افتتاحية

ثورة بيضاء تعيد بناء الدولة

قال الرئيس تمام سلام «ان بقاء الحكومة مرهون بملف النفايات، لان الفشل في معالجته يعني ان الحكومة فاشلة، ولا جدوى من بقائها». لقد تأخر الرئيس سلام ليدرك ان هذه الحكومة فاشلة ومتهمة بالفساد، وقد اتهمها هو بنفسه يوم قال ان كل السياسيين «ملوثون» بملف النفايات.
اكثر من سبعة اشهر مرت والنفايات تملأ الشوارع والطرقات، والحشرات تسرح وتمرح، والامراض تتفشى، ورئيس الحكومة ينتظر بعد، حتى يتأكد من ان تشكيلته الوزارية فاشلة. لو لم تكن كذلك هل كانت النفايات بقيت في اماكنها طوال هذه المدة، حتى لفتت انظار العالم، فكانت الصورة الشهيرة التي نشرتها محطة سي ان ان الاميركية، وتناقلتها وسائل الاعلام، فقدمت بذلك اسوأ دعاية عن لبنان وحكومته، ونبهت السياح الى عدم ارتياد هذا البلد العاجز عن جمع نفاياته؟
الحكومة فاشلة ليس في جمع النفايات ومعالجتها فقط، بل انها اثبتت عجزها عن حل جميع المشاكل التي يعاني منها المواطنون، على الاصعدة الامنية والبيئية والاجتماعية والاقتصادية وغيرها. فعلى الصعيد الامني تفشت الجريمة بشكل لم يسبق له مثل واصبح التخاطب يتم بالسكاكين. وكان اخر الضحايا الشاب الذي قضى في ساحة ساسين في الاشرفية بطعنات قاتلة من شابين متهورين مجرمين، لا قيمة لحياة الناس عندهما. فقتلاه بدم بارد واعصاب هادئة، ولولا تواجد بعض الشباب في مكان الجريمة الذين تولوا القبض على المجرمين، لكانا افلتا من اي رقابة، ولكانا تملصا من تحمل مسؤولية جريمتهما النكراء. فالضحية شاب هادىء مهذب محبوب بين كل عارفيه، فاي ذنب ارتكب ليقضي بهذا الشكل؟ وقبله قتل شاب اخر بالطريقة عينها وبالسكاكين اياها، التي تحولت الى سلاح للقتل العشوائي، ولو ان المجرم الاول نال عقابه، لما كان المجرمان الاخيران قد تجرآ ربما على ارتكاب جريمتهما.
السلاح المتفلت منتشر في كل مكان والجريمة في صعود، والمحاسبة غائبة. القوى الامنية تقوم بواجبها، تعتقل المجرمين وتسلمهم الى الجهات المختصة، وبعد ذلك يضيع كل شيء. فلماذا لا نعود نسمع شيئاً عما حل بالمجرمين؟ اين قاتل الريف، واي عقاب نال، وهل لا يزال في السجن ام انه اصبح حراً طليقاً؟ فبعد اطلاق ميشال سماحة لم يعد شيء مستغرباً في هذا البلد. اين الخطة التي وضعتها الحكومة لضبط السلاح المتفلت، ونشر الامن والاطمئنان في نفوس المواطنين؟ وما رأيها بما جرى في الايام الاخيرة وهدد باشعال فتنة لا يعرف مداها؟
واسوأ ما قامت به هذه الحكومة هو عدم استطاعتها المحافظة على علاقات لبنان العربية، ولبنان من مؤسسي الجامعة العربية، وملتزم بشرعتها وبالتضامن معها. فماذا يحصل هذه الايام؟ ولماذا يسمحون لوزير مهما علا شأنه، ومهما بلغت قوة داعميه، بان يفتح على حسابه ويضرب مصالح لبنان عرض الحائط؟ لقد ساهم بخسارة الجيش مليارات الدولارات، كان يمني النفس بان يحصل بواسطتها على الاسلحة اللازمة في حربه على الارهاب، وقد حرمه منها السياسيون عديمو المسؤولية، فمن يعوض عليه هذه الخسارة؟
كذلك هذه المواقف اللامسؤولة تهدد مصير مئات الاف اللبنانيين الذين يعملون في دول الخليج، والذين يمدون عائلاتهم بما يفوق الثمانية مليارات دولار سنوياً. وهناك تهديد بتكتل عربي واسع قد تشارك فيه جميع الدول العربية لمحاسبة لبنان بسبب هذه المواقف وبدأت بوادره تظهر من خلال اجتماع وزراء الداخلية العرب وقراراتهم. وبعد ذلك يسأل الرئيس تمام سلام عما اذا كانت الحكومة فاشلة ام لا؟
وعلى الصعيد الاجتماعي، فشلت هذه الحكومة في كل شيء. فاين فرص العمل التي امنتها للشباب للحد من هجرتهم، ووقف التسكع امام ابواب السفارات للحصول على تأشيرة ترسلهم الى اي دولة في العالم غير لبنان، لان الحياة فيه لم تعد تطاق؟ اين الكهرباء التي امنتها للناس، لتخلصهم من العتمة شبه الدائمة التي يعيشون فيها؟ اي مشاريع نفذتها في هذا المجال، واين المساءلة والمحاسبة، ولماذا بعد ستة عشر عاماً على انتهاء الحرب لا يزال لبنان بلا كهرباء؟ ماذا يفعل هولاء الممسكون بالشركة، وما هو دور وزير الكهرباء في هذا المجال، ونحن لا نسمع صوتاً واحداً يطمئن اللبنانيين بان معاناتهم ستنتهي؟
اين المياه التي يفيض بها لبنان فتذهب هدراً الى البحر والناس يفتشون عن نقطة ماء يبلون بها افواههم. اين السدود التي اقاموها واين المشاريع التي تنهي هذه الازمة. نحن اليوم في عز فصل الشتاء والمياه تطل علينا مرة كل يومين لماذا؟ المواطن يدفع اشتراكه كاملاً ومن حقه ان يحصل على المياه اربعاً وعشرين ساعة على اربع وعشرين فمن المسؤول؟ ومن يحاسب؟
وعلى الصعيد الاقتصادي كل شيء متوقف. الشركات معطلة، وهي تقفل ابوابها الواحدة بعد الاخرى، والمحلات فارغة والاستثمارات تتراجع يوماً بعد يوم، بسبب هذه الحكومة الفاشلة فاين الحساب؟ ولماذا لا تزال قابعة في مكانها والناس ثائرة عليها وتريد رحيلها اليوم قبل الغد؟
وعلى الصعيد البيئي فحدث ولا حرج. لقد كتبت المجلدات عن النفايات المنتشرة في كل مكان، وما تحمله من امراض تهدد حياة الناس، وتشكل خطراً جدياً عليهم، فاين هو الحل؟ لن نسأل ولن نمني النفس بحلول، فهذه الحكومة لا خير يرجى منها. ابهذه السياسة تعمل على تشجيع السياحة، العمود الفقري للاقتصاد اللبناني، واي سائح مستعد للمجيء الى البلد والتنقل وسط النفايات التي باتت تهدد كل شيء؟
ان هذه المشاكل المستشرية تتطلب الحسم السريع، والحكومة بعيدة كل البعد عن الحسم، لا لانها لا تريد، بل لانها عاجزة مشلولة تعصف بها الخلافات من كل حدب وصوب، وكل وزير اصبح فاتحاً على حسابه. والحل؟…
ان الحل موجود طبعاً وهو يتم عبر يقظة شعبية وثورة بيضاء، تقضي على اخضر ويابس الفساد، وتأتي بطبقة سياسية نظيفة تعيد بناء البلد على اسس سليمة. فنأمل ان تكون قريبة قبل فوات الاوان.

«الاسبوع العربي»

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً

إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق