افتتاحية

اتفق المسيحيون فما هو عذركم؟

كان ضرورياً ان يحصل لقاء معراب بين العماد ميشال عون والدكتور سمير جعجع ليكشف امام الرأي العام المحلي والخارجي النوايا السياسية التي تتحكم بمصير هذا البلد، والمتوقع ان تقوده الى الخراب، وهو على كل اصبح بهمة هؤلاء السياسيين على شفير الهاوية، عنوانه الرئيسي الخلافات والانقسامات، دون اي مراعاة لمصلحة هذا الوطن الذي يستفيدون من خيراته ويلقون في بئره حجراً كبيراً يسد كل الطرقات.
لقد بات مؤكداً ان احداً من السياسيين المعنيين اللاعبين على الساحة لا يريد ان تنعم البلاد برئيس للجمهورية يعيد الى المؤسسات المشلولة والمعطلة حيويتها. ذلك انهم كلهم ألفوا الفراغ، واستفاد كل منهم على طريقته، ووفق ما تتطلب مصلحته، وبات كل طرف سياسي فاتحاً على حسابه دون مراعاة للاخرين، دون احترام الشراكة التي يجب ان تطبق في ادارة هذا البلد.
منذ بداية الازمة الرئاسية واستحكام الشلل في قصر بعبدا، تردد كم كبير من الشعارات. قالوا مثلاً ليتفق المسيحيون على مرشح ونحن نمشي به دون اي جدال. وقال اخرون مرشحنا فلان ونؤيده من باب اخلاقي ووفاء منا لمواقفه ورداً للجميل. وقيل الكثير لصالح هذا المرشح او ذاك يوم كان حلم التأييد بعيداً. ولما اتفق المسيحيون على مرشح، طبعاً ليس كل المسيحيين لانه من المستحيل ان يلقى اي شخص في العالم التأييد الكامل، ولكن اتفاق معراب أمن على الاقل الجانب الاكبر من المجتمع المسيحي – لما اتفق المسيحيون ظهرت النوايا. فكيف ردوا على هذا الاتفاق؟
لقد تنصل الجميع من شعاراتهم التي اطلقوها، ولم يشأ طرف واحد ان يشذ عن القاعدة، ويعلن بالفم الملآن انه سيلتزم بطروحاته، وساد صمت مطبق اذهل الناس الذين كفروا بهؤلاء السياسيين، الذين لا يلتزمون بكلمة ولا يحترمون رأياً، سبق لهم ان جاهروا بانهم مستعدون لتأييد من يتفق عليه المسيحيون فلماذا لا ينفذون وعودهم، ولماذا وقفوا صامتين مذهولين وكأنهم لم يكونوا يصدقون بأن المسيحيين يمكن ان يتفقوا، واعتقدوا ان تنفيذ شرطهم ضرب من المستحيلات. والذين رددوا على مدى حوالي السنتين انهم مع العماد عون. وها هو العماد عون مرشح ومدعوم من القوات اللبنانية، فلماذا يلتزمون الصمت. هل راهنوا مثلاً على ان العماد عون لا يمكن ان يصبح يوماً مرشحاً جدياً؟
ثم ان المسيحيين الاخرين، لماذا لا ينضمون اليه ويؤلفون جبهة واحدة تستطيع ان تقاوم العواصف المتجهة نحوهم. الم يكتفوا بعد من التفرقة والتهميش الذي يضعهم فيه شركاؤهم في الوطن.
النائب سليمان فرنجية تدل كل الاحصاءات على انه يتمتع بتأييد عدد كبير من النواب يفوق اي عدد يتمتع به غيره، حتى العماد عون نفسه، فلماذا لا يبادرون الى انتخابه، وينقذون البلد من الضياع؟ لقد قدم شبه مشروع للحكم تميز بالاعتدال والشفافية فلماذا اداروا له ظهورهم؟
ان كل فريق من الافرقاء وضع شروطاً لا يمكن ان تنطبق على احد لانها اشبه بالمعجزات في هذا الوسط، فلماذا هذا التناحر؟ ان المرشحين الحاليين العماد عون والنائب سليمان فرنجية لهما دين بذمة بعض الاطراف وهم يأملون ان تبادل هذه الفئات المعروف بالمعروف. فكلاهما ايدا هذا السياسي او ذاك في معاركه السياسية فهل هم على استعداد لمبادلتهما؟
لقد تحولت الساحة الى صف مدرسي للامتحانات. فحزب الكتائب وجه اسئلة الى العماد عون ليجيب عليها قبل 8 شباط المقبل، وسمير جعجع قال انه امتحان لحزب الله قائلاً له: منذ اول يوم الفراغ، وانت تقول ان مرشحنا هو العماد عون فلماذا تلزم الصمت اليوم؟ هل غيرت رأيك؟
على كل حال استسلام 14 اذار دفع قادة هذه القوى الى ترشيح اثنين من 8 اذار، متناسين انه في 14 اذار شخصيات تتمتع بكفاءة عالية تؤهلها لان تحتل منصب الرئاسة فلماذا هذا الترشيح ولماذا هذا الانكسار؟
باختصار نردد ان لا احد في لبنان يريد ان يكون للبلد رئيس، لانه مع وجود رئيس تعود المؤسسات الى العمل، وهذا ما لا يريده كثيرون، لانهم اليوم وسط هذا الفراغ القاتل كل طرف فاتح على حسابه. فبالامس القريب، وقف لبنان وحده بين اكثر من ستين بلداً ممتنعاً عن ادانة ايران لاحراقها السفارة السعودية في طهران، رغم ما للسعودية من اياد بيضاء على هذا البلد. وتكرر المشهد في مناسبة اخرى وكان الموقف اياه. فهل هذا يجوز؟ وما رأي رئيس الحكومة وبقية الوزراء بهذا الموقف؟ لو كان في قصر بعبدا رئيس لما وصل الوضع اللبناني الى هذا الدرك من الانحياز الخاطىء والقاتل ضد مصلحة لبنان.
هذا الموقف اشعل المواجهة بين تيار المستقبل بلسان الرئيس الحريري والتيار الوطني الحر. فلماذا كل هذه المناحرات ولماذا لا يتوحد موقف لبنان ليسترجع احترامه بين الدول.
وهنا يطرح السؤال لماذا هذا الصمت الشعبي، وصوت الشعب يجب ان يكون فوق كل الاصوات؟ ولماذا هذا التخاذل؟ على الحراك الشعبي ان يتشبه بتونس ولا يتراجع امام ضغوط، ويواصل نضاله من اجل لبنان الغد، من اجل لبنان افضل.
والسؤال المطروح الان ما هو مصير جلسة 8 شباط المخصصة لانتخاب رئيس للجمهورية؟ هل ينزل النائب عون ونوابه الى المجلس ويواجهون سليمان فرنجية ومؤيديه وليفز من يفوز؟
وهل ينزل حزب الله الى المجلس، وهل حقاً هو يريد عون رئيساً وتجرى الانتخابات؟ البعض يقول ان حزب الله لم يبدل موقفه ولكنه محرج لان الترشيح جاء من معراب، فهل هذا صحيح؟ ولماذا لا يتجاوز هذه الشكليات، ويعيد الى المؤسسات حياتها وحيويتها؟
صحيح ان 8 اذار انتزعت ترشيحين من 14 اذار لصالحها، ولكن هل هي كسبت المعركة؟ واذا كان هذا صحيحاً فلماذا لا تقطف ثمرة نجاحها، فتسارع الى تبني ترشيح واحد من الاثنين المرشحين وتمشي به الى النهاية؟ فالناس لم يعد يهمها من يصل الى قصر بعبدا، بل كل ما يهمها ان تتحقق مصالحها بعدما وصلت الى درجة قاتلة من الاهمال، وقد غطتها النفايات وانتشرت الامراض. اهمال وعوز وفقر لم يعرفوا مثلها حتى في عز الحرب الاهلية. فالى اين نحن سائرون؟ الشعب وحده يعرف الحل، وهو يتجسد بابعاد كل هذه الطبقة السياسية، فهل يقدم ام انه سيبقى مجمداً مسيطراً عليه جبنه وخوفه؟

«الاسبوع العربي»

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً

إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق