افتتاحية

يا ليت الزمان زمن العجائب

استحقاقات كثيرة داهمة، وملفات ساخنة وقضايا مصيرية كلها مطروحة على الساحة اللبنانية، جلسات تعقد ومواعيد تضرب ونقاشات عقيمة تدور في كل مكان والنتيجة لا شيء، وذلك بفضل طبقة شاءت الاقدار ان تتسلم مقدرات البلاد وهي بعيدة كل البعد عن هذه المسؤولية. انها طبقة تتميز بالامية في علم بناء الاوطان وتقديم المصلحة العامة على كل ما عداها من مصالح شخصية. هذه الطبقة لا تعمل للمصلحة الوطنية، ولا تهمها لا من قريب ولا من بعيد، بل ان اجتماعاتها منحصرة في كيفية تأمين مصالحها الخاصة على حساب الوطن والشعب.
الرئيس بري رئيس مجلس النواب اللبناني اوصى بتوزيع حبوب منع الهبل وهذه وصفة رائعة تصيب المرض المتفشي بين السياسيين، ولكن حتى هذه الحبوب لو وجدت، ما عادت تنفع مع هذه الطبقة. فالرئيس بري جاهز دائماً لتقديم المبادرات ولو انها من نوع المخدرات، ولكن الهدف منها الهاء الناس وامتصاص النقمة على السياسيين.
تعقد الحوارات في اماكن متعددة، ولكن ما نفع الحوارات مع طبقة اتفقت على امر واحد وهو الا تتفق على شيء. فالحوار الذي يعقد في مجلس النواب، والذي دعا اليه بري، قام بالاساس على انتخاب رئيس للجمهورية كبند اول، على الا يتم الانتقال الى البنود الاخرى الا بعد الانتهاء من هذا البند. ولكنه سرعان ما سقط واصبح طي النسيان، بعد ان تشعب الحوار الى قضايا كثيرة اغرقت المتحاورين. هذا الحوار المستمر حتى هذه الساعة، لم يستطع ان يحقق شيئاً. فلا رئيس للجمهورية انتخب، ولا قانون انتخاب اقر، ولا اي ملف من الملفات المطروحة تم اقفاله. هذا الحوار اذاً فاشل ولكن وقفه يبدو انه من الممنوعات، لان من يقدم على هذه الخطوة عليه ان يدفع ثمناً غالياً لا قدرة لاحد على تحمله. والممنوعات كثيرة وليس الحوار وحده. فممنوع مثلاً رحيل الحكومة، وممنوع انتخاب رئيس للجمهورية، وممنوع الاتفاق على قانون جديد للانتخابات، وغيرها وغيرها.
ولكن ماذا يعني ارجاء الحوار اكثر من شهر ونصف الشهر؟ هل ان في الافق ما يبشر بالخير، ام انه هروب الى الامام؟ الكل يجمعون على عدم انتظار نتيجة حاسمة، لان السياسيين اللاعبين على الساحة، والذين يعطلون كل شيء باقون هم انفسهم في مراكزهم. فكيف يمكن للامور ان تتبدل؟ اللهم الا اذا هبط قرار مفاجىء من الخارج يسمح باخراج الازمة من عقالها، وهذا ما هو مستبعد حالياً، اذ لا وجود لاي مؤشر على احتمال حدوث هذا الامر.
ومن الحوارات ايضاً حوار تيار المستقبل وحزب الله. وهو الاخر يدور في العموميات ولا يقارب المواضيع الخلافية. ولذلك فهو لا يحقق خطوة واحدة الى الامام. فما معنى هذا الحوار؟ انه هو ايضاً من الممنوع وقفه، ولو ان الجميع متيقنون من انه فاشل ولن يؤدي الى اي نتيجة.
يتحدثون عن سلة متكاملة تشمل رئاسة الجمهورية والحكومة الجديدة وقانون الانتخاب، واضيف اليها السلاح وحصريته بيد الدولة، ويكون الجميع تحت سلطة الدولة والقانون، فهل هذا ممكن التحقيق؟ واذا كانوا غير قادرين على الاتفاق على ملف واحد من هذه الملفات، فهل من المعقول ان يتفقوا على كل هذه الملفات في جلسات 2 و3 و4 آب؟ وكيف؟ وماذا تبدل حتى يصبح المستحيل ممكناً؟ المهم ان امام بري ومعه الطقم السياسي «الناجح جداً» شهراً ونصف الشهر، فاي معجزة يمكنهم ان يجترحوا لاخراج البلاد من المأزق؟
وعلى هامش الملفات الساخنة طرحت مواضيع اخرى لا تقل اهمية، وهي اما انها طرحت للالهاء ام لاطالة الوقت والغرق في قضايا تضيع بين جنباتها كل القرارات الحاسمة. ولعل ابرز هذه المواضيع اتفاق الطائف وانشاء مجلس شيوخ والدائرة الفردية، ولبنان دائرة واحدة. وهكذا فان السياسيين الغارقين في بحيرة، سيجدون انفسهم يصارعون الامواج في بحر هائج، والخروج منه يتطلب معونة خارجية لا يبدو انها متوفرة حالياً.
باختصار ان الازمات التي يواجهها لبنان هي اكبر بكثير من هذه الفئة التي تسلمت مقدرات البلاد في غفلة من الزمن، ولذلك فان الامل بالخلاص ضئيل الا اذا قيض الله للبنان اعجوبة تنتشله من الغرق، ويا ليت الزمان هو زمن العجائب.

«الاسبوع العربي»

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً

إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق