افتتاحية

عودوا الى رشدكم وارحلوا…

كان ينقص هذه الحكومة الفاشلة عقوبات تفرضها عليها دول الخليج وعلى رأسها المملكة العربية السعودية، لانها قابلت المعاملة الطيبة بالسوء. وان دل هذا على شيء فانما يدل على التفكك وعدم الانسجام داخل الحكومة، بحيث راح عدد من الوزراء يغردون خارج سرب الاجماع اللبناني، غير عابئين بانعكاسات هذا الموقف على البلاد وعلى العباد. ويقول احد الوزراء انه اذا خير بين الوحدة الداخلية والاجماع العربي فانه يختار الاولى. ولكننا نسأله هل ان الوحدة تتحقق في ارضاء فريق على حساب فريق اخر؟ ولماذا هذا الفريق وليس ذاك؟ الا يعلم معاليه ان الوحدة لا يمكن ان تصبح واقعاً طالما ان هناك وزراء يعتبرون انفسهم فوق المحاسبة ويسمحون لانفسهم بالتحكم بمصير اللبنانيين كل اللبنانيين دون ان يحاسبهم احد. اهذا حقاً ما يريده هذا الوزير؟ ما ابعد اليوم عن الامس يوم كان في لبنان رجال يعرفون كيف يراعون مصلحته برجاحة عقل وتفكير سليم. فالخفة في التعاطي مع الشؤون المصيرية تؤدي الى الهلاك، اللهم الا اذا كانت مصلحة الغير اهم من مصلحة الوطن.
الاسبوع الماضي اطل الرئيس تمام سلام عبر شاشة ال بي سي مع الزميل مارسيل غانم، فافرغ امام الرأي العام اللبناني بعضاً مما يحمله من هموم، هي في الواقع تفوق قدرة ما يمكن ان يتحمله شخص واحد. قال انه يشعر احياناً، وهو في مجلس الوزراء انه وحيد، وهذا طبيعي، لان الرئيس سلام انسان خلوق، نبيل، وشفاف، بعيد كل البعد عن الاحابيل السياسية والصفقات المشبوهة التي ملأت الاجواء وسممتها، ووضعت سمعة لبنان في الارض، بسبب طبقة سياسية فاسدة، عملت على مر السنين على تهشيم البلد ولوثت سمعته. ولم يعد احد يأخذ على الحراك الشعبي وصفه للسياسيين بالفاسدين، طالما ان الرئيس سلام نفسه وصف هؤلاء بهذه الصفة التي لا تشرفهم.
ومن الطبيعي ان يشعر الرئيس سلام بالوحدة وهو داخل قاعة مجلس الوزراء، لان الوزارات تحولت الى مراكز نفوذ، واصبح كل وزير فاتحاً على حسابه. فقبل فترة وجيزة وقف احد الوزراء في المحافل العربية والدولية ينادي بسياسته هو، وسياسة فريقه، مع كل ما لهذا الموقف من انعكاسات سيئة على مصلحة لبنان العليا، فكان ما كان وهدد مصير مئات الاف اللبنانيين في الخارج. وعبثاً حاول في وقت لاحق تبرير مواقفه ولكنه فشل في ذلك، لان رسالته كانت قد وصلت الى سامعيها وفعلت فعلها، واصبح هذا العدد الكبير من اللبنانيين ينتظرون مصيراً سيئاً بعدما تهدد مستقبلهم.
الرئيس تمام سلام فشل في تعداد انجاز سياسي واحد حققته حكومة الفساد، وعندما سئل عن انجازات هذه الحكومة تهرب من الاحراج فعدد بعض الانجازات الامنية، وهي كثيرة وتغطي على الطبقة السياسية الفاسدة. ونشكر الله ان الاجهزة الامنية على مختلف فئاتها هي من طينة غير طينة السياسيين. فهي رغم صآلة الامكانات التي حرمها اياها السياسيون، استطاعت ان تفعل الكثير الكثير، فحمت لبنان من خطر الارهابيين، وحافظت على حدوده، فاستحقت شكر اللبنانيين كل اللبنانيين، وثناء العالم باسره، الذي ابدى اعجابه بفاعلية هذه القوى. وهي لا تزال مستمرة في نهجها، زارعة الاطمئنان في قلوب المواطنين الذين يشعرون انهم في ايد امينة، ويتحسرون لو ان السياسيين يتحلون بنسبة ضئيلة مما يتحلى به القادة الامنيون.
وماذا يمكن ان يأمل اللبنانيون من هذه الطبقة التي اتخذت الفساد شعاراً لها، والتمسك بالمصالح الشخصية وحب الذات، وقد عصفت الخلافات في اوساطها حتى كادت تدمر البلد.
وكيف لنا ان نأمن شر هذه الحكومة وهي عاجزة عن تقديم اي شيء للمواطنين، بحيث اصبح للبنان مجلسان للوزراء واحد تشكل وفق الدستور فعطلوه، واخر وفق مبدأ الحوار تحال اليه كل القضايا الخلافية لحلها فاذا توصل الى ذلك ونجح تمشي الامور والا فالتعطيل سيد الموقف.
الوزير يفترض فيه ان يرعى شؤون الناس، كل حسب اختصاص وزارته ومسؤولياتها التي حددها الدستور والقوانين، ولكن احداً من هؤلاء لا يبالي بالناس، ولا يهمه ان سارت الامور لصالحهم ام لا، فالمهم مصلحته. والنائب انتخبه الشعب لينطق باسمه ويلاحق قضاياه ويحاسب الحكومة على اي تقصير بحقه. هذا في بلاد الناس، اما عندنا فالنواب عاطلون عن العمل، وجل ما يقومون به رعاية مصالحهم وصفقاتهم بعيداً عن هموم ناخبيهم. هل انتفضت الكرامة لدى واحد منهم، فوقف امام الرأي العام يعلن انه لا يقوم بواجبه، ولذلك فهو يقدم استقالته ويعيد الامانة الى ناخبيه؟ الا نستطيع ان نعثر بين 128 نائباً على من هو مستعد للوقوف هذا الموقف النبيل؟ حتماً لا. ولو كان العكس لما بقي نائب واحد جالساً على كرسي قدمها له الشعب فخان الامانة.
ماذا ننتظر من حكومة غرق شعبها بالزبالة منذ اكثر من سبعة اشهر وهي عاجزة عن ايجاد حل لها. ولما سئل الرئيس تمام سلام عن المتاجرين بالزبالة وصحة الناس التي تعاني من امراض كثيرة، بدأت تظهر هنا وهناك، قال كل السياسيين. فاين الكرامة واين عزة النفس؟ انه استخفاف واهانة للناس عندما تترك النفايات تغمرهم وتهدد حياتهم بالخطر. لقد فاحت روائح الفساد حتى طغت على رائحة الزبالة، فلماذا لا يتحرك القضاء؟
في كل يوم نسمع الدبلوماسيين الاجانب على مختلف مشاربهم يولون قضايا لبنان كل اهتمامهم، ويطالبون بانتخاب رئيس ينهي الفراغ، ويعيد الحياة الى مؤسسات الدولة، فيعز في النفس ان ترى الغريب يهتم بأمر البلد، ويحاول الحفاظ على مصالحه، واهل البلد يدمرونه. لماذا لا ينزلون جميعاً الى مجلس النواب، وقد اصبح هناك ثلاثة مرشحين، وينتخبون رئيساً وليفز من يفوز.
هذه الحكومة التعيسة تشكلت على اساس ثلاثة اشهر، وبعدها يتم انتخاب رئيس وتتشكل حكومة جديدة. ولكنها اليوم تدخل عامها الثالث بفضل هذه الطبقة السياسية الفاسدة، التي تغيب رئيس الجمهورية وكل مؤسسات الدولة. اذاً لقد انتهت مدة صلاحية هذه الحكومة وبات من الواجب ان ترحل. فالدواء الذي تنتهي مدة صلاحيته يفسد ويرمى، وهكذا الحكومات، فماذا ينتظرون؟ يقولون يجب الا تستقيل الحكومة حرصاً على مؤسسات الدولة من الفراغ ونحن نقول لهم اذا استقالت تتحول الى حكومة تصريف اعمال، وهل هي اليوم اكثر من ذلك؟ على الاقل اذا استقالت لا تعود تشكل غطاء لتجاوزات مدمرة تكاد تقضي على البلد. عودوا الى رشدكم وارحلوا فالناس لم تعد قادرة على تحملكم اكثر.

«الاسبوع العربي»

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً

إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق