افتتاحية

لماذا لم يستفد اوباما من تجارب الماضي؟

واخيراً اصبح ما كان منتظراً حقيقة، ووقعت الدول الست الكبرى وايران الاتفاق النووي، الذي ينهي سنوات طويلة من الحصار الاقتصادي المفروض على ايران، بعد اتهامها بالعمل على امتلاك القنبلة النووية. ولكن هل صحيح ان ايران لم تعد قادرة على صنع قنبلة نووية، وان هذا الخطر زال بتوقيع الاتفاق؟
منذ اعلان الاتفاق والتعليقات تتوالى، وردود الفعل تصل تباعاً، وهي متناقضة. بعضها مرحب والبعض الاخر متشائم، ويشن حملة شعواء على الولايات المتحدة، وعلى الرئيس اوباما بالذات، لانه هو الذي قاد الاندفاعة نحو توقيع الاتفاق.
تتساءل بعض التعليقات هل ان الرئيس الاميركي واثق من ان ايران لن تمتلك القنبلة النووية؟ وما هي الادلة التي يملكها على ذلك؟ لقد كان على الرئيس اوباما ان يتعظ مما حصل في كوريا الشمالية التي وقعت اتفاقاً مع الرئيس الاميركي السابق بيل كلينتون، وهي اليوم تعد قوة نووية عسكرية، الا يمكن ان تتبع ايران المسار عينه؟ وماذا بعد انتهاء مدة الاتفاق، عندما تتفلت ايران من كل القيود، وتصبح قادرة على فعل ما تشاء؟
يضاف الى ذلك، ان ايران بعد ان تستعيد مليارات الدولارات  تصبح قادرة على الانفاق اكثر. وهذا الانفاق سيشمل القطاع العسكري، فما هو موقف الرئيس اوباما، او بالاحرى موقف الولايات المتحدة اياً يكن الرئيس الذي يحكمها في تلك الفترة؟
قال الرئيس اوباما ان الاتفاق مع ايران حول الملف النووي لا يشمل، تطبيع العلاقات، وان الولايات المتحدة ستبقى تدافع عن السلام في المنطقة، وستلاحق المتهمين بتمويل الارهاب ومحاربتهم.
اذاً انه يدرك تماماً ان هذا الاتفاق لن يعيد السلام الى المنطقة، لا بل ان تحرير ايران من القيود الاقتصادية سيطلق يدها اكثر، وستستمر في مخططها التوسعي في المنطقة، الامر الذي يشكل خطراً على كل الدول المجاورة والقريبة. افليس من المتوقع ان يزداد الدعم الايراني للنظام السوري بعد استعادة الاموال المجمدة، فتتعثر الحلول اكثر فاكثر في سوريا، هذا الجرح النازف الذي يحصد مئات الالاف من البشر؟
الرئيس اوباما المدافع بعناد عن الاتفاق النووي يدرك تمام الادراك كل هذه الامور، اما لماذا اقدم؟ فلا احد يعلم ويجب الانتظار ربما كان بحاجة الى هذا الاتفاق ليغطي الفشل في الشرق الاوسط. هل من الممكن ان تكون هناك اتفاقات عقدت تحت الطاولة، وستظهر نتائجها في ما بعد؟ ولكن من يضمن تنفيذ هذه الاتفاقات في حال وجودها؟ وما هي الآلية المعتمدة لذلك؟
الاسئلة كثيرة والوضع غامض، ولكنه في كل الحالات لا يبعث على التفاؤل والارتياح، خصوصاً وان لدى ايران مخططاً توسعياً بدأت بتنفيذه قبل توقيع الاتفاق. فكيف بالحال اليوم؟ ما هو الرادع لمثل هذه السياسة؟ ودول الخليج كلها هي المتضررة الاكبر من هذه السياسة التوسعية، لانها تشكل خطراً عليها. ومن هنا كان هذا الحذر المشوب بالقلق رغم التطمينات الاميركية. فالولايات المتحدة وكما بات معلوماً في كل دول العالم لا تحترم صداقات، ولا علاقات، باستثناء اسرائيل وهي ابداً تفتش عن مصالحها دون مراعاة لمصالح الاخرين.
صحيح ان الدول كلها تراعي مصالحها قبل اي امر آخر، وبعد ذلك تنظر الى الاخرين، ولكن الولايات المتحدة لا تتطلع مطلقاً الى مصالح الغير عندما تراعى مصلحتها. والامثلة كثيرة على تضحيتها بانصارها وحلفائها لان الحاجة دعت الى ذلك.
ويتساءل المراقبون عن سر هذه الهجمة الاوروبية الى طهران، بعد سنوات طويلة من العداء، ها هم المسؤولون في المانيا وفرنسا وبريطانيا يتدافعون لكسب ود ايران، فهل زالت كل الاتهامات التي كانوا يوجهونها اليها؟
ما يهمنا بالدرجة الاولى انعكاس الاتفاق النووي ايجاباً على الوضع في لبنان، فهل تطلق انتخابات الرئاسة من عقالها، ويقدم مجلس النواب على انتخاب رئيس للجمهورية، بعد اربعة عشر شهراً من الفراغ؟
الدلائل لا تبشر كثيراً. فقد اعلن رئيس كتلة الوفاء للمقاومة النائب محمد رعد ان ما بعد الاتفاق هو غير ما قبله. فهل هذا تهديد؟ وهل ان قوى 8 اذار كانت تنتظر توقيع الاتفاق لتنقض على ما تبقى من مؤسسات الدولة، ام ان تصريح النائب رعد هو انه يتوقع ان تتحسن الامور اكثر، وتحل العقد التي تعترض انتخابات رئاسة الجمهورية، ويتحرر المجلس النيابي، ويطلق العمل الحكومي؟ انها اسئلة برسم الايام المقبلة فعسى ان تلقى اجوبة تعيد الطمأنينة الى النفوس.

«الاسبوع العربي»

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً

إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق