افتتاحية

يفرغون جيوب الفقراء لينفخوا جيوبهم

حلم الشعب اللبناني كان على مدى اشهر طويلة، ان يكون له رئيس ليتساوى مع شعوب العالم كله الذين يتمتعون بدولة لها  كل مقومات الدولة، لها رئيس يحكمها ولها مجلس وزراء يرعى شؤونها ومجلس نيابي يشرع لما فيه مصلحة مواطنيها. غير انه بعد انقضاء سنة ونصف السنة واكثر ولبنان بلا رئيس ضاع الحلم في دهاليز الفساد السياسي.
وبما ان الحلم ضروري لكي يتمكن الانسان من متابعة مسيرته في هذه الحياة، بحثوا عن حلم آخر، هو امر طبيعي في الدول واشبه بالاحلام في لبنان. لقد تمنى اللبنانيون ان يكون لهم حكومة ترعى شؤونهم، تأخذ منهم وتعطيهم بالمقابل، فيتساوى الاخذ والعطاء. ولكن في لبنان ومنذ سنوات طويلة الحكومات المتعاقبة تأخذ ولا تعطي. فهي تمد يديها الى جيوب الفقراء الفارغة، الا من بعض قروش لا تسد جوعاً ولا تغني، فتشفطها متذرعة بتمويل مشاريع وهمية يسمع بها اللبناني ولا يراها، ليكتشف في ما بعد ان ما اخذته الدولة منه هو لتمويل الجيوب المنتفخة التي عشش فيها الفساد، وقلة الضمير. وان كنتم لا تصدقوا فازمة النفايات امامكم.
رفعوا رسوم المياه وبنسبة كبيرة لا طاقة للفقير على ان يتحملها فسكت المواطن على مضض، رغم انهم لم يستشيروه ولم يشعروه بمقصدهم. فاذا به يتوجه الى صناديق الشركة ليدفع ما يتوجب عليه، فيفاجأ بالزيادة القاتلة. وايضاً وايضاً سكت على مضض معللاً النفس بان ساعات التقنين ستخف وانه سيحصل على المياه لقضاء حاجاته المنزلية، بعد ان اصبحت قطرة المياه في بلد الينابيع الغزيرة، اغلى من نقطة الذهب. فماذا كانت النتيجة؟ نعم صدقوا لقد زادت فترة التقنين بشكل قاتل، حتى في عز فصل الشتاء. لماذا؟ لان الاموال التي تجبى لا تنفق على المشاريع المائية لتحسين الوضع، بل تذهب الى الجيوب المنتفخة.
واما الكهرباء، كارثة الكوارث، فاصبحت من النعم النادرة في هذه الايام. فهي تنقطع اذا امطرت السماء، وتنقطع اذا ارتفعت حرارة الطقس، فحبذا لو تقفل هذه الشركة ويذهب المسؤولون عنها الى بيوتهم، لان انجازاً واحداً ولو صغيراً لم يحققوا لتحسين الوضع، فعلى الاقل وفروا اجور المتربعين على عرش الشركة دون ان يكون لهم عمل يقومون به.
ومنذ ايام سربوا اخباراً لجس النبض، هي اشبه ببالونات اختبار عن زيادة اسعار البنزين، وبما ان ردة فعل الناس كانت قوية جداً تراجعوا، ولم يجرأوا على عرض الموضوع للنقاش، وهو لا يحتاج الى نقاش، لان اي زيادة ستمول الفساد السياسي وهذا هو المطلوب.
هل سألوا انفسهم من اين سيأتي الشعب بالمال ليمول ضرائبهم وفسادهم؟ ليس مهماً فليتدبر امره، ذلك ان الضرائب هي اسهل وسيلة لجمع المال، وكل الباقي تفاصيل. الناس يسألون ماذا اعطونا مقابل هذه الضرائب المرهقة المفروضة علينا؟ فليسموا لنا انجازاً واحداً حققوه للشعب وبعدها نلتزم الصمت.
هذه الاخبار الضريبية رغم بشاعتها كانت لها ايجابيات اذ انها استطاعت ان تجمع الناس وتوحدهم، على مختلف اطيافهم ومشاربهم، لان ضربات الحكومة الموجعة تصيب الجميع، ولم ينسوا بعد قانون الايجارات الجديد الذي اقره النواب برفع الاصبع دون ان يقرأوا سطراً واحداً منه فاذا بهم يدفعون مئتي الف عائلة الى التشريد والضياع. وعلى الرغم من انهم تبينوا سوء ما فعلت ايديهم لم يسارعوا حتى الساعة لتصحيح الخطأ، فقامت المشاكل واتسعت وتمددت وهي تنذر بشر مستطير. كل ذلك والنواب صامتون لماذا؟ الناس تعرف السبب. والحكومة عودت الناس على امور لا تعنيها، ولذلك لم تبادر الى وضع حد لهذه المهزلة المأساة.
لقد شكل الحديث عن الضرائب قوة شعبية ضاغطة في وجه الغباء السياسي. فالضرائب وسيلة لجأ اليها السياسيون منذ الاستقلال حتى اليوم كوسيلة هروب الى الامام، في كل مرة تواجههم المشاكل. فهم ينفخون جيوبهم ويفرغون جيوب الناس. فلماذا لا يلجأون الى موارد اخرى غير الجيوب الفارغة اصلاً، لتمويل فسادهم؟ لقد بات الوطن يحتاج الى حكومة تعطي مقابل ما تأخذ، ولكن هذا اصبح ضرباً من المستحيل. هناك وسائل اخرى لتمويل الخزينة، التي ستبقى فارغة مهما دخل اليها من اموال، بفضل هذه الطبقة الفاسدة التي لا تشبع، رغم ان جيوبها انتفخت الى حد الانفجار.
لماذا مثلاً لا تحسم نسبة مقطوعة من رواتب النواب ومخصصاتهم التي لا تنتهي، وقد مضً على وجودهم حتى الساعة اكثر من ست سنوات، ومعظمهم كانوا متربعين على عرش النيابة قبل ذلك بكثير. فهم لا يجتمعون ولا ينتجون، فلماذا ندفع لهم؟ لماذا نخصصهم بامتيازات ترهق خزينة الدولة، وهم لا يستحقون، لان من لا يعمل لا يستحق ان يقبض راتباً، فكيف بالحري اذا تكلمنا عن المخصصات؟
لماذا لا تلغى معاشات النواب السابقين، واي فضل لهم، وماذا حققوا للناس حتى يستمروا في قبض رواتب، الشعب المعدم احق منهم بها؟ هل قدموا للوطن ولو بنسبة ضئيلة ما اخذوه منه؟ لقد اثروا على حساب الشعب وافرغوا الخزينة وشاركوا وسهلوا عقد الصفقات التي تفوح منها روائح كريهة لا تشرفهم، وكل ذلك على حساب الفقير. وبعد ذلك كله يأتي المتحكمون ليمدوا ايديهم الى جيوب الناس تحت مسمى الضرائب، ليأخذوا اخر قرش فيها، هذا اذا كانت لا تزال هناك قروش في هذه الجيوب.
لماذا لا تلغى الامتيازات التي تكلف الخزينة الكثير؟ لماذا يعفون النواب من رسوم الجمرك على سياراتهم مثلاً؟ الابواب كثيرة لتحصيل المال وتنفيذ المشاريع غير جيوب الفقراء ولكنهم يلجأون الى الطريقة الاسهل. نعم لقد فشلوا في فرض زيادة على البنزين لكنهم لم يصرفوا النظر عنها، ويجب ان نبقى متيقظين لانهم سيتسللون بطريقة اخرى فيأتون مثلاً بسلة يقولون انها متكاملة، فيعطون الناس بعض القشور ويقصفونهم بالضرائب التي لم يعد لهم قدرة على تحملها. فكونوا حذرين.
منذ ايام استحدثت في الامارات وزارات للسعادات والشباب والتسامح والمستقبل، ونحن عندنا وزارات للتعاسة والتجويع والفقر. لقد وفروا من خفض اسعار المحروقات المليارات فهل يقولون لنا اين ذهبت؟ انهم لم ينفذوا مشروعاً واحداً يعالج المشاكل اليومية. ففي اي جيوب حطت؟
اننا بحاجة الى حكومة تأخذ وتعطي، ولكن انى لنا ذلك، والطبقة الفاسدة جاثمة على صدور اللبنانيين؟

«الاسبوع العربي»

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً

إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق