افتتاحية

هل من باب للخلاص؟

صورة مروعة احتلت صدارة وسائل الاعلام العربية والعالمية  المرئية والمكتوبة ووسائل التواصل الاجتماعي، طوال الاسبوع الماضي ولا تزال، انها صورة الطفل السوري البريء عمران ذي السنوات الاربع الذي اخرج هو وافراد عائلته باعجوبة من تحت انقاض منزله الذي دكته الطائرات الروسية والسورية باطنان من المتفجرات، زارعة الرعب والهلع والموت والدمار وكان جريح الخد معفر الرأس والوجه بالتراب.
هذه الصورة التي حركت من بقي له ضمير في هذا العالم المتوحش ذكرتنا بصورة ايلان الطفل السوري الاخر الذي شردته الحرب مع عائلته، فاذا به يقضي بين الامواج، فتقذفه الى الشاطىء.
انها صورة حية تعكس وحشية هذا العالم، الذي يسمونه العالم المتمدن، وهو ابعد ما يكون عن المدنية والحضارة. كثرت الادانات والاستنكارات والتصاريح، وكلها بقيت حبراً على ورق، لان المستنكرين يكذبون، ولو كانوا حقاً ضد هذه الهمجية، لما تركوا الحرب المدمرة تتنقل في المدن السورية، زارعة الخراب والموت. لو كانوا حقاً صادقين لقرنوا اقوالهم بالفعل، وبادروا فوراً الى وضع حد لهذه الحرب الطاحنة التي تقضي على البشر والحجر.
فروسيا تقطع الاف الاميال بآلتها الحربية المدمرة، لتدك الشعب السوري وتدمر منازله على رؤوس سكانها. فبأي حق؟ ومن سمح لها بدخول بلد ذي سيادة. قد تتحجج بانها دخلت بناء على طلب من الشرعية السورية، ولكن هل لا تزال الشرعية السورية سيدة البلاد كلها. ومتى علمنا ان اكثر من نصف الشعب السوري لا يريدها فهل يبقى لها الحق للقيام بما تقوم به؟ وهل يقبل الشعب الروسي ان يتدخل بلد آخر في شؤونه، وفي عقر داره، ويصبح صاحب الكلمة الاولى والاخيرة؟ لقد اصبحت روسيا هي التي تقرر وتنفذ، وكأن الكلمة الفصل لها. فبأي حق؟
بعد ايام ينسى العالم صورة عمران كما نسي صورة ايلان، وتستمر آلة الحرب تدمر وتقتل، فمن يوقفها؟ لماذا لا تجتمع الدول القادرة كلها حول طاولة. بعيداً عن مجلس الامن المهزلة، الذي اصبح فاقد الكلمة والرأي وربما الشرعية، تعطله كلمة واحدة «فيتو» اذا لم يعجب قراره دولة من الدول المهيمنة. لماذا لا تجتمع هذه الدول وتصمم على عدم الخروج، الا بعد ان يتم وقف القتال نهائياً، وتسهل عودة الشعب السوري المهجر والمشرد في جميع اصقاع الارض الى منازله؟ ان هذا العالم المتوحش لا يسعى الى السلام، والا لكان تحرك. ولكنه يكتفي بالوقوف متفرجاً على مجازر ترتكبها الطائرات الروسية والسورية، فتدك المستشفيات والمدارس والمنازل ولا تبقي حجراً على حجر.
وروسيا البارعة في ابتداع الحيل والمخارج، ولكي تمتص نقمة اصحاب الضمير من منظر عمران المأساوي، اخترعت كذبة سمتها هدنة الـ 48 ساعة، والقصد منها الهاء المستنكرين لاعمالها. غير ان هذه الهدنة اذا ما نفذت فان روسيا لن تلبث الا ان تنتهكها بعد ساعات من سريان مفعولها، كما تفعل، في كل مرة. فلماذا كل هذا الحقد على الشعب السوري؟
روسيا دخلت الى سوريا بذريعة انها تريد ان تحارب داعش، ولكن سرعان ما انكشفت اهدافها، وتبين انها لم تقاتل داعش بل الشعب السوري المعارض للنظام. لماذا؟ لان هذا النظام يلبي كل طلباتها ويؤمن لها مصالحها.
ادعت انها جاءت من اجل احلال السلام. فكان الواقع عكس ذلك. اذ انها عملت على تأجيج نار الحرب، بتدخلها السافر بطيرانها وزوارقها الحربية وصواريخها البعيدة المدى. وكانت اخر محاولة استخدام قواعد ايرانية، ليكون مجال الاعتداء اوسع واشد فتكاً. فعن اي سلام تتحدث تلك التي تدك المستشفيات والمدارس والمنازل وتدمرها على رؤوس ساكنيها؟ أهكذا يصنع السلام ام ان السلام الروسي هو على هذا الشكل؟
هل يقبل بوتين ان ترسل دولة، اي دولة، طائراتها ودباباتها واساطيلها وآلتها العسكرية كلها الى روسيا، تعمل فيها خراباً وتدميراً؟ لقد افادت التقارير ان حرب حلب هي من اشد الحروب فتكاً وتدميراً ودموية، وذلك بفضل الآلة الحربية الروسية. فهل هذا معقول؟
هل يعلم بوتين انه بفعل الحصار الذي فرضه على حلب يعرض ربع مليون سوري واكثر للموت جوعاً وعطشاً، والعالم صامت ساكت يتفرج ولا تصدر عنه كلمة واحدة تقول كفى. افلا يعني انه متواطىء كله مع بوتين لتدمير الشرق الاوسط بكامله؟
من دمر اكثر، اسرائيل في غزة، ام روسيا في حلب. انهما كلاهما واحد يضمران الحقد والعداء للعرب جميع العرب. اننا نعيش «عصر السلام الروسي – الاسرائيلي» فهل من باب للخلاص؟

«الاسبوع العربي»

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً

إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق