افتتاحية

لبنان بحاجة الى ديكتاتور عادل يطيح الطبقة السياسية

التسوية التي تحدثوا عنها لملء الفراغ في رئاسة الجمهورية، سواء جمدت ام انها لا تزال مستمرة، عبر الاتصالات الدائرة فوق الطاولة وتحتها، لها وجه ايجابي لا بد من استغلاله، لوضع حد للشغور والشلل والتعطيل، وهو انها حركت قضية الرئاسة بعد ان كادت تصبح منسية ولم يعد يهتم بها احد، وربما هذا ما كان كثيرون يريدونه.
هذه التسوية تظهر في حال سقوطها ان الزعماء المسيحيين لا يريدون ان يعتلي احد سدة الرئاسة الاولى، وكل واحد منهم يرى نفسه المؤهل لاحتلال هذا المنصب والا الفراغ. واذا استمروا في مواقفهم، فانهم بذلك يكونون قد ضربوا اهم مركز في الدولة، مخصص للمسيحيين، فيما مراكز بقية الاطراف والطوائف مؤمنة على افضل وجه. ومن غير المقبول ان ينبري زعماء الموارنة بعد اليوم ويتهموا افرقاء اخرين بتعطيل الانتخابات. صحيح ان هناك قوى لا تريد اجراء انتخابات رئاسية، وهي تريد ان يبقى الوضع على ما هو عليه، ولكن الفرصة اليوم سانحة للمسيحيين للخروج بالبلاد من المأزق. فلماذا لا يتصرفون، ويفشلون مخططات من لا يريدون الرئاسة؟
ماذا يعني بقاؤهم على مواقفهم؟
ان الامور واضحة ولا تحتاج الى دليل. فزعماء الموارنة يعتبر كل واحد منهم انه هو المؤهل دون غيره لتسلم مقاليد الحكم. فاذا رشح واحد منهم، ينسى الثلاثة الباقون خلافاتهم ويلقون بها جانباً، ويتكتلون لتعطيل هذا الترشيح، واذا اختير مرشح من خارج هذه المجموعة، فانهم سيتضامنون كلهم للوقوف بوجهه ومنعه من الوصول. وهكذا ادخلوا البلاد في دوامة لا حل لها، لا من الداخل ولا من الخارج وكأنه كتب على هذا البلد ان يبقى بلا رئيس بفعل سياسة فيها الكثير من الانانيات والمصالح الخاصة، التي لا تنسجم مع مصلحة البلد.
هل فكروا مثلاً ماذا لو اتفقوا على شخص وطني كفوء يتمتع بصفات تؤهله لان يكون رئيساً للبلاد، فينتخبوه ويلتفوا حوله لاعطائه القوة، فيتمكن من ان يحكم ويتغلب على المصاعب التي تواجه لبنان في هذه المنطقة التي تغلي بالازمات الساخنة، والتي في حال استمرار الفراغ، فانه سيشكل خطراً على البلد واهله؟
ان اول عمل يقوم به رئيس جمهورية منتخب بتأييد جميع اللبنانيين، هو ان يبادر الى السهر على وضع قانون جديد للانتخابات، يراعي مصلحة جميع الطوائف فلا تشكو واحدة منها من غبن يلحق بها. فقانون الستين الذي يجرون الانتخابات على اساسه، حرم المسيحيين من الوصول الى حقوقهم اذ ان عدداً كبيراً من نوابهم ينتخبون بارادة غير مسيحية، نظراً الى التقسيم الاداري الخاطىء، هذا فضلاً عن ان هذا القانون تجاوزه الزمن بعد مرور نصف قرن واكثر على وجوده.
لقد حاولوا تجميله في مؤتمر الدوحة الذي انعقد بمبادرة خارجية بغية وضع حد للخلافات السياسية، التي كانت ولا تزال تعصف بهذا الفريق السياسي، الذي لا يستحق باي شكل من الاشكال ان يحكم البلد ويتسلم مقدراته، فماذا كانت النتيجة؟ انهم بدل ان يصلحوه ليصبح متلاءماً مع مصالح كل الاطياف، عمدوا الى تفخيخه تأميناً لمصالح شخصية واقليمية، من مثل الثلث المعطل الذي كان من اشد العقبات التي اعترضت طريق الحكم، الى ان استخدموه بعد فترة لاسقاط الحكومة رغم توقيعهم في الدوحة على عدم استخدام هذا الثلث لابعاد فلان او فلان.
ان وضع قانون انتخابات عصري جديد، ينهي كل هذه العقبات، ويفتح الطريق امام الجميع للوصول الى حقوقهم، شرط ان يرتكز على النسبية وان يراعي مصلحة الوطن لا مصلحة هذا الفريق او ذاك ولا مصلحة هذا التكتل او اخر.
واول بادرة يجب ان يلجأ اليها رئيس الجمهورية، اذا قدر لهذا البلد ان ينعم برئيس، هو ايجاد حل لقضية الشغور. فهل يجوز عند انتهاء كل عهد ان ينتظر اللبنانيون اشهراً وسنين ليكون لهم رئيس. لقد اعتمدت الدول المتحضرة حلولاً لهذه المعضلة. فمثلاً يجب بعد جلستين او ثلاث، يتفق على العدد بين السياسيين، فلا تعود اكثرية الثلثين ضرورية لانتخاب رئيس، بل تجرى الانتخابات بالاكثرية، اياً تكن نسبة هذه الاكثرية، وهكذا لا يعود مصير بلد بكامله معلقاً على مزاج شخص، او فريق يملك قوة تعطيل النصاب ضد ارادة الاكثرية.
ففي بلدان العالم هناك اكثرية تحكم واقلية تعارض فلا تستطيع المعارضة ان تنتصر على الاكثرية متسلحة بقانون اعوج، فلماذا لا نلجأ الى هذه الحلول، وهي حلول بسيطة لا تكلف شيئاً؟
الجواب طبعاً هو عند السياسيين الذين وصلوا الى مراكزهم في غفلة من الزمن ويريدون المحافظة على مكاسبهم، فامعنوا في تهديم المؤسسات، الامر الذي انعكس شللاً وتعطيلاً، واوصلوا سمعة البلاد في الخارج الى اسوأ الدرجات، حتى بتنا مثلاً يضرب به في السوء.
لقد اختلفوا على كل شيء وعطلوا كل شيء، فاصبح الحكم في موت سريري. وكيف لهم ان يحكموا ويسيروا امور البلد نحو التطور والنمو. لقد فشلوا في الاتفاق على رفع الزبالة من الشوارع وحتى امام ابواب المنازل فكيف يمكن ان يتفقوا على حكم البلد وكل واحد من هذه الطبقة السياسية يبحث عن مصلحة له ولاولاده ولعائلته؟
لم يكتفوا بزرع الخلاف في ما بينهم، بل نقلوه الى محازبيهم وانصارهم، فكادت البلاد ان تغرق في الفوضى واللااستقرار، حتى وصلت الى حافة الفتنة، وكل فريق واقف على سلاحه ينتظر اشارة البدء بـ «العمل» الذي نتج عن سوء سياستهم وفسادهم. صحيح ان ابناءهم هم بمنأى عن اي خطر امني يتهدد لبنان لانهم ارسلوهم الى الخارج حفاظاً على سلامتهم مما جنت ايديهم هم. ولكن الا يخشون ان يطاولهم الخطر هم انفسهم؟
لقد بتنا بحاجة الى ديكتاتور عادل، وحازم لا يلين امام المغريات يطيح هذه الطبقة السياسية الفاسدة، ويضعها في غياهب السجون ويعيد تأسيس البلاد والمؤسسات على مبادىء سليمة، فينعم المواطنون بما يستحقون بعد هذا العناء الطويل بالامن والاستقرار. فهل من وجود لهذا الديكتاتور؟

«الاسبوع العربي»

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً

إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق