افتتاحية

راعوا مصلحة الوطن فالتهديد لن يوصل الى اي مكان

قانون الانتخاب استحقاق مهم في حياة الوطن، لانه يرسم الخريطة السياسية ويحدد اطرها، ويؤشر الى رقيها. وفي هذا الاستحقاق يفترض ان تحترم الارادة الشعبية التي تختار بمعزل عن اي عوامل اخرى ممثليها الذين تأتمنهم على حاجاتها ومصيرها ومستقبلها. لكن الانتخابات في لبنان، وبالتحديد القانون الذي يحدد معالم الطريق، تحول الى كباش سياسي، ويكاد يتحول الى مواجهات حادة تهدد مستقبل الحياة الديمقراطية.
مشاريع قوانين متعددة طرحت على بساط البحث من الاكثري الى المختلط باشكال متعددة، الى النسبية، وكلها سقطت لان المصالح السياسية كانت اقوى من كل المحاولات. ذلك ان في لبنان سياسيين يقولون بغير ما يضمرون، ويكذبون على بعضهم البعض وعلى الناس الذين وثقوا بهم واختاروهم، فاذا بهم يظهرون انهم ليسوا اهلاً للثقة. يقولون انهم مع المصلحة العامة، وانهم يحترمون الدستور واتفاق الطائف، الى اخر المعزوفة، ولكنهم في الحقيقة يعملون من اجل مصلحتهم الشخصية بعيداً عن اي هدف اخر. وهذا ما جعل قانون الستين يتصدر الساحة منذ اكثر من نصف قرن مع محاولات جرت من هنا وهناك لتنميقه ولخداع الناس ولكن الحقيقة واحدة وهي قانون الستين. فمرة سموه قانون غازي كنعان، واخرى اطلقوا عليه قانون الدوحة، وبقي الجوهر ذاته في كل الصيغ التي طرحت، ذلك انه يخدم مصالح افرقاء نافذين لا يمكن مواجهتهم.
وبما ان لكل امر نهاية، اقتربت مع بداية هذا العهد الجديد نهاية قانون الستين، فسارعوا الى رفضه وهم ممسكون به ويحاربون من اجله، فلماذا كل هذا التناحر ولماذا هذا الاستئثار؟
شكلوا لجنة رباعية تمثل الطوائف الرئيسية، للبحث في قانون يؤمن المساواة والمناصفة فاتهمت بأنها عملت على تأمين مصالحها، لا مصلحة الوطن، فسقطت في منتصف الطريق. وبقي الفساد يعم في كل مكان، والمسؤول الاول عنه قانون الستين الذي حمل الى المجلس طبقة ليست اهلاً لتمثيل الناس. يتظاهرون انهم ضده وانهم يعملون لقانون جديد، ولكنهم في الحقيقة يقومون بشتى انواع المحاولات للابقاء عليه. لذلك كلما طرح مشروع قانون على بساط البحث، يجدون له العلل الكفيلة باسقاطه، مع ان الامر بسيط  وليس بهذا التعقيد الذي يصورونه للناس، وهدفهم ان يمر الوقت وتنتهي المهل فلا يبقى امامهم سوى قانون الستين.
لقد ذهب اعضاء المجلس النيابي الى الطائف واجتمعوا على مدى اسابيع ووضعوا اسساً جديدة نسفوا خلالها الكثير من القواعد التي كانت سائدة. بحجة انهاء الاقتتال الذي استمر اكثر من 15 سنة. ومن جملة ما اتفقوا عليه قانون الانتخاب فحددوا الدوائر والمحافظات التي على اساسها تجرى الانتخابات، فلماذا لا ينهون مواجهاتهم اليوم بالعودة الى الطائف وقد اصبح دستور البلاد، فيطبقونه؟
تعالت اصوات في الايام الاخيرة تطالب بعدم التأسيس لحروب جديدة، من خلال اختزال الطوائف بفريق او اثنين من هذه الطائفة واهمال الباقين، فهل هذا هو القانون الجديد الذي يعدون الناس به؟ ان الاتصالات والاجتماعات في العلن ووراء الكواليس هي لتأمين مصالح اصحابها لا مصلحة لبنان واللبنانيين، وهذا يزيدنا تمسكاً بضرورة التخلص من هذه الطبقة السياسية الفاسدة التي فقد الامل بايجاد الاصلاح على ايديها. لو اجرينا تقويماً لما يتدالون به لوجدنا ان اكثر من نصف الشعب غير ممثل في القوانين المطروحة للتداول، لانها من صنع اشخاص يريدون اختزال الناس باشخاصهم.
الاكثرية تقول بالنسبية فلماذا لا نطبقها ونعتمد ما اتفق عليه الجميع في الطائف، فهي تؤمن حقوق الجميع وتنصف كل الطوائف والاطراف فلماذا الخوف منها؟ بالطبع لانها تنتزع من البعض مكاسب غنموها من خلال قانون الستين وبات من الصعب عليهم التخلي عنها. ان اكثر الذين يتغنون اليوم بالهيمنة والتسلط والتطلع الى مصلحة الوطن، هم من تسلطوا وهيمنوا على مدى عقود، فحرموا الكثيرين من حقوقهم لينعموا بما ليس حقاً لهم. ولما آن اوان الحساب، ثاروا ونادوا بالويل والثبور وعظائم الامور وهددوا، فكشفوا عن حقيقة نواياهم. لماذا لم نسمع لهم صوتاً ولو مرة واحدة يوم منحهم قانون الستين الهيمنة المطلقة؟ كفى غشاً للناس.
املنا الوحيد وسط هذه المعمعة، ونحن متأكدون من ان الاتصالات لن توصل الى نتيجة اذ من المستحيل ان يتفق الجميع على قانون واحد، لان هذا لا يتم الا اذا غلب الجميع مصلحة الوطن على مصالحهم الخاصة، ولكن من اين لنا مثل هؤلاء الرجال وسياسونا هم ما هم عليه؟ املنا الوحيد هو في رئيس البلاد الذي نجح في دفن الستين متجاوزاً كل المحاولات، فهو قادر على قلب الطاولة، وقد صرح قبل ايام بأنه سيستخدم صلاحياته الدستورية للسير بقانون جديد عادل ومنصف وسيمنع المواجهة السياسية التي بدأت تلوح في الافق. فلنصبر ان الله مع الصابرين.
لقد قضموا حقوق المسيحيين على مدى سنوات طويلة ولما توحد الصف المسيحي اغتاظوا وقاموا يحاربونه، ويشنون الحملات المغرضة عليه، فهل هؤلاء صادقون حقاً في المطالبة بمصلحة الوطن؟ ان كل الصيغ التي قدمت لم ترق للبعض، فالى اي هدف يتطلعون؟ ولماذا لا يجاهرون بحقيقة نواياهم؟ فالتهديد والوعيد لن يوصلا الى اي مكان.

«الاسبوع العربي»

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق