افتتاحية

النزول الى البرلمان افضل من النزول الى الشارع

بعد استراحة قصيرة حمل الرئيس تمام سلام خلالها هموم لبنان الى العالم، طالباً مساعدته في تسهيل انتخاب رئيس للجمهورية، وحل ازمة اللاجئين السوريين، التي تحولت الى عبء ثقيل جداً، لم يعد باستطاعة لبنان ان يحمله، عاد رئيس الحكومة الى بيروت، ليجد ان المشاكل التي تراكمت في الاونة الاخيرة، اخذت تطوقه وتحاصره من جديد، وليس اقلها التحركات المتعددة في الشارع، وفي طليعتها تحرك التيار الوطني الحر الموعود، وقضية النفايات التي شكلت مع الامطار الاولى لهذا العام، خطراً داهماً على الصحة العامة، حتى غصت المستشفيات بالمرضى.
المحطة الاولى كانت يوم 28 ايلول (سبتمبر) الذي كان متوقعاً ان يشهد اول تحركات التيار الوطني الحر، الذي بدأ منذ اسابيع يهدد بالويل والثبور وعظائم الامور، حتى كاد المواطنون يعتقدون ان يوم القيامة اقترب، وان العالم كله سيزلزل امام هذه التحركات، الا ان تحرك الحريري لجمه ولكنه لم يلغه. المواطن المسالم الذي بات يجد صعوبة كبرى في تحصيل لقمة عيشه، يسأل مندهشاً هل ان قطع الطرقات وزيادة الشلل في المؤسسات، يعيدان الى «اصحاب الحقوق» حقوقهم؟ ما ذنب الناس الابرياء الذين يبحثون عن فرصة عمل، وعن لقمة عيش فلا يجدونها؟ فهل بامكان المواطنين تحمل المزيد؟
التيار الوطني الحر يقول انه يؤمن بالديمقراطية، ويتصرف وفق اسسها، ونحن نسأل هل ان الديمقراطية تفرض الا يكون في المعركة الرئاسية سوى شخص واحد، ويحرم على الجميع الباقين، الترشح او الظهور على المسرح السياسي؟ وفي مثل هذه الحالة هل تكون هناك انتخابات ديمقراطية، وفق الدستور ام عملية فرض؟ الكل يعلم ان التمسك بشخص واحد لا غير، من بين جميع اللبنانيين مهما علا شأنه، يفقد الديمقراطية معناها، ويتحول الانتخاب معه الى عملية فرض وتعيين، وكأن المتمسكين بهذا المبدأ يقولون للفريق الاخر استسلموا. فنحن ربحنا او نحن نملك القوة وسنخضعكم لارادتنا. مع العلم ان هذا الفريق الاخر استسلم فعلاً، عندما اقدم اثنان من قادته على ترشيح اثنين من الفريق الاول، فسقطا شعبياً في اعين الناس والمناصرين، مهما قدما من تبريرات. فهما لم يخسرا الحرب، فلماذا يقدمان النصر للفريق الاخر على طبق من ذهب؟ لقد كان الاجدر بهما ان يتمسكا بمرشحين من تيارهما لينافسا بهم خصومهما.
الديمقراطية تقضي باجراء انتخابات سرية، تترك فيها الحرية للنواب ليختاروا من يشاءون. لذلك فلينزل الجميع الى المجلس النيابي، ويؤمنوا النصاب ويدلوا باصواتهم، ومن يفز يصبح هو رئيس لبنان. هكذا بكل بساطة، وعلى غرار ما يجري في كل بلدان العالم، فلماذا نشذ نحن من بين الدول كلها ونتبع الطريق الخطأ؟
ان قطع الطرقات بعد شل المؤسسات، مخطط لخنق البلد والناس معاً، فهل هذا هو المقصود؟ يبدو ان المصعّدين لا يريدون اكل العنب بل قتل الناطور. فلماذا؟ ولمصلحة من؟ وما هي المكاسب التي سيجنونها من ايصال البلاد الى المؤتمر التأسيسي؟ هل يعتقدون انهم بذلك يحققون احلامهم؟ والخطير في الامر ان البعض لا يريد ان يتعظ، ويستخلص العبر من دروس الماضي. المنطقة تشتعل، ونحن نحصر همنا في تحركات اشبه بالحركات الصبيانية التي تنعكس ضرراً على البلاد؟ هل من الحكمة ان يبقى البلد بلا رئيس للجمهورية وبلا قائد للجيش في هذه الظروف الصعبة التي تجتازها المنطقة؟
هذه التحركات والخلافات والانقسامات السياسية تؤجج الوضع الامني، خصوصاً وان النازحين تحولوا الى كابوس يقلق اللبنانيين، والقوى الامنية على حد سواء. فلا يكاد يمر يوم الا وتقع جرائم عدة في مختلف المناطق اللبنانية وسببها دائماً النازحون. الهروب الى نيويورك اعطى الحكومة فسحة من الراحة، ولكن الى متى وما هو الحل؟ فالتصعيد الذي وصل الى الشارع يضر بالبلاد والعباد، وبالدرجة الاولى يضر بالمصعّدين انفسهم، لان نقمة الناس الباحثين عن لقمة عيش ستنصب عليهم. ابهذه الطريقة يمكن الوصول الى تحقيق المطالب؟ هل بزيادة الخصوم تتأمن الحقوق؟
لقد اثبتت التجارب ان القهر لا يولّد حلاً، بل يزيد من تعاسة الناس والآمهم. ولذلك لا بد من العودة الى الحوار، والى مجلس الوزراء والمؤسسات الدستورية، فهناك فقط تطبخ الحلول، فيضع كل فريق هواجسه على الطاولة وتناقش بروح مسؤولة. شرط ان تصفو النيات وتكون هناك رغبة اكيدة في الحل. القوى السياسية في معظمها تطالب الرئيس بري باحياء طاولة الحوار فهل يفعل من اجل لبنان ومصلحته العليا، فيبعد خطر الفتنة؟ وهل يتعقل المصعدون، فينزلون الى المجلس النيابي بدل النزول الى الشارع، فينتخبون رئيساً ويزول الاحتقان؟ هل يديرون ظهورهم للقوى الخارجية ويلتفون حول مصلحة بلدهم، فيعم السلام؟ اننا لمنتظرون.

«الاسبوع العربي»

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً

إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق