افتتاحية

هل من ضرورة اهم من انتخاب رئيس للبلاد؟

درج السياسيون في لبنان (ونسميهم سياسيين زوراً لانهم غير ملمين بعلم السياسة واصولها ومبادئها) درجوا على ابتكار مواضيع، يلهون بها الرأي العام، تغطية لمواضيع اساسية، لا يجوز اغفالها، حتى ولو كان ذلك على حساب الدستور. فمخالفة اهم قانون في الدولة تصبح شرعية ساعة تخدم مصالحهم، وتتحول الى محرمة اذا تعارضت معها. حقاً انه زمن العجائب والغرائب.
طلعوا علينا مؤخراً بما اسموه «تشريع الضرورة». كيف ولماذا وما هي هذه الضرورة؟ لا احد يعرف كل ما نعرفه ان الدستور ينص على ان مجلس النواب، وفور شغور سدة الرئاسة، يتحول الى هيئة انتخابية لا يحق لها التشريع ولا القيام باي عمل قبل انتخاب رئيس للجمهورية. ولكن في لبنان كل شيء يجوز. فرغم مرور سنتين على الشغور الرئاسي الذي كان يجب ان ينتهي في اسبوع، بعد مغادرة الرئيس سليمان قصر بعبدا، فان شيئاً من هذا لم يتحقق، حتى جاءوا اليوم وقبل اليوم بعقد جلسات تشريعية، اقتضت مصلحتهم بعقدها. ولم يكتفوا بذلك بل ابعدوا عن الجلسات التي عقدوها المشاريع الضرورية جداً، واولها قانون الانتخاب. فبعد مرور اكثر من نصف قرن على قانون انتخاب بالٍ تجاوزه الزمن، لا يريدون اقرار قانون جديد، لان ما هو قائم اليوم يلائم مصلحتهم، او مصلحة القسم الاكبر منهم.
بعض الكتل النيابية وعدت في الجلسات الماضية انها لن تحضر اي جلسة لا يكون قانون الانتخاب على رأس جدول اعمالها، ويتبين اليوم انها غير راغبة في الوفاء بالوعد، وهي تبحث عن مخرج يمكنها من حضور الجلسات، وهذا طبعاً غير مستغرب. في لبنان تسقط كل المحرمات عندما تدعو المصالح الخاصة، ولو على حساب الوطن.
نقل النواب عن الرئيس نبيه بري قوله «لا بد من العودة الى تفعيل عمل المجلس والتشريع لان هذا امر اصبح اكثر من ضروري لمصلحة البلد… نحن نعرف دائماً كيف نحفظ مصلحة لبنان واللبنانيين والاصول في آن معاً». كلام مهم ووطني ولكن يا دولة الرئيس انتخاب رئيس للجمهورية بعد فراغ عمره الى الان سنتان، اليس هو الاخر اكثر من ضروري؟ فلماذا نقفز الى وسط السلم ولا نصعد عليه درجة درجة، ونبدأ بالدرجة الاولى التي حددها الدستور للمجلس النيابي؟ وتقول انك تعرف دائماً كيف تحفظ مصلحة لبنان واللبنانيين، فاين هذه المصلحة من تجاوز انتخاب رئيس؟
ثم اي تشريع يمكن ان يصدر عن نواب صوتوا على قانون للايجارات بمادة وحيدة لم يكلفوا انفسهم قراءته، ولو سريعاً، قبل التوقيع عليه، ليعرفوا على الاقل على ماذا وقعوا، فجاء القانون يقدم للشركات العقارية خدمة تساوي ملايين الدولارات، ويشرد مئتي الف عائلة ويرمي بها على الطرقات. هل هذا هو تشريع الضرورة المهم الذي يراعي مصلحة البلد؟ مع العلم ان دولة الرئيس بري قال يوم طعن المجلس الدستوري بالقانون، انه لم يعد نافذاً، وهكذا قال وزير العدل وهيئة القضايا ووزير المالية فلماذا لا يستعيده المجلس النيابي ويقر قانوناً مدروساً  يكون لمصلحة اللبنانيين كل اللبنانيين، لا لمصلحة الشركات العقارية، فيعطي اصحاب الاملاك والمستأجرين حقوقهم؟ اين المساكن البديلة التي امنها القانون لذوي الدخل المحدود لكي لا تشرد عيالهم، واين الضمانات التي اعطاهم اياها؟ عفواً دولة الرئيس اننا نعلم انك غيور على مصلحة البلد ولكن احداً غير قادر على لجم اصحاب المصالح، فتأتي القوانين لتخدمهم على حساب الشعب اللبناني.
وفي مكان اخر يقول الرئيس بري ان هذا المجلس شرعي. النواب مددوا لانفسهم وهم شرعيون. فكيف ذلك وهل من يشرح للمواطنين عن صحة شرعية هؤلاء النواب الممددين لانفسهم؟
الرئيس بري الخبير في الشؤون البرلمانية، يعلم قبل غيره ان هذا المجلس فقد صفته التمثيلية، منذ اللحظة الاولى التي انتهت فيها مدة ولايته، ولم يغادر النواب الى منازلهم. من المعروف ان النائب يكتسب شرعيته من الشعب عبر صندوق الاقتراع، وتنتهي هذه الشرعية فور انتهاء مدة ولايته التي انتخب على اساسها. فاذا اراد تجديد شرعيته يتحتم عليه ان يتقدم مجدداً من الناخبين عبر الانتخابات النيابية، ويطلب منهم تجديد الثقة به، فان اعطوه اياها يحق له البقاء في كرسيه، حاملاً الصفة التمثيلية، والا فانه حتماً يصبح غير شرعي. فكيف يكون شرعياً اذا تجاوز المهلة القانونية، وتجاوز الشعب ومدد لنفسه مرتين. فهو بذلك فقد ثقة الشعب وكسب ثقة بنفسه، فمن اين اذاً يستمد شرعيته.
كتلة الوفاء للمقاومة تقول انها ملزمة بحضور جلسات تشريع الضرورة حرصاً على مصلحة الناس، فلماذا لا يحرص نواب هذه الكتلة على مصلحة الناس والبلد فينزلون الى المجلس النيابي ويشاركون في انتخاب رئيس للجمهورية، فتستقيم الامور وتفعّل المؤسسات، وعلى رأسها مجلس النواب، ولا تعود هناك حاجة لتشريع الضرورة، فان كنتم حقاً حريصين على مصالح الناس قوموا بواجبكم الوطني، والذي حدده لكم الدستور، ولا تقاطعوا جلسات الانتخاب لانها حالياً هي الاهم.
يقول المقاطعون لجلسات انتخاب رئيس للجمهورية ان المقاطعة حق دستوري. قد يكون هذا الكلام صحيحاً اذا امتدت المقاطعة الى جلسة او جلستين او على الاكثر ثلاث جلسات. ولكن ان تمتد على مدى 37 جلسة، وفي مدة قاربت السنتين، فهذا طبعاً وحتماً لا يعود حقاً دستورياً. فالمواطنون انتخبوا النواب ليعملوا، ويقوموا بواجبهم، فليقل لنا هؤلاء ماذا انجزوا على مدى حوالي الست سنوات من عمر هذا المجلس الممدد له، واي عمل قاموا به وعاد بالنفع على البلاد والعباد. فكيف يحق لهم ان يقبضوا في اخر كل شهر مبالغ كبيرة ومخصصات اكبر، لقاء عمل لا يقومون به؟ اين المحاسبة ومن يسأل هؤلاء النواب؟
من المعروف ان المجلس النيابي هو الذي يحاسب الحكومة، والنواب يحاسبهم الشعب عبر صناديق الاقتراع، فاذا الغوا هذه الصناديق ومددوا لانفسهم فمن يحاسبهم؟ ثم ان الشعب وكما بات معروفاً، متخاذل نائم مغلوب على امره، يئن دون ان يصرخ، رغم بعض الحراك الذي شهدناه مؤخراً، وهو حراك متقطع هزيل لا يغني عن جوع، وقد يكون هذا ما يتكل عليه النواب والسياسيون عموماً، للتهرب من المسؤولية، فهنيئاً لهم بهذا الشعب الذي اذا لم يستيقظ من رقاده، وفي اسرع وقت، ضاع هو وضاع معه الوطن.

«الاسبوع العربي»

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً

إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق