افتتاحية

عقدة تشكيل الحكومة عالقة… عند من؟

قصدت احد مستشفيات بيروت هذا الاسبوع، لاحجز موعداً من اجل عملية جراحية بسيطة. دخلت مكتب الدخول فاستلمت مني المضيفة اوراقي وطلبت مني الانتظار… وخلت ان الامور لن تتعدى الدقائق القليلة، فاذا بالوقت يمر وانا جالس انتظر، وبعد ساعة سألتها عن سبب هذا التأخير، وهل ان في الامر علة ما، فاجابتني بالنفي ولكنها عزت الامر الى الازدحام الذي تشهده مختلف مستشفيات العاصمة، وهو غير مسبوق في تاريخ الاستشفاء اللبناني. وتوسعت معها في الحديث فاخبرتني ان النفايات التي اغرقت بيروت والمناطق اللبنانية، واستمرت اشهراً طويلة، ولّدت جميع انواع الفيروسات ونشرتها في كل مكان حتى اصبحت حياة كل مواطن لبناني مهددة، ونادراً ما نجا بيت واحد من مريض او اكثر.
صحيح ان الزبالة رفعت من الشوارع ولكن العلة باقية. فالحلول موقتة ولا نعلم متى تعود الازمة الى حالتها الاولى، لان الحل الجذري غائب، ولا يمكن ان يصدر عن هذه الطبقة السياسية، التي سمحت بانتشار النفايات طوال هذه المدة، دون ان تقدم على ايجاد الحلول الناجعة. ثم ان عدداً كبيراً من المناطق اللبنانية لا يزال يرزح تحت الزبالة وبين الامراض. ومن هنا كان سبب هذا الازدحام في المستشفيات.
اللبنانيون جميعاً شعروا بوطأة هذه الكارثة البيئية والصحية التي حلت بهم، باستثناء السياسيين الذين تجاهلوا الامر، وكأنه لا يعنيهم، وحصروا همهم في تدبير مصالحهم وصفقاتهم، ماذا فعل 128 نائباً لانقاذ بلدهم، سوى قبض رواتبهم التي لا يستحقونها لانهم عاطلون عن العمل؟ وماذا فعلت الحكومة التي تسلمت صلاحيات رئيس الجمهورية وباتت اكبر سلطة في الوطن؟ لا جواب طبعاً على هذا التساول، لان الناس يعرفون كل شيء ولم يعودوا بحاجة الى من يخبرهم.
واليوم اطل عهد جديد استبشر به جميع المواطنين، الاقلة قليلة بقدومه. اولاً لانه انهى الفراغ القاتل الذي خيم على السلطة الاولى في البلاد، وثانياً وهذا هو الاهم، ان سيد العهد انسان صادق اذا وعد وفى، لا يخضع للابتزاز ولا يهمه الترهيب والترغيب. وبدل ان تسارع هذه الطبقة السياسية التي لا تعمل سوى قبض رواتب لا تستحقها وتسارع الى تسهيل مهمة العهد، راحت تعمل على عرقلته منذ بدايته. فوضعت الشروط والعقد والعضي في الدواليب، وسيد العهد يعرف ان عهده هو المستهدف. نحن نعلم ان العماد ميشال عون لن يقبل بالابتزاز. واللبنانيون ينتظرون منه، وقد خبروه، مقداماً شجاعاً، ان يقلب الطاولة على رؤوس المعرقلين ويسير بحكومة متوازنة بالاتفاق مع رئيس الحكومة المكلف. والمواطنون سيقفون الى جانبه.
قال العماد عون ان لبنان سينهض من جديد، والدولة ستعود قوية، وهو لا يلقي الكلام جزافاً، بل يقصد كل كلمة يقولها. لذلك نحن منتظرون ما سيقدم عليه، لتخليص لبنان من هذا الابتزاز.
الغريب المستغرب في هذه القضية هو موقف الرئيس نبيه بري. لقد اعتاد اللبنانيون على ان رئيس المجلس طالما كان صمام امان، يدور الزوايا ويستنبط الحلول لعقد كانت احياناً مستعصية. لذلك هم لا يصدقون اليوم ان عقدة تشكيل الحكومة تقف عنده. فهو بذلك يخسر الكثير من محبة الناس الذين لا يعرفون ابداً عنه مثل هذه المواقف، ولذلك هم متأكدون من ان هذه المواقف ليست نابعة من داخله، وهناك عوامل داخلية وخارجية تؤثر وتفرض عليه هذا التصرف الذي لا يشبهه ابداً.
من يصدق ان الرئيس بري رجل الحوار والحلول والتقارب مع الجميع يرفض تداول السلطة، واي نص في الدستور يقول باعطاء هذه الحقيبة لفلان وتلك لعليان؟ ونحن بدورنا نرفض ان نصدق ان الرئيس بري هو الذي يقول ويقرر مثل هذا الامر، ونرفض ان نصدق انه لا يخضع لضغوط قاتلة للوقوف بهذا الموقف.
ايها السياسيون جميعاً الناس تعبوا من الاعيبكم ولا تعتقدوا انهم لا يعرفون كل شيء ويحصون كل شاردة وواردة، فعودوا الى رشدكم واتقوا الله في ما انتم فاعلون. اللبنانيون يناشدون الرئيس عون انهاء هذا الوضع الشاذ ووضع الجميع امام مسؤولياتهم، وبدون ذلك لا يستطيع العهد ان يقلع، وسيبقى الوطن يجرجر وهذا ما لا يعتقده احد من اللبنانيين. قضايا الناس ضاغطة وملحة ويلزمها حكومة تعمل على استنباط الحلول، فلمصلحة من يتعرقل تشكيل هذه الحكومة؟ مهما حاولتم وتقاذفتم المسؤولية وحملتوا مسؤوليتها الى هذا الطرف او ذاك، فالمواطنون يعلمون الحقيقة ويدلون باصابعهم على المعرقلين، فعسى ان يتوقف هذا الدلع السياسي القاتل؟

«الاسبوع العربي»

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً

إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق