افتتاحية

المعطلون 8 اذار والمسؤولية على 14 اذار

الجميع في الداخل والخارج باتوا يعرفون بما لا يقبل الشك ان قوى 8 اذار هي التي تشل الدولة، بعد ان عطلت المؤسسات كلها. فما ان حل الخامس والعشرون من ايار (مايو) 2014 تاريخ انتخاب رئيس جديد للجمهورية، حتى وقفت قوى 8 اذار وقفة واحدة معلنة انها لا تقبل الا بمرشحها لرئاسة الجمهورية، فاما هو واما الفراغ، متجاوزة كل المبادىء الديمقراطية التي تنص على المناقشة البناءة للوصول الى ما فيه مصلحة البلد، متجاهلة انها ليست وحدها على الساحة وان نصف اللبنانيين يعارضون هذا الطرح. حوالي 25 جلسة نيابية، دعا اليها رئيس المجلس نبيه بري لانتخاب رئيس للبلاد، قاطعوها كلها، وحالوا دون التوصل الى مرشح تفاهم يرضي الجميع ليترأس البلاد.
وغير صحيح ان مرشح التفاهم ليس الرئيس القوي المطلوب في هذه المرحلة. فهناك اناس يتمتعون بكفاءة عالية تفوق بكثير كفاءة المرشحين المفروضين على الساحة، ولكنهم يعملون على طمسهم واخفائهم، بحيث لا يكون على الساحة سوى مرشحهم وبحيث لا يعلو صوت على صوتهم.
لم يكتفوا بذلك بل راحوا يتهمون الفريق الاخر بالتعطيل ويطلقون التبريرات التي لا تدخل في رأس عاقل. فمرة يقولون انهم يفعلون ذلك حفاظاً على مصلحة المسيحيين، متجاهلين انهم يضربون اكبر مركز مسيحي في الدولة. ومرة اخرى يقولون انهم يحافظون على الدستور وهم يطعنون الدستور، وغير ذلك من الحجج التي لا تنطلي على عاقل، وهم يعلمون ذلك، ولكن من قال ان رأي الناس والشعب اللبناني يهمهم.
ومنذ اسبوعين رأوا، ورأت جهات اقليمية تقف وراءهم، ووراء التعطيل، حفاظاً على ورقة مساومة في المفاوضات حول استحقاق داهم، انه يجب تعطيل العمل الحكومي ايضاً فكان لها ما ارادت، واصبحت كل مؤسسات الدولة معطلة، فاي مصلحة للبنان في كل هذا؟ وماذا يجني البلد من وراء هذا الشلل، سوى خرابه وخراب اقتصاده وضرب مقوماته بعد ان كان على الدوام مدار احترام جميع دول العالم. فاردوا بفعلهم هذا ان يعطلوا دوره، وبايد لبنانية تدعى ان همها مصلحة البلد، فيا له من زمن.
واخيراً وليس اخراً، يركزون حالياً على مؤسسة الجيش، وهي المؤسسة الوحيدة التي تعمل، بعيداً عن كل المناكفات السياسية والمصالح الشخصية، ويحاولون ضربها وايقاع الخلاف بين ضباطها، ولكن هؤلاء هم ابعد الناس عن الوقوع في فخ السياسيين القائمين بهذه المحاولات.
اذا اردنا ان نعدد الاضرار التي تلحقها قوى 8 اذار بالبلد لاحتجنا الى مقالات كثيرة لشرح تفاصيل الواقع القائم. ولكن الاوراق باتت مشكوفة والكل يعرفون الحقيقة، باستثناء بعض المنتفعين اللاهثين وراء مصالحهم الخاصة والذين لا يبصرون او انهم لا يريدون ان يبصروا.
صحيح ان قوى 8 اذار تتحمل كل هذه المسؤوليات، ولكن المسؤوليات الاكبر تتحملها قوى 14 اذار، المتقاعسة الواهنة التي لم تحقق انجازاً واحداً منذ ان بايعتها الاكثرية الساحقة من الشعب اللبناني. فلماذا وصلت الاوضاع الى هذه الحالة، ومن اين استمدت قوى 8 اذار كل هذه القوة؟
في 14 اذار 2005 نزل الى الارض وبدون مبالغة، اكثر من مليون ونصف مليون لبناني، بعضهم استطاع الوصول الى ساحة الحرية في وسط بيروت فيما ملأ الاخرون الشوارع والطرقات، فشكلوا بحراً بشرياً تماوجت فيه الرؤوس والاعلام الوطنية، فاذهلوا العالم بهذا المشهد الذي لا يمكن ان ينتزع من الذاكرة. هذا الحشد البشري لم يتغير، ولكنه يئس من تخاذلهم، فانزوى وغاب عن الساحة ولو ارادوا جمعه مرة جديدة لفشلوا.
بدأ تخاذل قوى 14 اذار بالتمديد لرئيس الجمهورية انذاك اميل لحود، بضغط من سوريا، واستجابة من قوى 8 اذار. وعلى الرغم من قرار مدو حصلت عليه قوى 14 اذار من مجلس الامن الدولي ورقمه 1559، وبالرغم من التوكيل الذي منحها اياه اكثر من نصف الشعب اللبناني، لم تقم بخطوة فعالة واحدة تمنع هذا التمديد، مع العلم انه كانت بيديها اوراق كثيرة لفعل ذلك. الا انها تراجعت امام ضغوط 8 اذار وخسرت اوراقها وتم التمديد، ثم راحت هذه الاوراق تسقط الواحدة تلو الاخرى امام كل تخاذل من قبل 14 اذار. فصح قول المثل «الفاجر يأكل مال التاجر». وشيئاً فشيئاً استعادت قوى 8 اذار زمام المبادرة وتراجعت قوى 14 اذار وهي لا تزال تتراجع حتى اليوم، حتى اصبحت الكلمة الاخيرة لقوى 8 اذار واصبحت 14 اذار مهمشة فصح بها قول الشاعر»:
اعطيت ملكاً فلم تحسن قيادته كذا من لا يسوس الملك يخلعه.
نعم المعطلون هم 8 اذار، لانهم يخدمون مصالحهم ومصالح من يقف وراءهم من القوى الاقليمية، ولكن المسؤولين دون ادنى شك هم قوى 14 اذار المفككون المشرذمون الذين لا كلمة لهم. فهل يعودون الى تكاتفهم وتضامنهم فيواجهون بقوة وثبات ويستعيدون ما هو لهم؟ ان الشعب اللبناني لمنتظر فعسى الا يكون الانتظار طويلاً.

«الاسبوع العربي»

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق