تقريرسياسة عربية

سرت الليبية من معقل للقذافي الى ملاذ لـ «داعش»!

بقيت مدينة سرت الليبية معقلاً للزعيم الليبي الراحل معمر القذافي لاربعة عقود، لكنها، وفي غضون عام واحد، تحولت الى ملاذ لتنظيم الدولة الاسلامية على بعد 300 كلم فقط من اوروبا الخائفة من وصول التهديد الجهادي اليها.

في المدينة المتوسطية الواقعة على بعد 450 كلم شرق العاصمة طرابلس، تقطع الايادي ويعدم الناس بشكل علني ويسود الرعب. وفي شوارعها الرئيسية، تنتشر منذ حزيران (يونيو) الماضي اعلام التنظيم الجهادي، بحسب ما يؤكد شهود عيان لوكالة فرانس برس.
وتجوب سيارات التنظيم شوارع سرت من الصباح وحتى المساء، يراقب ركابها حركة المارة واصحاب المحلات، ويفرضون على السكان اداء الصلاة في مواعيدها، ويتاكدون من عدم خروج النساء من منازلهن من دون رجل يرافقهن.

وضع مأساوي
ويقول مسؤول في المجلس البلدي لسرت «الوضع مأساوي جداً، فالحياة المدنية معدومة، والاحكام المتشددة التي كنا نشاهدها في التلفزيون في العراق وسوريا باتت تفرض على السكان هنا».
ويتابع هذا المسؤول الذي فضل عدم الكشف عن اسمه والمتواجد خارج سرت حالياً «ما تبقى من سكان المدينة البالغ عددهم اصلاً 180 الف نسمة، اصبحوا اسرى الخوف والرعب، وايضاً ضحايا التهميش واهمال السلطات».
وتحولت سرت منذ ان سيطر عليها تنظيم الدولة الاسلامية بالكامل في حزيران (يونيو) الماضي بعد ستة اشهر من اعلانه وجود خلايا له فيها، الى قاعدة خلفية له، يدرب فيها المقاتلين الليبيين والاجانب.
ومع الضربات المستمرة التي يتلقاها هذا التنظيم في سوريا والعراق، اصبحت سرت التي تضم مطارا وميناء يبعدان نحو 300 كلم عن ايطاليا، محطة رئيسية لاستقطاب المتشددين وارسالهم لتنفيذ عمليات في الخارج، بحسب تقارير عدة.
ويقول مسؤول في المجلس المحلي للمدينة لفرانس برس ان تنظيم الدولة الاسلامية يعمل على تحويل سرت الى «معقل جهادي كبير، حيث اصبح يفرض على المدارس، التي بقيت ابوابها مفتوحة، تدريس الجهاد».
وتابع «يتعلم التلاميذ الصغار الذين فصل الذكور منهم عن الاناث، الجهاد في مدارسهم، فيما يتلقى آباؤهم في الوقت نفسه دروساً مماثلة عن الجهاد في المساجد وفي اماكن اخرى».

قاعة واغادوغو الشهيرة صارت «قاعة الفلوجة»
وذكر هذا المسؤول ان تنظيم الدولة الاسلامية اصبح يطلق اسم «قاعة الفلوجة» على قاعة واغادوغو الشهيرة التي كانت تستقبل ابان نظام القذافي مؤتمرات واجتماعات وقمماً عربية ودولية وافريقية.
وذكر ان «موقف السيارات يمتلأ عن اخره كلما دعا التنظيم سكان المدينة الى حضور درس ديني في هذه القاعة، فالسكان يخشون ان يعاقبوا اذا لم يحضروا».
ومنذ ان سيطر على المدينة، نشر تنظيم الدولة الاسلامية تسجيلات وتقارير مصورة عديدة عن الحياة اليومية في سرت، بينها مشاهد من محلات بيع الحلوى واللحوم، في محاولة لاظهار وتيرة حياة طبيعية فيها.
لكنه لم يتوان ايضاً عن نشر تقارير تظهر عمليات قطع ايادي اشخاص اتهموا بالسرقة، واعدامات في الساحات العامة في حق اشخاص اتهموا بممارسة السحر، او التجسس، او غيرها…
ويقول المسؤول في المجلس البلدي «اعلن عن 37 عملية اعدام بحق اشخاص في المدينة منذ دخول التنظيم الى سرت قبل عام، بعضهم من الليبيين، لكن آخرين يحملون جنسيات عربية مختلفة بينها مصرية ومغربية».

«حصاد الجواسيس»
واعلن التنظيم الاربعاء في تقرير بالصور بعنوان «حصاد الجواسيس» نشر على الانترنت، اعدام ثلاثة اشخاص في سرت بتهمة التجسس لصالح تحالف «فجر ليبيا» الذي خاض معه معارك استمرت اسابيع قبل ان يطرده من كامل سرت ومحيطها في حزيران (يونيو).
ودفع سقوط سرت في ايدي تنظيم الدولة الاسلامية نحو سبعة الاف من سكانها الى مغادرتها نحو مناطق قريبة، بينها طرابلس ومصراتة (200 كلم شرق طرابلس)، بحسب المسؤول في المجلس البلدي.
ويقول المسؤول المحلي ان النازحين من سرت الى المناطق الليبية الاخرى «يتعرضون للتهميش من السلطتين»، السلطة المعترف بها دولياً في شرق ليبيا والسلطة الموازية في طرابلس وغرب البلاد.

من الدلال الى النسيان
وتعرضت سرت التي كانت «مدللة» في ظل حكم القذافي خلال الثورة ضد النظام السابق لدمار كبير.
وفي هذه المدينة التي هي الموطن الاصلي لأبناء قبيلة القذاذفة، اعتقل معمر القذافي في 2011، وقد لجأ اليها بعد سقوط طرابلس بايدي الثوار في نهاية آب (اغسطس) من العام ذاته.
ودفعت سرت ثمن دعمها للقذافي غالياً. فقد تحولت شوارع باكملها عقب انتهاء المعارك الى مبان مهدمة، بينما ظل سكانها ينتقدون السلطات الجديدة ويتهمونها بتهميشهم والانتقام منهم، وباتوا يطلقون على مدينتهم اسم «المنسية».
وتقف السلطات المتنازعة على الحكم اليوم عاجزة عن استرداد المدينة من ايدي تنظيم الدولة الاسلامية في انتظار تحرك دولي محتمل في ليبيا في ظل اعلان دول كبرى عن خشيتها من الخطر الجهادي المتصاعد على ابواب اوروبا.
ويقول المسؤول في المجلس البلدي ان «السلطات في ليبيا ومنذ توليها الحكم بعد سقوط النظام السابق تهتم بكرة القدم اكثر من اهتمامها بسرت. فهل ان سقوط المدينة بيد داعش يشكل فارقاً بالنسبة اليها؟».

أ ف ب

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق