أخبار متفرقة

قرار سعودي «متدحرج» وقلق لبناني «متنامٍ»

فجأة ومن دون مقدمات هيمنت أجواء القلق والشعور بالخطر في لبنان. توقف كل بحث في الملف الرئاسي. لم يعد ملء الفراغ الرئاسي هو القضية والهدف وانخفض سقف التوقعات والطموحات الى حدود منع حصول «فراغ حكومي». الاصطفاف السياسي الذي خرج عن سكتي 8 و14 آذار لأسباب «رئاسية» يعود تدريجياً الى ما كان عليه… القيادات والقوى السياسية التي لازمها منذ خمس سنوات شعور الأمان وأن لبنان «محيّد» وفي منأى عن حروب وأزمات المنطقة، بدأت تفقد هذا الشعور وتعبّر عن قلق بالغ: الرئيس سعد الحريري يقول: «نحن نمر في مرحلة حساسة جداً»… الوزير نهاد المشنوق يؤكد: «نحن أمام أزمة جدية… الرئيس ميشال سليمان يحذر من «تدهور دراماتيكي للأوضاع»… الوزير سجعان قزي يرى «أن لبنان قادم على مطبات أمنية دقيقة»… النائب وليد جنبلاط يحذر من أن «لبنان وشعبه معرضان للخطر من كل النواحي»…
هذا التبدل في المشهد السياسي والمناخ العام، وهذا الارتفاع المفاجىء لـ «موجة القلق» حصل بعد «الإعصار الساخن» الآتي من السعودية التي لم يسبق أن انتهجت سياسة متشددة حيال لبنان ولم يسبق لها أن اتخذت بحقه إجراءات عقابية و«تأديبية». فكان من الطبيعي أن يقلق اللبنانيون.
الجميع فوجئوا بالغضب السعودي غير المعهود والذي فرض إيقاعاً جديداً في لبنان وإعادة ترتيب أولويات. والاعتقاد السائد والغالب أن ما بدأته الرياض ليس خطوة تكتيكية مرتجلة وانفعالية، وإنما يعكس قراراً استراتيجياً و«مراجعة شاملة» وتغييراً جذرياً في النظرة الى لبنان والعلاقة معه، مبنياً على قراءة للواقع المتغيّر. فلبنان الذي كانت تنظر إليه السعودية على أنه «صديق» صارت تعتبره اليوم «منصة إيرانية» للهجوم عليها، و«دولة الطائف» التي كانت المملكة ترعاها وتدعمها صارت «دولة حزب الله» المسيطر بفعل قوته العسكرية وأيضاً بسبب «الضعف السياسي» لقوى 14 آذار… وفي هذا الاعتقاد أيضاً أن السعودية ماضية في قرارها وستكمل ما بدأته من إجراءات متدحرجة مثل كرة ثلج وبوتيرة تصاعدية: وقف الهبات المالية، منع السفر، وقف الرحلات الجوية، خفض مستوى التمثيل الدبلوماسي، طرد لبنانيين، التوقف عن منح تأشيرات دخول وعمل، إلخ…
هذا المنحى «المتشدد» من جانب السعودية يمكن أن يذهب في اتجاهات سياسية فلا يقتصر الأمر على وقف المساعدات المالية وإنما يتجاوز ذلك الى وقف الرعاية السياسية ورفع الغطاء السعودي عن الواقع اللبناني الراهن. وهذا ما سيؤدي الى حصول انهيارات سياسية بدءا من الحوار الثنائي بين حزب الله والمستقبل الذي «يكاد أن يتوقف»، وصولاً الى الحكومة التي «أصبحت استقالتها واردة»…
لقد بذل الرئيس بري جهداً سياسياً مركزاً (من بروكسل) لإبقاء حوار عين التينة على قيد الحياة بعدما استعان بصديقه جنبلاط الذي لم يستطع ان يفعل شيئا، ولم يجارِ بري الحريري في رغبته تأجيل الجلسة المقررة مساء أمس، ولم يهدأ له بال إلا بعد «تمرير» جلسة حوارية مبتورة انعقدت فقط بحضور نادر الحريري من جهة المستقبل (من دون المشنوق والجسر) حتى لا يقال إن الحوار توقف وحتى لا يؤثر الأمر سلبا على مجمل الوضع… ولكن حتى هذه الجلسة العابرة بالكاد انعقدت مع مؤشر غير مطمئن هو عدم تحديد موعد لجلسة حوار جديدة. وهذا ما يحصل للمرة الأولى.
فإذا توقف الحوار يكون هذا المؤشر الأوضح الى قرب سقوط الحكومة… وإذا سقطت في ظل فراغ رئاسي يكون الوضع في لبنان قد أصبح مكشوفاً سياسياً واقتصادياً… وأمنياً أيضاً. وربما هنا مكمن القلق والخوف الأساسي من أن تعود التفجيرات والاغتيالات وأن يلتحق لبنان بالدول المحيطة به.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق