصرفات الخارجة عن النظام والقانون والمتمردة على مخرجات الحوار الوطني الشامل من قبل جماعة الحوثي». ودعا هادي إلى «لقاء وطني عاجل» يضم كل الفعاليات الحزبية والسياسية والأهلية في صنعاء «من أجل تدارس الأوضاع الطارئة»، مؤكداً أن الحكومة ستتخذ «إجراءات حازمة وقانونية وفقاً لما يستجد». وقبل ذلك استنفر هادي قادة القبائل في صنعاء ومحيطها في اجتماع له معهم، وتوجّه إليهم بالقول إنهم «يمثلون الطوق الأمني للعاصمة صنعاء عاصمة دولة الوحدة اليمنية»، في إشارة إلى دور مرتقب للقبائل بالدفاع عن العاصمة في حال تعرّضها لهجوم.
وفي الاثناء، دعا الرئيس عبد ربه منصور هادي الى رفع حالة «الاستعداد واليقظة العالية» في صفوف القوات المسلحة «لمواجهةجميع الاحتمالات». وفي المقابل توعد الحوثي بعدم السكوت إذا هاجمت القوات المسلحة المتظاهرين. ولكنه توجه إلى رئيس الجمهورية ووزير الدفاع مناشداً «الا ينزلقوا للعدوان على الناس والمحتجين والمتظاهرين».
مغادرة صنعاء
الى ذلك، بدأت مئات العائلات اليمنية مغادرة صنعاء باتجاه مدن ومحافظات أخرى خشية تحول العاصمة إلى ساحة مواجهات مع تواصل زحف المسلحين الحوثيين الذين طوقوا مداخل صنعاء من جميع الاتجاهات.وجاء هذا النزوح العكسي في وقت دعت فيه بلدان غربية رعاياها إلى مغادرة اليمن بصورة فورية.
وتوقعت مصادر أمنية وحزبية أن يرتفع منسوب المغادرين للعاصمة مع استمرار التصعيد الذي تقوم به جماعة الحوثي عبر مسارين متوازيين، أحدهما يقوم على تضييق الخناق على العاصمة عبر زحف العناصر المسلحة من جميع الاتجاهات، والثاني يتمثل بتصعيد المسيرات والتظاهرات التي تتواصل منذ يوم الاثنين وتطالب بإسقاط الحكومة، وإلغاء قرار رفع الدعم عن المشتقات النفطية.
وما ضاعف من حالة القلق لدى اليمنيين، خصوصاً سكان العاصمة، من وقوع مواجهات مسلحة وشيكة هو الخطاب الناري الذي وجهه زعيم الجماعة الشيعية، عبد الملك الحوثي، الذي هدد فيه القيادة اليمنية من اللجوء إلى وسائل أخرى إذا لم تستجب للتظاهرات، وإعطى السلطات مهلة زمنية تنتهي الجمعة لتنفيذ تلك المطالب التي يهتف بها أنصاره في مسيراتهم. وكانت الخارجية البريطانية أصدرت بياناً دعت فيه رعاياها إلى مغادرة اليمن فوراً بسبب ما اعتبرته ارتفاع مستوى التهديدات الأمنية، ورجحت مصادر مطلعة أن تحذو بلدان غربية أخرى حذو بريطانيا بإصدار تحذيرات لرعاياها خلال الساعات القليلة المقبلة.
ا. ح