افتتاحية

متى تستقيم الامور ويتساوى الكل امام القانون؟

امتنع النائبان جمال الجراح وزيادة الاسود (قبلهما وزير الطاقة ارتور نظريان) عن المثول امام القضاء، للادلاء بشهادتيهما عما تفوها به عبر شاشات التلفزة عن فضائح وفساد تتناول قطاع الكهرباء، متذرعين بحصانة غير شرعية فقداها منذ التمديد الاول للنواب، الذين تجاوزوا ارادة الشعب الذي وكلهم، واستخفوا به ثم عادوا مجدداً ومددوا لانفسهم، وهذه المرة لامد طويل اثار الرأي العام الذي اعلن براءته من هؤلاء الممدين عن غير وجه حق ولايتهم التي لا تغطيها شرعية.
النائبان المستدعيان للشهادة غابا عن السمع فشجعا بعملهما بقية السياسيين واعطياهم الحجة بالاستمرار في فسادهم، باعتبار ان القضاء غير قادر على الوصول اليهم. وانهم خارج المحاسبة وهكذا فان السياسيين المتهمين بعدم تسديد ما يتوجب عليهم الى شركة الكهرباء، لن يقدموا بعد الان على دفع ديونهم، باعتبار انهم يتمتعون بالحصانة. كذلك فان الوزير ارتور نظريان ساهم هو الاخر بعدم مثوله امام القضاء للادلاء بشهادته وتزويد القاضي بالمعلومات ليكشف الفضائح ويحاسب الفاسدين وما اكثرهم، لقد ساهم بالتشجيع على الفساد وارتكاب المعاصي.
الم يساو القانون بين جميع اللبنانيين؟ واي حصانة يختبىء وراءها بعض السياسيين وهم يعرفون انها ساقطة قانوناً، لان ولايتهم انتهت يوم مددوا لانفسهم في المرة الاولى. وهكذا عطلوا القضاء الذي هو امل اللبنانيين جميعاً – طبعاً ما عدا المرتكبين – واوقفوه عاجزاً عن كشف فضائحهم واستعادة الاموال المسروقة من جيوب المواطنين وخزينة الدولة. وطالما دافعنا عن القضاء وطلبنا اليه رفض كل الضغوط السياسية والوقوف الى جانب العدل، والناس كلهم وراءه. فالى متى يستمر السياسيون الفاسدون في الهروب من امام وجه العدل، والى متى سيبقى اللبناني يدفع ثمن تصرفات طبقة، تنصب نفسها ولية على هذا الشعب الذي يرفضها اساساً وتتحكم برقابه؟
استبشرنا خيراً بالحراك الشعبي الذي ثار ضد الفساد وطالب بتغيير الطبقة السياسية كلها. وتأملنا بفرج يتم على ايدي هؤلاء. فمن منا لا يريد ان ترفع النفايات من الشوارع وتنقل الى حيث يجب ان تكون، ومن منا لا يريد ان تعود الكهرباء الغائبة اربعاً وعشرين ساعة الى المنازل، وقد انفق عليها المواطنون من جيوبهم اكثر من ثلاثين مليار دولار اميركي، ولا تزال شركة الكهرباء تستنزف الجيوب الفارغة؟ ومن منا لا يريد ان يستفيد من المياه التي يدفع رسومها مع الزيادات العشوائية التي تفرضها شركة المياه على المواطنين دون استشارة احد؟ ان من حق المواطن ان يستفيد من المياه 24 ساعة على 24 لانه يدفع ما يتوجب عليه كاملاً، غير ان الشركة لا تمده سوى بثلاث او اربع ساعات كل 48 ساعة. افلا يحق له ان يلجأ الى القضاء ويطالب بحقوقه التي تسلبها منه شركة المياه، مع العلم ان لبنان هو بلد المياه وخزان المنطقة؟ ولكن بفضل هؤلاء السياسيين المتربعين على كراسيهم منذ عقود طويلة، تذهب المياه الى البحر ويبقى اللبنانيون عطشانين، فهل هناك اسوأ من هذا الواقع المرير؟
من منا لا يريد رئيساً للجمهورية، يعيد المؤسسات الرسمية كلها الى العمل لتقوم بواجبها في خدمة المواطنين؟
لقد رأينا احزاباً وجهات تتظاهر على طريق القصر الجمهوري وفي الساحات العامة مطالبة بانتخاب رئيس. والموجع في هذا الامر ان الذين يطالبون بالرئيس هم الذين يسدون طرقات القصر الجمهوري ويمنعون انتخاب رئيس للدولة من خلال مقاطعتهم جلسات مجلس النواب المخصصة لانتخاب رئيس، فضد من اذاً يتظاهرون؟ هل هم يتظاهرون ضد انفسهم؟ وهل يعتقدون انهم قادرون على غش الناس والاستخفاف بعقولهم؟
ان السياسة الفاسدة لم تترك باباً الا ودخلته. فأفسدت كل شيء وحولت حياة المواطنين الى جحيم.
نعم كنا نأمل ان يتمكن الحراك الوطني، رغم عدم توحيد الشعارات التي رفعها، من ان يصحح بعض الامور فيساهم في رفع النفايات، واصلاح القطاع الكهربائي وتأمين المياه، هذه الحاجات الضرورية للحياة اليومية، غير ان ما شاهدناه في تلك الليلة التي غطت فيها الحجارة ساحات وسط بيروت بطبقة اذهلت الرأي العام، الذي اكتشف ان هذه الحركة كان مخططاً لها، والا من اين اتوا بكل هذه الحجارة وفي لحظات؟ ان الفلسطينيين في الضفة الغربية وقطاع غزة لم يجمعوا يوماً في انتفاضاتهم على العدو الاسرائيلي هذه الكمية من الحجارة، فلماذا كل هذا الحقد على القوى الامنية اللبنانية؟
اننا نعرف وجميع اللبنانيين يعرفون ان هناك جهات سياسية متضررة من الحراك الوطني، ترسل مندسين الى الحراك الشعبي، ليشوهوا مسيرته وهم الذين يقومون بهذه الاعمال المرفوضة، فلماذا لا يتنبه المسؤولون عن الحراك الى مثل هذه الاعمال فيقفون بوجهها ويمنعونها بكل قوة وبأي ثمن، لانها تساهم في خسارة تأييد الناس والرأي العام كله، بعد ان هللوا لهم ودعموهم بكل الوسائل.
ان اول ما يجب ان يقوم به المسؤولون عن الحراك، ونحن نعلم انهم صادقون في تحركهم، هو ان يوحدوا شعاراتهم وينضوا تحت لواء قيادة واحدة تضم جميع الحركات وفرض رقابة صارمة بالتعاون مع القوى الامنية التي هي حتماً ليست ضد تحركاتهم، ولكنها ضد هذه الفوضى العامة، وبذلك تنتظم الامور، ويعطي الحراك الشعبي ثماره ويحقق اهدافه، وفي ذلك خدمة كبيرة للمواطنين. فمتى تستقيم الامور؟ ومتى تصل يد العدالة الى جميع المرتكبين؟ اننا لمنتظرون.

«الاسبوع العربي»

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً

إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق