افتتاحية

كفوا عن قهر الشعوب… وارحلوا

حملت الانباء منذ ايام خبراَ مضحكاً، لم يلق اهتمام احد من الناس لانهم تعودوا على مثل هذا الكلام، الذي لا يرتبط بموقف او بفعل. جاء في الخبر ان وزارة الخارجية الاميركية «عبرت عن «قلقها العميق»، ازاء الخطط التي اعلنت عنها الحكومة الاسرائيلية، لبناء مئات الوحدات السكنية للمستوطنين الاسرائيليين في القدس الشرقية».
هل ان مثل هذه الانباء تصدر عن ولي نعمة اسرائيل، تعبر عن عجز ام عن ضعف، ام انها لذر الرماد في العيون؟ فاذا كانت الولايات المتحدة منزعجة حقاً من سياسة اسرائيل العدوانية، فلماذا لا تمنعها وهي القادرة على ما تريد، خصوصاً وان اسرائيل بلا الولايات المتحدة تصبح في خبر كان. كفى استهزاء بالشعب الفلسطيني ومعه الشعوب العربية كلها. فالولايات المتحدة قادرة على وضع حد للامور، وتطبيق خريطة الطريق التي وضعتها بنفسها، والتي تقوم على اساس الدولتين، وهي الخطة التي رحب فيها الفلسطينيون ورفضتها الدولة العبرية، لانها لا تريد قيام دولة فلسطينية، ولا تريد سلاماً في المنطقة، خصوصاً وان السلام يحرم اسرائيل ورقة تتمسك بها، وتتلاعب بدول العالم بواسطتها، لا بل تبتزها بها.
اجمع العالم على ان المستوطنات التي تبنيها اسرائيل على الارض الفلسطينية هي غير قانونية، ومع ذلك ففي كل مرة يتخذ الفلسطينيون خطوة تسهل عملية السلام، تسارع اسرائيل الى اقرار خطة جديدة لبناء المزيد من الوحدات السكنية، رغم علمها ان المستوطنات كانت ولا تزال السبب في توقف محادثات السلام منذ العام 2014. لقد تحولت المستوطنات الى اسلحة تستخدمها اسرائيل لضرب عصفورين في حجر واحد. الاول انها توجه ضربة قاتلة الى محادثات السلام، والثاني انها تكسب المزيد من الوحدات السكنية، على امل ان تسد بها طريق الامن والاستقرار في هذه المنطقة. وهي لا تكتفي بذلك، بل تعمد الى جرف المنازل وتدميرها بهدف تهجير اهلها الى خارج ارضهم. واسرائيل عادة لا تصغي الى استنكارات العالم وشجبه لها، لانها تعلم ان هذا الاستنكار الدولي هو لرفع العتب، وان اي قرار او عقاب لن يتخذ ضدها. لا بل ان الولايات المتحدة تعمد في كل مرة الى تقديم مكافآت لها، اما اسلحة واما قرارات تحمي سياستها السوداء، بالاضافة الى استخدام الفيتو لمنع ادانتها. فهي تضيق على الفلسطينيين الى اقصى الحدود. ولكن الشعب الفلسطيني راسخ في ارضه متمسك بها، لا ترهبه الآلة العسكرية الاسرائيلية والدعم الدولي لها، فيقدم على الشهادة بصدور عارية غير آبه بالموت. ان شعباً يتمتع بهذا العزم وهذه الصلابة، لن تتمكن القوة الغاشمة من قهره.
العالم كله يعترف بان الاستيطان سياسة اسرائيلية غير قانونية، وهو يدينها ويدعى انه يرفضها. فلماذا لا يقدم، وهو القادر، على منعها؟ ماذا ينفع ان تنبري الولايات المتحدة وتتشدق بأنها تدين وتستنكر، هل ان الادانة والاستنكار يعيدان الارض الى اصحابها؟
الولايات المتحدة هي صاحبة الحل المتمثل بالدولتين، فلماذا لا تنفذ خطتها، ولماذا هذا التهاون مع عدو غاصب لا يعرف للقيم الانسانية معنى؟ انها بدلاً من ان تضغط على الدولة العبرية لارغامها على السير في طريق السلام، فانها تسارع الى تلبية جميع طلباتها فتشجعها بذلك على المضي في سياساتها العدوانية.
هذا الموقف لا ينطبق على الولايات المتحدة وحدها، بل وايضاً على روسيا وكأن هناك اتفاقاً اميركياً – روسياً لاذلال الشعوب وتدجينها تمهيداً لوضع اليد عليها. فما فعلته روسيا في سوريا، وخصوصاً في معركة حلب الاخيرة، التي فرضت عليها حصاراً قاتلاً، لا يقل وحشية عما تفعله اسرائيل باهل فلسطين. اين كان العمل الانساني يوم كانت الطائرات الروسية تلقي حممها على رؤوس الامنين؟
وزير الدفاع الروسي اعلن انه يقدم «بادرة انسانية» لاستسلام المحاصرين وتقديمهم هدية الى النظام السوري، بعد ان حقق النصر على جثث اطفال ونساء سوريا. فاين الانسانية في هذا العمل الهمجي، والى متى ستستمر الدول الكبرى في التلاعب بمصير الشعوب، خدمة لمصالحها، بعيداً عن اي انسانية او وازع من ضمير. كفوا عن قهر الشعوب واتركوا لهم حرية العيش بسلام وارحلوا مع مجلس امنكم الفاشل المنحاز واوقفوا حمايتكم للظالم، فيعود السلام الى العالم.

«الاسبوع العربي»

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً

إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق