الاقتصادمفكرة الأسبوع

اليوان يقارع الدولار

هل تستطيع الصين تحويل عملتها اليوان (او الرنمنبي) الى عملة دولية الى جانب الدولار الاميركي واليورو الاوروبي والجنيه الاسترليني والفرنك السويسري؟ هذا هو السؤال المطروح اليوم، ومنذ سنوات، في مراكز القرار الاقتصادي العالمية في ضوء الخطوات المتقدمة التي اتخذتها الصين حتى الآن؟

لم تنكفىء الصين يوماً امام الضغوط الاميركية المتصاعدة والمطالبة برفع سعر صرف اليوان، بإعتبار ان الخضوع لهذه الضغوط سيؤثر سلباً على الصادرات الصينية التي بدأت تغزو العالم، وحتى اسواق الولايات المتحدة، جاعلة من الاقتصاد الصيني ثاني أكبر اقتصاد في العالم بعد الولايات المتحدة وقبل اليابان.

تدويل اليوان
واذا كان ضعف سعر الصرف مرتبطاً بقوة الاقتصاد فإن بكين تطمح وتسعى لتدويل العملة الوطنية، وهذا ما بدأت تنفذه من خلال فتح حسابات تجارية خارجية باليوان، وقد بلغ هذا التوجه حدود الخليج العربي حيث تم فتح اول حساب باليوان مع دبي، وسبقته حسابات اخرى مع ماليزيا وسنغافوره وحتى فرنسا. وتجلت هذه المساعي وتلك الرغبة في الخطة الخمسية (2011 – 2015) الثانية عشرة للسوق المالية. وبموجب هذه الخطة يطرح بنك الصين الشعبي (البنك المركزي) والناظمون الماليون الثلاثة تطوير السوق اللامركزية لليوان في هونغ كونغ، وانشاء مركز ناظم في مستوى وزير، للقطاع المالي العام. وبالفعل نشرت الصين خطة لتحويل اليوان في حسابات رأس المال.
واذا كانت الخطة لم تتبن روزنامة محددة للتحويل الكامل، فإن وكالة انباء الصين بلومبرغ اشارت الى ان الصين تتمنى ان تجعل عملتها «قابلة للتحويل بالكامل» من الآن حتى العام 2015، ما يمثل خطوة متقدمة على صعيد سياسة تحرير الاسواق في الصين. والحاصل حتى الآن هو ان العملة الصينية تتمتع بتحويل كامل في الحسابات الجارية، لكن بكين تحتفظ برقابة واسعة على حسابات رأس المال.
ولئن كان مسار تدويل اليوان قد بدأ في العام 2008، فإن الخطوات في هذا المجال لم تتوقف. فمنذ منتصف 2010، تمكنت 20 مقاطعة صينية من تسديد عمليات استيراد وتصدير اجريت عبر الحدود باليوان في جميع دول العالم. وفي آب (أغسطس) 2012، شملت هذه العملة جميع مقاطعات الصين القارية.
لذلك تمنى المصرف المركزي الصيني التشديد على عمليات الاستيراد التي تسدد باليوان اكثر منه على عمليات التصدير.
وفي 14 ايلول (سبتمبر) 2011، طرح «بنك الصين وآسيا الصناعي والتجاري» شهادة مدتها سنة مقومة باليوان وبسعر ثابت، وفائدتها 1،48%، من دون ان يكون لهذه الشهادة سوق ثانوية. وتم استحقاق هذه الشهادة في 10 ايلول (سبتمبر) 2012، وصنفت موديز هذا الاصدار بـ “A2”، فيما صنفت «ستاندرد اند بورز» في المرتبة “A”.
وباشر المركز المالي في فرنسا تعامله بالعملة الصينية في مجال الخدمات المصرفية، وعمليات الصرف، واصدار سندات وقروض وغيرهما من الخدمات بإعتباره مركزاً متجدداً معززاً بقطاع مصرفي قوي ودولي.
وفي خلال عامين، تخطت المعاملات التجارية الدولية المحررة باليوان 8% من اجمالي التجارة الخارجية الصينية. ويطالب التجار الصينيون شركاء الشركات الفرنسية بإتمام العمليات باليوان، وذلك لأسباب متعددة منها تحرير العملة الصينية وتقلبها بالنسبة الى الدولار. فعند معالجة العمليات باليوان، يستبعد خطر الصرف لدى الشركات.
ويشجع المنظمون المحليون العمليات الدولية باليوان نظراً للمزايا الضريبية، ولشروط الدفع الملائمة، وللإجراءات الادارية المبسطة بشأن التصدير. بإختصار فإن التعامل باليوان يساهم في تسريع دورة الدفع. كما يعتبر التسديد باليوان المطروح على الشركات ميزة تجارية اضافية للشركات، اذ يتيح ذلك انفتاح هذه العملة على الخارج تقوية مكانة الشركات في السوق الصينية، وتوسيع هامش المناورة لديها بشكل ملحوظ.
وفي المقابل تفرض التجارة الدولية تقويم مخاطر عدة منها مخاطر الصرف، والاخلال بالعقد، والنقل، وكذلك الخطر السياسي. وفي الصين، يعتبر استخدام التقنيات التقليدية المرتبطة بتحويل التجارة كالاعتمادات المستندية لافتاً جداً نظراً لتوافرها للجميع، ولقدرتها التنافسية العالية، بالإضافة الى قدرتها على التحوط من المخاطر.
كما يمكن فتح حساب غير مقيم في الصين القارية، لكن ذلك يستوجب موافقة مراقبي الصرف، على ان يكون هذا الحساب مخصصاً للعمليات التجارية. وفي هونغ كونغ تتميز هذه التدابير بسهولتها نظراً لإمكانية استعمال المبالغ المودعة في الحساب لأغراض استثمارية، او لحوالات مصرفية خارج القارة.
ويلاحظ ان المصارف الدولية الكبرى نهجت منهج قرنسا لجهة قبول فتح حسابات باليوان للعملاء الصينين بالاستراد والتصدير بغية تمويل عملياتهم التي اجريت مع شركائهم الصينيين. وتغطي الخدمات والمنتجات المصرفية المقترحة اشكاليات الصرف، والمدفوعات، والودائع، والقروض. كما توفر هذه المنتجات التمويل التجاري بالعملة الصينية.

استعجال
دعا المستشارون السياسيون في مطلع الشهر الحالي الصين للإسراع في عملية اصلاح نظامها المالي لجعل اليوان عملة دولية. واعتبر بيتر كوونغ تشينغ وو، رئيس شركة «وارف القابضة» ان هناك درساً مهماً خلفته الازمة المالية العالمية، وهو انه «لا بد من ان نلعب دوراً فعالاً في اعادة هيكلة النظام المالي الدولي، وان مفتاح الاصلاح المالي هو جعل اليوان عملة دولية»، وقال: ان هذا يعني استخدام العملة الصينية في معاملات تجارية دولية، والسماح لليوان بالتحول بحرية وفقاً لحساب رأس المال وجعله عملة احتياط دولية. يذكر ان اليوان من الممكن تحويله بحرية في الحساب الجاري لا في حساب رأس المال «مما يحول دون جعله عملة احتياط او خياراً في المعاملات التجارية الدولية». وكانت الصين قد اعلنت عن برامج تجريبية لاجراء تسويات تجارية باليوان في خطوة قال عنها المحللون انها ستسهل التجارة الأجنبية، وتحول دون تحمل الصين الخسائر اذا واصلت التعامل بالدولار المضطرب منذ بدء الازمة المالية العالمية. وفي هذا الصدد يقول اقتصاديون ان هذه الخطوة ستزيد من قبول العملة الصينية في آسيا، ما سيساعد في جعلها عملة دولية على المدى البعيد. وذكر محللون ان تدويل اليوان سيفيد الصين من خلال اعطائها فرصة أكبر للتأثير في القضايا المالية العالمية، ويقلل من اعتمادها على الاحتياط الاجنبي الضخم من الدولار الاميركي.

عملة احتياط؟
كانت الصين تطالب على الدوام بعملة احتياط بديلة عن الدولار الاميركي، لذلك صممت على ان تخلق هذه العملة بنفسها من خلال تكثيف استخدام اليوان عالمياً. ويفترض تحول اليوان الى عملة احتياط لإحتفاظ البنوك المركزية في العالم بكميات كبيرة من هذه العملة، ويتم استخدامها في عملية تسعير السلع التجارية الدولية مثل الذهب والنفط وغيرهما. وتبعاً لمنهجها الحالي تحاول الصين ان تقلل من تراكم فوائضها التجارية بالدولار الاميركي، وينظر البعض الى هذا التوجه على انه يهدد الدولار، بل يمثل تحولاً في طبيعة القوى الاقتصادية ويبقى السؤال: هل الصين مستعدة لتحويل عملتها عملة احتياط عالمية مثل الدولار الاميركي؟.


سعر اليوان متوازن
ذكر محافظ البنك المركزي الصيني جو جيا تشوان في كلمة القاها احد نوابه في طوكيو ان سعر صرف اليوان وصل الى معدل متوازن، وان قيمة العملة الصينية حالياً تقررها السوق وليس التدخل الحكومي، مستبعداً قيام الحكومة بأي تحرك رسمي لتغيير قيمة العملة في المدى القريب. وحذر المحافظ من ان التيسير الكمي – اي اجراءات الحفز الاقتصادية في الاقتصادات الرئيسية عن طريق ضخ المزيد من الاموال في السوق – يضع ضغوطاً تضخمية على الصين. في الوقت الذي يسعى هذا البلد لتعزيز نموه الاقتصادي وابقاء الاسعار تحت السيطرة. يذكر ان الولايات المتحدة طالما حضت الصين على رفع القيود عن اسواق صرف العملات الاجنبية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق