افتتاحية

اللبنانيون بدأوا بالمحاسبة فهل يستمرون؟

تميز الاسبوع الماضي بالتحركات التي دعا اليها التيار الوطني الحر دفاعاً عما سماه حقوق المسيحيين. وتخلل الدعوة والتحرك طروحات عديدة ليست واردة في حساب اللبنانيين في الوقت الحاضر. فقد طرح الفيدرالية، والانتخابات النيابية التي قال انها يجب ان تسبق الانتخابات الرئاسية، وغير ذلك من الطروحات التي بدت غريبة بعض الشيء، لانها تأتي في غير اوانها. ولذلك فهي لم تلق التأييد من احد.
هذا التحرك كانت له ايجابيات وسلبيات على الصعيد اللبناني، لان اي حركة اياً كانت، لا يمكن ان تكون كلها سلبية ولا كلها ايجابية. وسنبدأ بتعداد الايجابيات: ان العدد الضئيل الذي شارك في الحركة الشارعية دل بما لا يقبل الشك على ان اللبنانيين بجميع فئاتهم باتوا يرفضون هذه الاساليب التي تضر بهم وتضر بالوطن دون ان تحقق اي مكسب. هذا الوعي عند اللبنانيين كان موضع اعجاب لدى الاوساط الدبلوماسية التي تراقب الوضع الداخلي عن كثب، حرصاً من المجتمع الدولي على ان يبقى لبنان بمنأى عن اي خضات امنية.
ضآلة عدد المشاركين صدمت المسؤولين في التيار الوطني الحر،، مما دفع احد نواب التيار الى ان ينشر صورة اراد بها ان يظهر ان الحشد كان كثيفاً، فاختار لهذه الغاية مشهداً قديماً، ولكن اللعبة انكشفت اذ ان الامطار كانت تغمر الطرقات، فيما نحن في عز تموز، فاتت النتيجة عكسية.
من الايجابيات ايضاً ان جميع حلفاء التيار الوطني الحر رفضوا المشاركة. فبدا التيار وحيداً في الساحة وهذا يدل على ان اللبنانيين، حتى السياسيين لا يريدون السير بأي منزلق، ذلك ان تحريك الشارع نعرف اين يبدأ ولكن لا نعرف اين ينتهي.
تكفي الاشارة الى هذه الايجابيات ولن نسترسل في تعداد المزيد. اما السلبيات فكثيرة ومتعددة:
– ان توقيت التحرك مع بداية فصل الصيف الذي ينتظره لبنان لتدعيم اقتصاده المنهار، بفضل المقاطعات والتعطيلات والشلل الذي يسود المؤسسات. هذا المشهد كان مؤذياً الى حد كبير، اذ ان السائح الذي كان يرغب في قضاء فصل الصيف في ربوعنا، باعتبار ان لبنان لا يزال آمناً ومستقراً نسبياً، اكثر من اي بلد عربي آخر، جاء هذا التحرك ليعطي صورة عكسية، اصبح السائح معها متردداً في زيارة لبنان. فماذا جنى التيار الوطني الحر من ذلك؟
– ان الحملة الظالمة التي تعرض لها الرئيس تمام سلام اعطت صورة سيئة عن الحياة السياسية في لبنان، بحيث ان عدداً من الدبلوماسيين طلبوا تفاصيل كاملة عن المشادة التي افتعلها احد الوزراء ضد رئيس الحكومة. افلا يكفي الشلل المخيم على المؤسسات، حتى نصور الحياة السياسية بهذه الصورة، خصوصاً وان النتائج جاءت هذه المرة ايضاً عكسية؟
فاللبنانيون جميعاً وخصوصاً المسيحيين يعرفون جيداً ان الرئيس تمام سلام لم يفرط يوماً بحقوق المسيحيين، وقد سبق له ان خسر مقعداً نيابياً في الانتخابات، لوقوفه الى جانب حقوق المسيحيين، فهل من العدل والمنطق اتهامه بانه يمارس «الداعشية» السياسية؟
على كل حال الوزراء والسياسيون والهيئات الاجتماعية ردت هذه الاتهامات الى اصحابها. فالوزراء صفقوا طويلاً للرئيس سلام في مجلس الوزراء، بعد رده على الهجوم الذي تعرض له. والسياسيون والهيئات الشعبية زحفوا في اليوم التالي الى السراي معلنين وقوفهم الى جانب رئيس الحكومة ودعمهم له، مجددين الثقة به وبسياسته الحكيمة، التي يبذل الكثير من الجهد والعناء في سبيل تحقيقها، وهو لا ينفك في مطلع  كل جلسة لمجلس الوزراء، يطالب بانتخاب رئيس للجمهورية. لقد اتهم الرئيس سلام بانه يعطل الانتخابات الرئاسية، فهل من يصدق؟ الا يعرف الناس من يعرقل المجلس النيابي ويمنعه من القيام بواجبه. ومن يقاطع جلسات انتخاب رئيس للجمهورية؟
– الحملة الظالمة على الجيش اللبناني وعلى قيادته الحكيمة التي اشاد العالم كله بمواقفها المشرفة وبتضحيات الجيش الواقف على الحدود، مدافعاً عن لبنان في وجه الارهاب الذي عجزت اكبر الدول عن مواجهته. فهل هذه الحملة جاءت في مكانها الصحيح؟ وكما قال الرئيس سليمان، وهو ابن الجيش وادرى بعمله، كيف نشيد بالجيش ونضرب قيادته؟ وكيف نفسر ان العالم كله يقف الى جانب هذا الجيش بقيادته التي تستحق كل ثناء وتقدير، ويمده بالسلاح اللازم لاكمال مهمته؟
– تحريك الشارع لعبة خطرة يمكن ان تدمر الوطن. فماذا يحصل لو تم تحريك الشارع من جهة مقابلة للوقوف بوجه المتظاهرين، افلا يمكن ان يؤدي ذلك الى فتنة مدمرة، يصبح من الصعب الخروج منها؟ هل ان المخططين بعد فشلهم في اشعال الفتنة السنية – الشيعية يريدون اشعال فتنة مسيحية – سنية؟
سلبيات هذا التحرك وفي هذا الوقت بالذات اكثر من ان تحصى، فهل يعود العقل يتحكم بالقرارات، لتستقيم الامور، وهل يدرك الجميع بعد هذا الذي حصل، وهو بمثابة استفتاء، اهمية ان ينزل جميع النواب وخصوصاً المقاطعين وينتخبوا رئيساً للجمهورية. ان اللبنانيين بدأوا بالمحاسبة فعسى ان يستمروا.

«الاسبوع العربي»

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً

إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق